هنالك همسٌ مكبوتٌ لا تسمعه إلا الجدران، يتحدث عن أن كلاً من الدوحة وعمّان تشتكيان من أن العلاقات الثنائية فيما بينهما ليست في أحسن أحوالها، وأن لدى كل طرفٍ منهما عِتاباً مكبوتاً تجاه الطرف الآخر.
ولعل أهم شكوى لدى بعض المسؤولين في قطر أن زيارات كبار المسؤولين بين البلدين والمشاورات الثنائية في هذه الظروف أقل من السابق، وأن حماس الأردن للتنسيق مع دولة قطر ليس بالوتيرة والدرجة اللتين يمارسها مع دول خليجية أخرى.
ولكن عدا عن هذا الهمس، فإن العلاقات الثنائية، مقاسة بحجم التعاون الاقتصادي، وعلى المستوى المعرفي والتجاري والشعبي، لم تتراجع. وقد اتخذت إدارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إجراءات مهمة بالنسبة للأردن، مثل قرار توظيف 30 ألف شخص من الأردن في الاقتصاد القطري، وزيادة مستورداتها من بعض السلع الأردنية.
وفي مجال الطيران المدني، ترى أن هنالك ثلاث رحلات جوية بين البلدين كل يوم على الأقل. وكذلك قدّر الأردن لدولة قطر مواقفها الداعمة للمملكة في إدانة محاولات المتطرّفين في الحكومة والأحزاب الدينية الإسرائيلية اقتحام المسجد الأقصى وباحاته.
كما قامت كل من قناتي العربي والجزيرة بتغطية مميزة لأحداث الأقصى وكشف المؤامرة الإسرائيلية لاغتيال الصحافية الفلسطينية الشهيدة شيرين أبوعاقلة، مراسلة "الجزيرة" المتميزة، وغيرها من الصحافيين والشباب والأطفال والنساء الفلسطينيين.
علاقات اقتصادية متطورة
وفي مجال التبادل التجاري، رفض الأردن أي عقوبات على دولة قطر، وكان الأردن أكثر دولة مستريحة من رفع ذلك الحصار، وعودة الأمور بين دول الخليج إلى مسيرتها المعهودة. وقد كنت في الدوحة، أخيرا، لحضور ندوة عقدها مركز الجزيرة للدراسات.
وليس من حقي أن أتكلم عنها لأنها كانت مغلقة. ولكنني، وبحكم علاقات أسرتي القوية مع الأشقاء في قطر، والتي تمتدّ إلى ثلاثة أجيال. بدأت بوالدي، وبإخوتي وبي، وانتهت باثنين من أولادي، فإن حبّنا قطر دائم. ولكن عندما أسمع نقداً للأردن حيال مواقفه تجاه قطر، أو بالأحرى تجاه أي دولة خليجية أخرى، فإنني أسعى نحو التوفيق والإجابة.
وقد لامني باحث قطري بالقول إن كبار المسؤولين الأردنيين يزورون دولاً مجاورة لقطر (ولا يقصدون السعودية)، ولكنهم يتناسَون زيارة قطر. ومضى في عتابه قائلاً "هل تلك الدول أهم لكم من دولة قطر؟ لماذا لا تزوروننا؟".
والواقع أنني تعاطفت مع سؤاله، فقلت "يا أخي، القضية بالنسبة لنا ليست مفاضلة أو مقارنة بين الدولتين. علاقات الأردن مع كل دول الخليج لا يمكن أن نسمح لها بأن تقع في خيار الصفر، إما أنك معنا أو ضدنا. نحن نريد علاقاتٍ متميزةً مع كل الأشقاء. ولنا مع كل دولة منهم مصالح عميقة، ولا يجوز أن تحشرنا أي دولة خليجية بين فكّي المتلازمة إما أنا أو هُمْ".
هل قَصَّر الأردن مع أي دولة خليجية عندما تعرّضت تلك الدولة لمخاطر أمنية؟ هل تقاعس الأردن عن توفير ما لديه من إمكانات لوجستية أو ناعمة أو عسكرية أو أمنية، عندما طُلب منه ذلك؟
لا أعتقد ذلك، وأشقاؤنا في الخليج يعلمون تمام العلم أن الأردن يتفهّم المواقف السياسية التي يتخذونها، حتى وإن كان يخالفها، ولكننا نقول "أشقاؤنا أعلم بظروفهم منا".
بعد توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994، عقد في العاصمة القطرية الدوحة مؤتمر اقتصادي اقليمي. وقد حضرت المؤتمر مندوباً عن الراحل الملك الحسين، بصفتي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيراً للخارجية. واستقبلني الشيخ حمد بن خليفة، وقرّبني منه إكراماً للراحل الحسين، وعقدت جلسة مؤقتة مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية آنذاك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. وجمعتني الظروف أكثر من مرّة مع وزير الخارجية القطري الحالي، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وهو لا شك وزير ذكي وديناميكي من الطراز الأول.
الأردن في انتظار استثمارات قطر
أنهى الأردن، قبل أيام، الورشة الاقتصادية، وعقد مؤتمراً ختامياً للإعلان عنها يوم الاثنين الماضي، 6 يونيو/ حزيران، برعاية ملكية. وهو الآن يبحث عن دول عربية وصديقة تدعم برنامجه الاستثماري.
ولا شك في أن دولة قطر قادرة على أن تدعم هذا الجهد الأردني للخروج من أزمته الاقتصادية، وسيحتاج الأردن خلال السنوات العشر المقبلة إلى 40 مليار دينار، أو 56 مليار دولار بمعدل 5.6 مليارات دولار سنوياً.
وقد أعلنت دولة الإمارات أنها سوف تستثمر حوالي خمسة مليارات دولار في المشروعات الصناعية الأردنية. وكذلك قامت السعودية بإحياء مشروع طبي علاجي تعليمي كبير بالقرب من مطار الملك علياء الدولي في عمّان، كما ساهم صندوق استثمار سعودي في أحد البنوك الأردنية. وتأتي دولة قطر حالياً في المرتبة الثالثة عربياً من حيث الاستثمار في الأردن، بعد الإمارات والسعودية.
لأسباب لا نعرفها، لم تدفع دولة قطر مبلغ مليار وربع المليار دولار، والتي تمثل حصتها لدعم الاقتصاد الأردني قبل حوالي عشر سنوات. ولكن الدول الثلاث الخليجية الأخرى سدّدت كامل المستحقات، السعودية والإمارات والكويت. وبإمكان الأشقاء في قطر إعادة رصد ذلك المبلغ للاستثمار في الأردن، والذي كان أصلاً مخصّصاً لذلك.
وكذلك يجب أن نُذَكّر الاشقاء أن الأردنيين قد استثمروا في مشاريع كثيرة في قطر، ونتوقع منهم المزيد. لا يمكن لقطر والأردن أن يُبقيا مستوى العتاب خافتاً، بل لا بد من لقاء قريب، حبذا لو يقوده ولي عهد الأردن، الحسين بن عبدالله، لتدفئة العلاقات والحفاظ على تألقها المعهود، وذلك قبل زيارة ملكية لاحقة.