الأزمة تضرب الاقتصاد الألماني وتخيف أوروبا

17 ديسمبر 2024
سوق في برلين، 11 ديسمبر 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الاقتصاد الألماني أزمة عميقة مع انخفاض مؤشر مناخ الأعمال وتقلص الاقتصاد بنسبة 5% على مدى خمس سنوات، مما يعكس تزايد التشاؤم بين الشركات والمستهلكين.
- سياسياً، تمر ألمانيا بمرحلة صعبة بعد سحب الثقة من المستشار أولاف شولتز، مع اقتراح حل البرلمان وسط خلافات حول الإصلاحات الاقتصادية وآلية كبح الديون.
- تثير الأزمة قلقاً أوروبياً واسعاً بسبب تحديات بنيوية مثل فقدان الطاقة الروسية الرخيصة وتراجع القدرة التنافسية، مما يهدد بتأثير سلبي على أوروبا.

يعرف الاقتصاد الألماني أزمة عميقة بدأت تبث الخوف بين دول الاتحاد الأوروبي. فقد وصلت ألمانيا إلى نقطة اللاعودة. يدرك قادة الأعمال ذلك، ويشعر بها الناس في البلاد، ولكن الساسة لم يتوصلوا إلى حلول بعد. وقد أدى هذا إلى أن يصل أكبر اقتصاد في أوروبا إلى مسار الانحدار الذي قد يكون لا رجعة فيه. إذ بعد خمس سنوات من الركود، أصبح الاقتصاد الألماني الآن أصغر بنسبة 5%، فيما واصل المزاج العام في الاقتصاد الألماني تدهوره، بحسب ما أعلن معهد "إيفو" للبحوث الاقتصادية اليوم الثلاثاء في ميونخ.

وانخفض مؤشر المعهد لمناخ الأعمال بمقدار 0.9 نقطة ليصل إلى 847.7 نقطة في ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهو أدنى قيمة له منذ مايو/أيار 2020. وكان خبراء الاقتصاد يتوقعون تغيراً طفيفاً عند 85.5 نقطة. وبحسب المعهد، تتطلع ما يقرب من 9 آلاف شركة شملها الاستطلاع إلى المستقبل بصورة أكثر تشاؤماً. ومع ذلك، تحسن تقييم الشركات لوضعها الحالي على نحو طفيف. وقال رئيس المعهد، كليمنس فوست: "لقد أصبح ضعف الاقتصاد الألماني مزمناً".

وبموازاة ذلك، كشف استطلاع للرأي نشر اليوم أن المستهلكين في ألمانيا يرغبون في تجنب عمليات الشراء غير الضرورية بشكل أكبر في العام المقبل. ووفقاً للاستطلاع الذي أجرته شركة الاستشارات الإدارية "أليكس بارتنرز"، يعتزم 35% من الألمان تقليص النفقات، خاصة على أنشطة أوقات الفراغ والإلكترونيات والمستلزمات المنزلية. كما يخطط 37% لتقليص الإنفاق على الترفيه خارج المنزل، ويعتزم 54% من الألمان تقليل زيارات المطاعم.

وفي المقابل، يعتزم نحو 25% من الألمان زيادة إنفاقهم على السفر والعطلات العام المقبل. وقالت مديرة الشركة، نوردال كافاديني: "العديد من تجار التجزئة في موقف متأزم، ويجذبون العملاء بزيادة الخصومات بصورة مستمرة، ويجبرون بذلك تجاراً آخرين على اتباع النهج نفسه".

الاقتصاد الألماني في مرحلة صعبة

يأتي ذلك فيما دخلت ألمانيا مرحلة سياسية صعبة، بعد سحب البرلمان الاتحادي الثقة من المستشار أولاف شولتز، الاثنين. وصوت البرلمان الألماني على سحب الثقة من المستشار شولتز، بناء على اقتراح قدمه الأسبوع الماضي بعد انهيار حكومته الائتلافية.

وبعد إعلان نتيجة التصويت، التقى شولتز مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير. وأعلنت المتحدثة باسم الرئاسة الألمانية كرستين غاملين في بيان على منصة إكس، أنّ أولاف شولتز اقترح على الرئيس فرانك فالتر شتاينماير حل البرلمان الألماني. وذكرت غاملين أن الرئيس لديه 21 يوماً لاتخاذ قرار حل البرلمان، مشيرة إلى أن شتاينماير سيجتمع مع زعماء الكتل الحزبية في البرلمان قبل اتخاذ هذا القرار.

وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أقال المستشار الألماني أولاف شولتز، وزير المالية كريستيان ليندنر، بسبب خلافات حادة بشأن الإصلاحات الاقتصادية، وقرر الحزب الديمقراطي الحر برئاسة الأخير، سحب جميع وزرائه من الحكومة ومغادرة الائتلاف.

