يأتي طلب رئيس النظام السوري بشار الأسد زيادة عدد وقواعد القوات الروسية بسورية ليحيل ربما كل ما عدا الاحتلال المرحب به، بل والمطلوب، إلى تفاصيل ولزوم ما لا يلزم التطرق إليه، ما دامت روسيا دولة محتلة بموافقة "الدولة السورية"، وعقود استيلائها على مرفأ طرطوس لخمسين سنة قابلة للتجديد، وكذا عقود النفط والغاز، وحتى الفوسفات.
بيد أن تبديد ثروات ومقدرات السوريين، مع الشكر والامتنان للمحتل، يحيل ما لا يلزم إلى لزوميات، ويستدعي ربما لجوء السوريين للمحاكم الدولية بدعاوى مقايضة بشار الأسد كرسي الوراثة بثروات ومحاصيل وقوت السوريين، بعد وصول مقايضة السلاح وحماية الكرسي لزيت الزيتون والحمضيات السورية، وتعالي قرقعة مِعَد السوريين التي يسمعها العالم بأسره، إثر زيادة حاجة معيشة الأسرة لأربعة ملايين ليرة واقتصار منّة النظام، المسمى مجازاً راتباً شهرياً، على مئة ألف ليرة وتعدي نسبة الفقر 90%.
لكن يُتْم السوريين وتغيّر اتجاهات رياح المنطقة أخيراً تجعل من شكايات السوريين تذمراً ورفضاً للنعماء والاستقرار، وربما إعاقة لملامح التكتلات الجديدة التي خلطت الزيت بالماء وآخت بين الحملان والذئاب.
فماذا يعني أن يدفع السوريون من جوعهم ومصيرهم، كرمى لاتفاقات "إبراهام" هنا أو عربون مساعي الصين بحل الحروب المذهبية، هناك.
وماذا يعني أن يكون ثمن قتل آخر ثورات الربيع العربي، قتل مليون أو خسارة مئات المليارات أو حتى تهجير نصف السكان، أو ليس لمسيرة التاريخ وبناء التحالفات أثمان؟!!
قصارى القول: أتى بشار الأسد القضية "من الآخر" خلال أول زيارة دولة، منذ الثورة عام 2011، بقوله يوم الخميس الماضي إن "دمشق سترحب بأي مقترحات من روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة أو زيادة عدد قواتها في سورية".
وأضاف قاطعاً التأويل عن أن وجود روسيا في سورية ليس احتلالاً بقوله: "إن الوجود العسكري الروسي في سورية لا يتعين أن يكون مؤقتاً"، ليكون البحث فيما أشار إليه "البيان الرئاسي" بدمشق، من لقاء اللجنة السورية - الروسية المشتركة، أو الدورة الثالثة عشرة ومقاربة المصالح بـ"الفرص المهمة" في قطاعات الطاقة والكهرباء وإنتاج النفط والغاز وحتى مياه الشرب، تدخلا بالشؤون السورية الداخلية.
موسكو بأمر الواقع وواقع الأمر تعيد النظر في مصادر المال بمستعمرتها وتهيكل مكاسب الشركات بـ"المال السوري الداشر" وفق ما يسمى "بروتوكول اجتماعات اللجنة المشتركة" التي سيعاد توزيع واقتسام كعكة خراب سورية عبره في دمشق "قريباً،" كما قال رئيس الوفد الاقتصادي المرافق للأسد، منصور عزام.
نهاية القول: لم يبق قطاع اقتصادي أو مطرح استثماري في سورية، محرماً أو بعيداً عن السطوة الروسية، بل بـ"بصم" بشار الأسد على المشروعات الأربعين التي سبق أن طرحها نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف العام الماضي، أحال روسيا الاتحادية إلى محتل ووصي، يمنح من جغرافية سورية وثرواتها وأهمية موقعها ما تشاء وما يتوافق مع مشاريعها وأحلامها التوسعية، إن خلال مستنقع أوكرانيا أو ما بعده، خاصة أن تركيا وإيران كانتا على طاولة بحث بوتين الأسد.. وكان شكل المنطقة المأمول سبب استدعاء بشار إلى موسكو.