اقتصاد مونديال قطر: ورشة تنمية بمكاسب طويلة الأمد

22 اغسطس 2022
السياحة تترقب عوائد بمليارات الدولارات (الأناضول)
+ الخط -

مع بدء العد التنازلي لاستضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم "فيفا 2022"، تتأهب الأسواق وقطاعات اقتصادية عديدة لأكبر انتعاش في تاريخ البلاد، بل وبدأ بعضها في جني المكاسب مبكراً، إذ يقدر إجمالي الأرباح في قطاع السياحة فقط بنحو 7.5 مليارات دولار.

وقطر هي أول دولة عربية تستضيف هذا الحدث الرياضي العالمي الكبير، الذي تمتد فعالياته لمدة 29 يوما تبدأ في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وستكون الدوحة خلال هذه الفترة قبلة لنحو 1.5 مليون شخص من أنحاء العالم، لمتابعة المباريات الرياضية، ما سيخلق فرصاً واعدة للقطاعات المختلفة، ومنها العقارات والتجارة والسياحة والطيران والنقل وغيرها.

عائدات بمليارات الدولارات

تقدر العائدات المالية من تنظيم بطولة كأس العالم بعشرات مليارات الدولارات، حسب مراقبين ودراسات، إذ يرتقب أن تجني السياحة فقط أكثر من 7 مليارات دولار، وسط توقعات بارتفاع عائدات التجارة والسياحة والعقارات وغيرها، والتي من المنتظر أن تزدهر خلال الربع الأخير من العام الحالي وما بعده، وفقا للأرقام الرسمية المعلنة أخيرا.

وتوقع جهاز التخطيط والإحصاء القطري (حكومي)، في تقريره السنوي، نمو اقتصاد البلاد خلال العام الجاري 2022 بين 1.6% و2.9%، صعودا من نطاق 1.5% – 2.3% في 2021، مدفوعا بتحسن غالبية الأنشطة الاقتصادية وباستضافة قطر بطولة كأس عالم 2022.

وحسب تقرير أعده المركز المالي الكويتي، فإنه من المتوقّع أن يُضيف الإنفاق السياحي والنشاطات الاقتصادية المصاحبة لمونديال 2022 في قطر، 1.5% إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما توقّع التقرير أن تزداد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطر قبل وبعد عقد البطولة العالمية.

ويشير خبراء ومستشارون اقتصاديون إلى أن البطولة ستلحق انتعاشة كبيرة بالاقتصاد القطري وتعزز مقومات التنمية في قطاعات متنوعة، مثل الفنادق والضيافة والنقل والسكن والسلع الغذائية وغيرها، إذ من المرتقب زيادة الإنفاق الاستهلاكي، لا سيما من قبل الزوار المشجعين للفرق الرياضية والذين تقدر أعدادهم بنحو مليوني مشجع. ويتوقع خبراء اقتصاد أن تستمر الأرباح إلى عام 2035، وستتضاعف مثل أرباح بطولة كأس العالم السابقة في روسيا 2018.

السياحة والضيافة

يتوقع أن تحقق قطر عائدا اقتصاديا ضخما من السياحة، إذ تؤكد شركة الأبحاث الاقتصادية "كابيتال إيكونوميكس"، في تقريرها أخيرا، أن مبيعات التذاكر تشير إلى أن نحو 1.5 مليون سائح سيقصدون كأس العالم في قطر.

وحسب الشركة، سينفق كل زائر لمدة عشرة أيام 500 دولار في اليوم تقريبا، ما يعني أن الإنفاق لكل زائر سيصل إلى 5 آلاف دولار. ومن ثم، فإن إجمالي الإنفاق السياحي الإضافي سيكون قرابة 7.5 مليارات دولار، أي ما يعادل زهاء 6% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويقول مدير عام وكالة "علي بن علي للسفر والسياحة" الخبير السياحي سعيد الهاجري، لـ"العربي الجديد"، إن قطر جاهزة لاستقبال الزوار الذين سيحضرون المباريات الرياضية ويستمتعون بالمرافق السياحية الشاطئية والبرية، وكذلك الأسواق والمتاحف، مشيرا إلى أن الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان تستعد أيضا للبطولة، وسيطاول النشاط السياحي للمونديال هذه الدول أيضا، فقد جدولت رحلات طيران يوميا من هذه الدول إلى الدوحة.

وتتعاون الخطوط الجوية القطرية مع خطوط فلاي دبي والخطوط الجوية الكويتية والطيران العُماني والخطوط الجوية السعودية، لإتاحة الرحلات اليومية المباشرة للذهاب والعودة خلال 24 ساعة من الدوحة وإليها، لحضور المباراة في اليوم ذاته والاستمتاع بتجربة استثنائية، بمعدل 168 رحلة جوية يوميا، 60 رحلة لشركة فلاي دبي، و20 رحلة للخطوط الكويتية، و48 رحلة للطيران العُماني، و40 رحلة للخطوط السعودية من جدة والرياض.