ودعا المستشار الألماني أولاف شولتز إلى إصلاح آلية كبح الديون. وقال السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الاثنين إنه يجب تحديث قاعدة الديون "بشكل ذكي"، وتابع:" اقتراحي هو إجراء فتح معتدل (لسقف الديون) يكون مقتصراً بشكل واضح على الاستثمارات، استثمارات في تجديد ألمانيا وأمنها".

وأشار شولتز إلى أنه اعتباراً من الدورة التشريعية المقبلة، يجب تمويل نفقات الدفاع بالكامل من الميزانية العامة القائمة، حيث سيتم استنفاد الأموال المخصصة للصندوق الخاص للجيش والبالغة قيمته 100 مليار يورو. وأوضح أن ذلك يعني زيادة الإنفاق بنحو 30 مليار يورو سنوياً، بدءاً من عام 2028 على أبعد تقدير، لافتاً إلى أن هناك أيضاً سداد القروض التي تم الحصول عليها خلال أزمة كورونا.

وشدد شولتز على أن هذه التكاليف لا يمكن تحميلها للعمال أو الأسر، ولا يمكن تمويلها من خلال تخفيض الاستثمارات أو إجراء تخفيضات كبيرة في مجالات الرعاية الصحية أو التقاعد أو الخدمات الصحية. يُذكر أن آلية كبح الديون المدرجة في الدستور الألماني تسمح بالاقتراض الجديد ضمن حدود ضيقة. وكانت الخلافات حول هذه الآلية قد أدت إلى انهيار تحالف "إشارة المرور" الحاكم.

قلق أوروبي

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس تشير إلى أن الجزء الأكبر من العجز سوف يكون من الصعب تعويضه، وذلك بسبب الضربات البنيوية مثل خسارة الطاقة الروسية الرخيصة، وكفاح شركتي فولكس فاغن ومرسيدس بنز لمواكبة شركات السيارات الصينية. ويعني تراجع القدرة التنافسية الوطنية أن كل أسرة سوف تخسر نحو 2500 يورو (2600 دولار) سنوياً.

قالت إيمي ويب، مؤسسة ومديرة تنفيذية لمعهد فيوتشر توداي، الذي يقدم المشورة للشركات الألمانية بشأن الاستراتيجيات: "لا تنهار ألمانيا بين عشية وضحاها. وهذا ما يجعل هذا السيناريو مرعباً للغاية. إنه انحدار بطيء للغاية وممتد. ليس لشركة أو مدينة، بل للبلد بأكمله، وأوروبا تنحدر معه".

إن ما يبدو عليه الأمر هو أن ألمانيا سوف تفقد المزيد من صناعاتها التي تعتمد على الطاقة بكثافة، وسوف تتراجع صادراتها مع كبح الشركات غير المستقرة للاستثمار المحلي. ومع تآكل مستويات المعيشة، سوف يبحث الناخبون عن شخص ما ليلوموه، وسوف تعمل التوترات الاجتماعية على إبعاد المواهب الأجنبية التي تحتاج إليها البلاد بشدة. ثم إن هذا المزيج السام من الحذر والاستياء سوف ينتشر في جميع أنحاء أوروبا. وقالت ويب "إن حياة الجميع، شيئاً فشيئاً، تصبح أسوأ".

وأدت سنوات من القرارات السيئة وبعض سوء الحظ إلى تحطيم النموذج الاقتصادي الألماني في الوقت الذي تحتاج فيه بقية أوروبا إلى عضلاتها الصناعية لمساعدة المنطقة على مواكبة الصين، والتعامل مع حرب روسيا في أوكرانيا، والرد على الولايات المتحدة التي تزداد عزلة. ولكن ألمانيا تواجه بدلاً من ذلك أكبر أزمة لها منذ إعادة توحيد ألمانيا.

قبل خمسة وثلاثين عاماً، أدى سقوط جدار برلين إلى توحيد الألمان خلف خطة إنفاق ضخمة لدمج الشرق الشيوعي السابق. والآن أصبحت البلاد منقسمة بشدة، ومن غير المرجح أن يصدر الناخبون المستقطبون تفويضاً واضحاً للإدارة التي ستتولى السلطة بعد انتخابات فبراير/شباط.

وفي كلمة ألقاها في لوكسمبورغ في وقت سابق من هذا الشهر، قال يواكيم ناغل، رئيس البنك المركزي الألماني: "لقد تدهور الوضع التنافسي للصناعة الألمانية. ولم توفر الأسواق الأجنبية المتنامية دوافع النمو كما فعلت في الماضي".

ومن الواضح أن ألمانيا لديها أدنى نسبة ديون بين دول مجموعة السبع، وهو ما يوفر مجالاً للإنفاق إذا توافرت الإرادة السياسية. وقد توفر التوقعات في الأمد القريب أيضاً بعض الدعم، إذ يتوقع خبراء الاقتصاد تعافياً متواضعاً.

المساهمون