يستطيع المراقب أن يلمس، هذه الأيام، رسائل سعودية متناقضة تجاه دعم ومساندة الاقتصاد المصري، فخلال الفترة الماضية صدرت تصريحات رسمية من المملكة ومن أعلى مستوى بتقديم دعم لا محدود للاقتصاد المصري، لكن في المقابل صدرت قرارات وإجراءات سعودية من شأنها التأثير سلبا على أنشطة مهمة في الاقتصاد المصري كالصادرات والعمالة، وعلى تدفق النقد الأجنبي وحجم التحويلات الخارجية للمغتربين.
قبل أيام، كان هناك ما يشبه الاحتفاء الشديد بالاستثمارات السعودية في مصر، حيث تم الإعلان عن تقديم دعم استثماري سعودي قوي لمصر، وضخ مزيد من الاستثمارات الإضافية في شرايين الاقتصاد المصري وأنشطته الاقتصادية.
وخرج علينا رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، بندر بن محمد العامري، قائلا إن "حجم الاستثمارات السعودية في مصر تجاوز 30 مليار دولار، ونستهدف توسعات وضخ استثمارات جديدة سترفع حجم هذه الاستثمارات إلى 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة".
خطة لزيادة حجم الاستثمارات السعودية في مصر إلى 50 مليار دولار بزيادة 20 مليار دولار
بل إن العامري، وهو رجل أعمال سعودي بارز، شدد على أن هناك توجيهات من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، للمستثمرين السعوديين بتوسيع استثماراتهم في مصر.
وأكد المعنى أيضا ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار ووزير الإعلام المكلف بالسعودية الذي زار القاهرة قبل أيام وشدد على أن حجم الاستثمارات السعودية في مصر وصل إلى 35 مليار دولار موزعة على 6235 شركة، وأن السعودية تستهدف أن تكون الشريك التجاري الأول لواردات مصر في عام 2025.
وكرر المعنى مسؤولون مصريون، من بينهم وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع التي أكدت وجود توجه سعودي لزيادة حجم الاستثمارات السعودية في مصر والبالغة 30 مليار دولار.
وخلال الأيام الماضية، استقبلت القاهرة وفودا اقتصادية سعودية لبحث فرص الاستثمار المتاحة، خاصة في القطاع العقاري والسكني، منها وفد مجلس الأعمال السعودي المصري الذي التقى بمسؤولين مصريين، منهم وزيرا الزراعة والإسكان.
وكان لافتا تأكيد الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر محمد عبد الوهاب، قبل أيام، "إنهاء جميع التحديات أمام الاستثمارات السعودية في مصر، وإزالة المعوقات التي عطلت بعض المشاريع، وكشف عن تقديم تسهيلات جديدة ستساعد في تحقيق طفرة كبيرة على صعيد التعاون الاقتصادي المشترك بين أكبر بلدين عربيين".
هناك رسائل سعودية سلبية منها التضييق الأخير على العمالة والصادرات المصرية، وهما أبرز موردين للنقد الأجنبي في مصر
لكن في مقابل هذه الرسائل المشجعة والداعمة، هناك رسائل سعودية أخرى سلبية منها التضييق الأخير على العمالة والصادرات المصرية، وهما أبرز موردين للنقد الأجنبي في مصر.
فقد تم منع آلاف العمال المصريين من العودة إلى عملهم في السعودية وفرْض قيود جديدة وشروط معقدة على العمال المصريين الراغبين في العمل في المملكة، كما يتم من وقت لآخر منع منتجات مصرية من دخول أسواق المملكة، وفرض اشتراطات متعلقة بتصدير الحاصلات الزراعية والغذائية المصرية الى المملكة.
وحسب القيود السعودية الجديدة المفروضة على الصادرات المصرية فإنه بداية من 10 أغسطس/آب المقبل لن يسمح بدخول أي شحنة نباتات أو منتجات نباتية، أو مواد خاضعة للوائح الصحة النباتية إلى السعودية، إلا بموجب إذن استيراد مسبق.
والسعودية تدرج مصر ضمن الدول "شديدة الخطورة"، ومصر باتت من بين 11 دولة عربية قالت هيئة الصحة العامة بالسعودية بأن مستوى خطورة "كوفيد-19" لديها "مرتفع جدا".
بغض النظر عن هذه الرسائل المتناقضة، تظل السوق المصرية الأكثر جذبا للمستثمرين السعوديين، خاصة مع فرص الاستثمار الضخمة داخل مصر والربحية العالية وتوافر عدد مستهلكين وسوق ضخم وعمالة رخيصة وسوق صرف مستقر، مع إمكانية الانطلاق من السوق المصرية نحو الأسواق الأوروبية والأفريقية.
ويظل الاستثمار السعودي الأقل "تسييسا" مقارنة بالمال الإماراتي الساعي إلى احتكار قطاعات استراتيجية في الاقتصاد المصري مثل القطاع الصحي، وإلى حد ما قطاع الاتصالات.