ينهي اقتصاد روسيا عام 2023 بأداء متماسك، وسط تسجيله نمواً تعويضياً عن خسائر العام الماضي يُقدر بنحو 3.5% وعجزاً متواضعاً للموازنة لا يتخطى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإيجاد ملاذ بديل للنفط الروسي في السوقين الصينية والهندية، واستقرار سعر صرف العملة الوطنية عند مستوى نحو 90 روبلاً للدولار بعدما تخطت العملة الأميركية عتبة الـ100 روبل في بعض الأوقات من العام.
ومع ذلك، ثمة مؤشرات تنذر بتزايد متاعب الاقتصاد الروسي في العام الجديد على ضوء المفعول المؤجل للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حربها في أوكرانيا، والفاتورة المؤجلة لرفع سعر الفائدة الأساسية على عدة مراحل من 7.5% في منتصف العام إلى 16% بحلول نهايته.
وعلاوة على ذلك، اتخذت السلطات الروسية إجراءات غير سوقية لدعم الروبل مثل إلزام المصدرين ببيع عوائدهم بالعملة الأجنبية بموجب مرسوم رئاسي يسري مفعوله حتى إبريل/نيسان المقبل، في مؤشر لإرجاء تعويم الروبل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/ آذار 2024، وسط توقعات مؤكدة بفوز الرئيس الحالي فلاديمير بوتين من الجولة الأولى.
ويعتبر المحلل المالي بالأكاديمية المالية "كابيتال سكيلز"، مارك غويخمان، أن العام المنتهي كان ناجحا للاقتصاد الروسي، متوقعا في الوقت نفسه أن يكون العام الجديد أكثر صعوبة عليه، مستبعدا في الوقت نفسه احتمال انهياره.
ويقول غويخمان الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "كان العام المنتهي ناجحا للاقتصاد الروسي بشكل عام، ولكن الوضع مع نمو الناتج المحلي الإجمالي سيكون أصعب في العام 2024 لأنه سيتم احتسابه مقارنة بالمؤشرات العالية نسبيا للعام الحالي. لذلك ليس من المرجح أن يتم تسجيل نمو بنسبة 3.5% مرة أخرى، وأتوقع أن يبلغ نحو 1.5%".
وحول رؤيته لديناميكية التضخم وأسعار الفائدة في العام المقبل، يضيف: "احتمال أن يتخطى التضخم المستوى الحالي البالغ 7.5 - 8% ليس كبيراً. على الأرجح، لن تتراجع وتيرة التضخم إلى المستوى المستهدف من قبل المصرف المركزي والبالغ 4 في المائة، ولكن 6.5 في المائة احتمال وارد. في هذه الحالة، سيؤدي تراجع ديناميكية التضخم إلى خفض سعر الفائدة الأساسية بحلول الصيف المقبل".
توقعات بتراجع الروبل
تظهر بيانات بورصة موسكو أن العملة الروسية التي استهلت عام 2023 عند مستوى نحو 70 روبلا للدولار، كانت تسجل تراجعا خلال الجزء الأكبر من العام، ولكنها عززت مواقعها في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني أمام الدولار واليورو واليوان بفضل بدء سريان مرسوم البيع الإلزامي للعملة وزيادة عوائد المصدرين بفضل ارتفاع أسعار النفط. ونتيجة لذلك، تراجع سعر صرف الدولار من نحو 100 روبل في 11 أكتوبر/ تشرين الأول إلى نحو 90 روبلاً بحلول نهاية تعاملات الأسبوع الأخير من العام.
ومع ذلك، يتوقع غويخمان أن يواصل الروبل تراجعه في العام الجديد، قائلاً: "سيتراوح سعر صرف الدولار بين 90 روبلاً و110 روبلات، ما سيترجم إلى تراجع دخل الفرد الحقيقي. يمكن الجزم بأن الوضع سيصبح أسوأ مما هو عليه حالياً، لكن من دون حدوث أي كارثة أو انهيار".
ورجح خبراء استطلعت صحيفة "إر بي كا" الروسية آراءهم عشية حلول العام الجديد، أن الروبل قد يعزز مواقعه أمام الدولار في الربع الأول من عام 2024 بفضل مفعول مرسوم البيع الإلزامي للعملة الصعبة وبدء المصرف المركزي ببيع العملة في إطار قاعدة الميزانية، مرجحين في الوقت نفسه أن الوضع قد يتغير اعتباراً من النصف الثاني من إبريل/ نيسان المقبل.
وتوقع نائب رئيس مكتب الدراسات السوقية والاستراتيجيات لدى "روس بنك" يوري تولينوف أن يبلغ سعر صرف الدولار 88 روبلاً بحلول نهاية مارس/ آذار، فيما رجح استراتيجي أسواق العملات وأسعار الفائدة بوحدة البحوث الاستثمارية "سبير سيب"، يوري بوبوف، تعافيا إلى 85 روبلاً للدولار.
كما توقع كبير الاقتصاديين في مصرف "سينارا" الاستثماري سيرغي كونيغين أن يبلغ سعر صرف الدولار خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس ما بين 87 و90 روبلاً.
لكن بعد انتهاء فترة سريان مفعول مرسوم البيع الإلزامي للعوائد بالعملة الساري حتى 11 إبريل المقبل والانتخابات الرئاسية، فإن الوضع في سوق العملات قد يتغير، إذ استشهد المحلل بمجموعة "فينام"، ألكسندر بوتافين، بـ"إحصاءات تظهر أن سعر صرف العملة الوطنية كان يتراجع في المرات الثلاث الماضية بعد الانتخابات الرئاسية، إما بعد التصويت مباشرة أو بعد مرور بضعة أشهر".
وأظهر مسح أجراه "العربي الجديد" بقاعدة بيانات أسعار صرف العملات بموقع المصرف المركزي الروسي، أن سعر صرف الدولار قفز بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُجريت في مارس 2018، من 57 روبلا عشية التصويت إلى أكثر من 64 روبلاً بعد 3 أسابيع فقط، قبل أن يستقر عند مستوى 61 - 62 روبلاً في الأشهر التالية.