وأشار الهاجري إلى أن الشركات السياحية في قطر أعدت برامج سياحية متنوعة لجماهير المونديال، مؤكدا أن الأسعار في متناول الجميع وأقل من الدول التي استضافت البطولات السابقة، فهناك خدمات من فئات نجمة إلى سبع نجوم وبما يتناسب وميزانية الزائر، وفي مستوى 100 دولار وأكثر من ألف دولار يوميا.

وسجل برنامج الضيافة الرسمي لمونديال 2022 أعلى معدل مبيعات في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم خلال الفترة التي تسبق انطلاقه بـ100 يوم، وأعلنت شركة "ماتش للضيافة"، الوكيل الحصري لبرنامج الضيافة الرسمي للمونديال، تخطي حجم المبيعات الرقم القياسي الذي سجلته نسخة مونديال البرازيل 2014 عن نفس الفترة بنسبة 29%، مشيرة إلى أن أكثر البلدان شراء لباقات الضيافة، هي المكسيك والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأرجنتين، في حين تتصدر المملكة المتحدة وسويسرا وفرنسا وإسبانيا قائمة أعلى البلدان الأوروبية إقبالا على باقات الضيافة.

واحتلت قطر والسعودية والإمارات المراتب الأولى في الإقبال على باقات الضيافة في الشرق الأوسط، وتوجد ثلاث دول لم تسبق لها المشاركة في بطولة كأس العالم، وهي الهند وهونغ كونغ وبنغلادش.

وحول استعدادات فنادق الدوحة للبطولة، يقول مدير عام فندق سانت ريجيس، وسام سليمان، لـ"العربي الجديد"، إن اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الجهة المحلية المسؤولة عن مشاريع كأس العالم 2022، حجزت جميع الفنادق في قطر تقريبا، وبنسبة إشغال 80% من كل فندق، وبقيت 20% تسوقها إدارة الفندق.

ولفت سليمان إلى أن فندقه محجوز لإقامة فريق هولندا الأولمبي، وأشار إلى مواصلة أعمال التحديث والتطوير لكافة مرافق الفندق استعدادا للبطولة. وحول الأسعار، قال إنها "معقولة" مقارنة بالدول التي استضافت هذا الحدث الدولي سابقا.

افتتاح 50 فندقاً

وقبل أيام، أعلن جهاز قطر للسياحة عن افتتاح 50 فندقاً جديداً خلال العام الجاري، وتحقيق قطاع الضيافة القطري عوائد إيجابية، عبر بيع 3.1 ملايين ليلة فندقية حتى يونيو/ حزيران الماضي، فيما يتزايد المعروض من الغرف بشكل ثابت مسجلا 30 ألف غرفة حتى الشهر المذكور.

وتتنوع خيارات الإقامة خلال البطولة، وتتعدد بين الغرف الفندقية (من نجمتين إلى 5 نجوم)، والفنادق العائمة، والشقق والفيلات السكنية، وقرى المشجعين. وقعت اللجنة العليا للمشاريع والإرث اتفاقية مع شركة "إم إس سي" للبواخر السياحية، من أجل استئجار باخرتين سياحيتين لصنع تجربة فريدة للمشجعين، وستوفر الباخرتان 4 آلاف غرفة تستوعب 9500 شخص. كما ستقام خلال فترة البطولة فعاليات ترفيهية تضم أكثر من 90 حدثاً خاصاً.

طفرة العقارات

يشهد قطاع السكن والإيجارات طفرة غير مسبوقة، بدأت معالمها في مستهل العام الجاري، وتواصل قيم الإيجارات بالارتفاع مع اقتراب انطلاق البطولة. ويأتي ذلك بعد إنفاق هائل من الدولة على البنية التحتية.

وحسب تصريح سابق لرئيس رابطة رجال الأعمال القطريين الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، جرى إنفاق ما يزيد على 200 مليار دولار على المرافق الأساسية من طرقات وجسور وموانئ ومطار ومترو أنفاق ومساكن وسياحة ومناطق حرة.

ولفت إلى أن البنية التحتية ستتحول إلى مكاسب فيما بعد الانتهاء من تنظيم البطولة. واكد أن كأس العالم ستكون نقطة قوة لجذب الاستثمار الخارجي، وستنعكس إيجاباً على مستقبل البلاد كوجهة استثمارية وسياحية قادرة على رفع تحديات المنافسة.

