تتراكم السحب السوداء في سماء الاقتصاد الباكستاني، حيث تعاني البلاد من انقطاع التيار الكهربائي وتداعياته على ماكينة الإنتاج. بينما تواجه البلاد المزيد من ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يطالب بالتحرير الاقتصادي بينما الروبية تواصل التدهور.
ويفاقم انقطاع التيار الكهربائي المتكرر من أزمات الاقتصاد الباكستاني الذي يعاني أصلاً من عدم الاستقرار السياسي والتناحر الاجتماعي وارتفاع التضخم وتدهور العملة الوطنية الروبية مقابل الدولار وضخامة أعباء الدين الخارجي.
ولف الظلام الكامل باكستان في 24 يناير/كانون الثاني، حيث فشلت شبكة الكهرباء المتقادمة في تلبية طلب البلاد على الكهرباء، ولا تزال البلاد تعاني من تداعيات انقطاع التيار على القطاعات الإنتاجية.
وحسب بيانات أوردها "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، تسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في البلاد في خسارة تقدّر بنحو 70 مليون دولار لصناعة النسيج في البلاد، وهو أكبر قطاع تصدير تعتمد عليه باكستان في الحصول على العملات الصعبة.
كما ارتفع إجمالي الدين العام لباكستان إلى أكثر من 200 مليار دولار في نهاية العام الماضي 2022، وهو ما يمثل حوالي 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لإحصاءات البنك المركزي الباكستاني.
ويشير تقرير "مجلس العلاقات الخارجية" إلى أن كارثة الفيضانات تكاتفت مع أزمة الكهرباء لتعيق ماكينة الإنتاج في البلاد، حيث أدى التضخم المرتفع إلى جعل السلع اليومية مثل الغذاء والوقود أكثر تكلفة للعائلات والشركات.
وساهم ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار وهروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى تدهور سريع لقيمة العملة الباكستانية، "الروبية".
وفي الوقت نفسه، فإن الخسائر المقدرة بنحو 40 مليار دولار التي سببتها الفيضانات الكارثية في العام الماضي زادت من عجز الميزانية الباكستانية، بسبب الإعانات الحكومية الكبيرة التي قدمتها للمواطنين وأعباء خدمة الديون التي دفعتها الدولة لتفادي الوقوع في مستنقع التخلف عن السداد.
وسط هذه الظروف المالية الحرجة يواصل صندوق النقد الدولي الضغط على الحكومة الباكستانية، ويطالبها بتنفيذ إجراءات اقتصادية قاسية ضمن شروطه للحصول على تمويلات جديدة، من بينها رفع الدعم عن الوقود والكهرباء. وهو ما اضطر حكومة إسلام أباد للخضوع تحت الحاجة الماسة للدولارات إلى زيادة أسعار البنزين والغاز التي دخلت حيز التنفيذ أمس الخميس في باكستان، حسب تقرير صحيفة "بيزنس توادي" الباكستانية".
وبناءً على هذه الإجراءات الجديدة، حسب تقرير الصحيفة، تم رفع أسعار البنزين بمقدار 22.20 روبية باكستانية للتر، في محاولة لاسترضاء صندوق النقد الدولي لإحياء تسهيل موسع البالغ 7 مليارات دولار، كما تم رفع أسعار الغاز بنسبة كبيرة لمختلف القطاعات، بما في ذلك المستهلكون المحليون وفقًا لإخطار صدر أخيراً عن هيئة تنظيم النفط والغاز الباكستانية.
وفي أعقاب هذه الزيادات، بلغت تكلفة البنزين 272 روبية باكستانية للتر للمواطن والشركات، في حين أن الديزل عالي السرعة بات يباع بـ 280 روبية باكستانية للتر الواحد، كما بلغ سعر الكيروسين والديزل الخفيف 202.73 روبية للتر و196.68 روبية للتر على التوالي، وذلك حسب بيانات "بيزنس توادي" أمس الخميس.
وكان ارتفاع أسعار البنزين والغاز أحد الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي، إلى جانب الإجراءات المالية الجديدة التي تم اتخاذها من خلال "الميزانية المصغرة".
ويتوقع محللون أن يرتفع معدل التضخم في باكستان بعد ارتفاع أسعار البنزين وإعلان الميزانية المصغرة. وتهدف الميزانية المصغرة إلى تقليص عجز الميزانية وتوسيع شبكة تحصيل الضرائب الحكومية. وتأتي الزيادة بعد أن وافقت لجنة التنسيق الاقتصادي التابعة لمجلس الوزراء الباكستاني على ملخص رفع سعر الغاز بنسبة 112% للمستهلكين المحليين.
وقدمت باكستان يوم الأربعاء مشروع قانون مالي تكميلي للميزانية أمام البرلمان، اقترحت فيه رفع ضريبة السلع والخدمات إلى 18% من 17%، للمساعدة في جمع 170 مليار روبية (أي نحو 639 مليون دولار) من الإيرادات الإضافية للميزانية.
كما اقترح مشروع القانون الذي طرحه وزير المالية، إسحاق دار، على البرلمان إعفاء مواد "الاستخدام اليومي" من ارتفاع ضريبة السلع والخدمات مثل القمح والأرز والحليب واللحوم، لتقليل تأثير الميزانية على الفئات الأكثر عرضة لارتفاع التضخم.
ونقلت "رويترز" عن رئيس الأبحاث في شركة إسماعيل إقبال للأوراق المالية في كراتشي، فهد رؤوف، قوله إن الجانب الإيجابي الوحيد لمشروع قانون التمويل هو أنه سيأخذ باكستان خطوة أقرب إلى استئناف برنامج صندوق النقد الدولي.
وأضاف "من المؤسف أننا نعرف فقط كيف نزيد الضرائب غير المباشرة ونثقل كاهل دافعي الضرائب الحاليين". وأشار إلى أنه من المؤسف كذلك أن البلاد تفتقر إلى نظام كفؤ لتحصيل الضرائب على الدخل، من تجار التجزئة والعقارات والقطاعات الزراعية.
ومع تحرك باكستان نحو تحرير قطاع الطاقة من خلال إدخال سوق تعاقد ثنائي تجاري تنافسي في السنوات المقبلة، يرى خبراء ضرورة تشجيع المنافسة والابتكار بدلاً من اللجوء إلى طلب المساعدات.
في هذا الشأن، ترى الخبيرة في معهد أبحاث الطاقة والتمويل الأميركي في كليفلاند أوهايو، هانيا إسعاد، أن التركيز على مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية يخلق فرصة لنظام إمداد بالطاقة ممول محليًا مقوم بالروبية. وتقول في تحليل على موقع المعهد، إنه يجب على الحكومة إعطاء الأولوية لمشاريع الطاقة.