انعكس تهاوي قيمة الدينار أمام الدولار، سلباً على معيشة العراقيين في الشهور الثلاثة الأخيرة، إذ أدى ذلك إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والإنشائية والملابس، وخاصة أن أكثر من 90 في المائة من البضائع الاستهلاكية في السوق المحلي، مستوردة من الخارج، وتدفع الحكومة قيمتها بالعملة الأميركية.
وكانت الحكومة العراقية قد رفعت نهاية العام الماضي، سعر صرف الدولار من نحو 1200 إلى 1448 ديناراً، حتى يتسنى لها تقليص الفجوة بين الواردات بالعملة الصعبة من بيع النفط وما تنفقه على الموازنة التشغيلية للبلاد، إذ يبيع العراق نفطاً بقيمة نحو 3.4 مليارات دولار شهرياً، بما يوازي أربعة تريليونات دينار، وهو رقم لا يكفي لدفع مرتبات الموظفين البالغة نحو 6 تريليونات دينار شهرياً.
ولكن في المقابل دفع غالبية العراقيين الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، ثمن تهاوي عملتهم الذي انعكس عليهم بغلاء السلع والخدمات الأساسية.
ويقول مواطنون من بغداد لـ"العربي الجديد" إن "ارتفاع أسعار الأغذية هو أكثر ما يؤثر على حياتنا العامة، خصوصاً أن الارتفاع شمل كل مفردات الحياة الأساسية، ووصل الأمر إلى ارتفاع أسعار الخبز، فبعد أن كانت خمسة أرغفة خبز بألف دينار عراقي (أقل من دولار أميركي)، باتت بعض المخابز تبيع نحو ثلاثة أرغفة بالمبلغ السابق، بسبب ارتفاع أسعار الطحين المستورد".
من جهته، يُشير علي عبد الكريم، وهو صاحب محل كبير في سوق الكرادة ببغداد، إلى أن "التجار باتوا أكثر تضرراً من المواطنين، حيث إنهم يشترون المواد الغذائية وغيرها، بأسعار مرتفعة، وبالتالي فهم بحاجة إلى رفعها ولكن بمستوى قليل، من أجل عدم إرباك السوق، وقد تقلّصت نسبة الربح كثيراً للتجار، فيما ارتفعت الأسعار على المواطنين نسبياً، ولذلك فالأزمة الاقتصادية باتت معقدة ومركبة، وكل ذلك بسبب الإجراءات الحكومية غير المدروسة".
وأضاف عبد الكريم لـ"العربي الجديد"، أن "كل شيء في السوق ارتفع سعره، حتى السلع التي لا تتأثر أصلاً بسعر صرف الدولار، ارتفعت هي الأخرى بسبب استغلال بعض التجار للأزمة"، مبيناً أن "كثيراً من المواطنين عادوا إلى الشراء بالديون، وخصوصاً شريحة الموظفين الذين انخفضت قيمة رواتبهم 70 في المائة تقريبا".
إزاء هذا الوضع الصعب تقف الحكومة عاجزة عن توفير السلع الأساسية من غذاء وغيره بأسعار تناسب دخل المواطن، وعلق العضو بالبرلمان العراقي، علي البديري على هذه النقطة قائلا، إن "السلطات العراقية حين سعت إلى الخروج من الأزمة المالية عبر رفع قيمة الدولار مقابل الدينار، وقعت في أزمة ثانية وهي تدهور القوة الشرائية للمواطنين، ولذلك فإن بوادر أزمة اقتصادية باتت تلوح بالأفق، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار أثر بشكل كبير على أسعار البضائع في السوق، وخصوصاً السلع الاستهلاكية المستوردة، وهذا الأمر لا نعرف إن كانت الحكومة قد درسته أو لا، ولكنها تقول إنها تلاحق التجار الذين استغلوا الأزمة ورفعوا أسعار المواد، كما أنها باشرت خلال الأسابيع الماضية بالترويج للمنتج الوطني".
من جانبه، أكد رئيس حركة "كفى" السياسية المستقلة، رحيم الدراجي، أن "السياسة المالية العراقية الحالية، أدت إلى تضرر شريحة الفقراء، الذين يشكلون النسبة الكبرى من المجتمع"، لافتاً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "تجار العملة الصعبة، والمتنفذين والفاسدين من السياسيين هم المنتفعون من هذه الأزمة، إضافة إلى التجار الذين يعملون تحت مظلات سياسية وانتفعوا كثيراً خلال الأشهر الماضية".
إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، أن "العراقيين يعانون أصلاً منذ بدء تفشي فيروس "كورونا"، من مشكلات اقتصادية كبيرة، بسبب انهيار أسعار النفط التي أدت إلى تهديد رواتب الموظفين".
وأضاف أن "الحكومة لم تستطع حل مشاكل الفقراء، وهم بالملايين، ولدى وزارة التخطيط تعداد وتصور شامل عنهم"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "تعداد العراقيين أكثر من 40 مليون نسمة، وهناك 5 ملايين منهم موظفون، وهذا يعني أن النسبة الكبرى من العراقيين في تأثرٍ دائم من الأزمات المالية".
ويعتمد العراق على عائداته من مبيعات النفط في تغطية 95 في المائة من نفقات الدولة، حسب بيانات رسمية. وأقّرت الحكومة، في وقتٍ سابق، موازنة 2021 بقيمة 150 تريليون دينار (نحو 103 مليارات دولار)، بعجز إجمالي يبلغ 63 تريليون دينار (نحو 43 مليار دولار).