وفي هذا السياق، يقول أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الاقتصادية رائد المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قطاع العقار يشهد نمواً متواصلاً في نطاق عمليات الإنشاء والتشييد بجميع المناطق، ويستفيد من السيولة المحلية المرتفعة.

وأشار المصري، إلى ‏أن المستثمرين فيه يسعون إلى تحقيق الأرباح ‏والعوائد الدائمة من دون مخاطر، وخاصة المستثمرون يركزون على قطاع التأجير.

ووقعت مجموعة بروة العقارية القطرية عقد تأجير الوحدات السكنية في مشروع "براحة الجنوب"، الذي يضم 1404 وحدات سكنية مؤثثة، بقيمة 141.5 مليون ريال (نحو 38.8 مليون دولار)، مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث، بدأ العقد مطلع أغسطس/ آب الحالي ولمدة 6 أشهر.

كما أبرمت اللجنة العليا للمشاريع والإرث اتفاقية مع مجموعة "أكور" للفنادق، لتوفير سكن لـ10 آلاف موظف لإدارة وتشغيل أكثر من مليون ليلة إقامة في 60 ألف شقة وفيلا خلال منافسات البطولة.

ويقول الخبير والمستشار الاقتصادي رمزي قاسمية، لـ"العربي الجديد"، إن استضافة كأس العالم من أهم الأحداث الرياضية على مستوى العالم لما له من تأثيرات عديدة على الدولة المستضيفة، واقتصاديا تستفيد منه عدة قطاعات ومنها العقاري.

ولفت إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنية والفندقية، الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الإيجار بنسب تتراوح بين 10-40%، موضحا أن "اقتصاديات المونديال" ليست عملية إنفاق وانتظار جني الإيرادات، بل عملية لها أبعاد أكثر من ذلك، فقد أنفقت قطر مبالغ ضخمة لتطوير البنية التحتية من طرق وشبكة مواصلات حديثة "المترو"، كذلك الضيافة والفندقة بالإضافة للملاعب والمنشآت الرياضية المتطورة.

وشهدت منصة السكن الخاصة بجماهير مونديال 2022، منذ تدشينها في شهر مارس/ آذار الماضي، إقبالا لافتا من الجماهير الكروية من شتى أنحاء العالم. وقال المدير التنفيذي لإدارة السكن في اللجنة العليا للمشاريع والإرث عمر الجابر، في حديث تلفزيوني، إن مسألة السكن تخضع للعرض والطلب، وهناك بعض الأيام التي تشهد ازدحاما كبيرا في الحجوزات، خاصة خلال الفترة من 25 إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهي فترة الذروة بالنسبة للحجوزات.

مكاسب تجارية هائلة

تستعد الأسواق والمراكز التجارية الكبرى لاستقبال جماهير المونديال، وسط توقعات بمكاسب هائلة للقطاع التجاري.

وتمتلك قطر أكثر من 20 "مولا" كبيرا، افتتح أحدثها، وهو "پلاس ڤاندوم"، في مدينة لوسيل، والذي يضم 560 محلا ومتجرا تعكس مكوناتها مختلف العلامات التجارية العالمية، أما "قطر مول" فيقام على مساحة 500 ألف متر مربع ما يعادل مساحة 50 ملعباً لكرة القدم، ليكون أحد أضخم المولات في منطقة الشرق الأوسط، ويضم أكثر من 400 متجر. وهناك مولات أخرى مثل لاند مارك وطوار مول وفلاجيو وغيرها.

كما ستنتعش الأسواق الشعبية و"السوبرماركت"، ومحال بيع المواد الغذائية، إذ يقول مسؤول في شركة توزيع مواد غذائية هشام سلطان، لـ"العربي الجديد"، إن شركته ضاعفت من كميات المواد الغذائية التي تستوردها قرابة 4 أضعاف خلال فترة المونديال، مع المحافظة على الأسعار ذاتها.

وأكد أن المونديال سيعود بالفائدة على المطاعم ومحال المواد الغذائية التي تستعد لهذا الموسم الفريد، كما تعمل الجهات المختصة في وزارتي التجارة والبلدية على مراقبة وضبط حركة الأسواق والمتاجر للتأكد من التقيد بالقوانين. وبالنسبة لاستثمارات شبكة النقل العام، بلغت قيمتها خلال السنوات القليلة الماضية 84 مليار ريال، منها 66.5 مليار ريال في تطوير شبكة مترو الدوحة، و13.5 مليار ريال لتطوير ترام لوسيل و4 مليارات ريال للبنية التحتيَّة للحافلات الكهربائية التي تمثل 25% من أسطول الحافلات الخاصّة بالبطولة.

المساهمون