يلقي الوضع السياسي في تونس بظلاله على قدرة السلطات على إقناع مؤسسات التمويل الدولية بمواصلة منح البلاد قروضا خارجية تحتاجها لتمويل الموازنة التي تشكو عجزا قياسيا، بينما تتصاعد الأزمة بين السلطة الحاكمة من جانب وأحزاب المعارضة والنقابات العمالية من جانب آخر.
وتزيد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في حدة الصراع بين المعارضة والرئيس قيس سعيد، الذي يتمسّك باستكمال مسار بدأه في 25 يوليو/ تموز 2021 فيما تواصل وكالات التصنيف الدولية التحذير من جرّ البلاد إلى الإفلاس والفشل من تحصيل اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي يفسح المجال للحكومة لتعبئة الموارد المالية اللازمة للموازنة.
وخفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني درجة تونس إلى Caa2 مع آفاق سلبية، وذلك عشية تنظيم البلاد الدور الثاني من الانتخابات البرلمانية على قاعدة دستور يوليو 2022.
وانتخب التونسيون برلمانهم الجديد، غير أن نسبة المشاركة العامة في الاقتراع لم تتجاوز الـ11.3 بالمائة. وقالت وكالة التصنيف الدولية في تقريرها حول تونس إن "خفض الترتيب يعود لعدم وجود تمويل شامل حتى الآن لتلبية احتياجات التمويل الكبيرة للحكومة مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد إلى درجة لم تعد تتناسب مع تصنيفها السابق.
وأضاف التقرير أن عدم تأمين برنامج جديد لصندوق النقد الدولي على الرغم من التوصل إلى اتفاق إطاري في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أدى إلى تفاقم وضع التمويل الصعب وزيادة الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.
وتقدر وكالة "موديز" أن ضعف الحوكمة والمخاطر الاجتماعية الكبيرة تفسر جزئيا وصول تونس إلى مثل هذا المنعطف الحرج بحسب وصفها.
ويرى الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي السابق، عبد السلام العباسي، أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي اتسمت بضعف المشاركة قد تفاقم من أزمة التمويل وتحول دون وصول تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وقال العباسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد أجّل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تمرير ملف تونس أمام مجلس إدارته لعدة أسباب وأبرزها تأخر صدور قانون المالية لسنة 2023 الذي يحتوي على إجراءات وقع الاتفاق عليها في برنامج الإصلاحات.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن الأسباب غير المفصح عنها حول تأخير عرض ملف تونس أمام مجلس إدارة صندوق النقد الدولي هي عدم تبني السلطة للإصلاحات وذلك من خلال خطاب يرفض الإجراءات التي وقع الاتفاق عليها على مستوى الخبراء فضلا عن تأزم الوضعين السياسي والاجتماعي في البلاد اللذين ساهما أيضا بشكل كبير في تعطل الاتفاق، وفق تقديره.
وأكّد العباسي أن المؤسسات المالية الكبرى والبلدان التي كانت تدعم المسار الديمقراطي التونسي على امتداد السنوات العشرة الماضية تتابع الوضع التونسي وتعرف مسبقا أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأولى ستكون ضعيفة جدا ما أدى إلى تأجيل النظر في ملف تونس أمام مجلس إدارة الصندوق في شهر ديسمبر الماضي.
واعتبر المتحدث أن المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية تؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية التي ستنفذها الحكومة لا تتمتع بالدعم الشعبي الكافي، مشيرا إلى أن مؤسسات القرض تتجنّب تحمل مسؤولية وتبعات انفجار اجتماعي كبير ناجم عن سياسة الإصلاح الاقتصادي اللاشعبية.
ويرى العباسي أن تطور الوضع السياسي في البلاد سيحدد موقف الصندوق في الأسابيع القادمة، معتبرا أن حلول أزمة التمويل ليست بيد الاقتصاديين، بل رهينة التوافق بين السياسيين.
ولا تزال حكومة نجلاء بودن تبحث عن أول قسط من التمويلات الخارجية التي جرت برمجتها في قانون الموازنة والمقدرة بأكثر من 4 مليارات دولا سيخصص الجزء الأكبر منها لتسديد ديون خارجية سابقة يحل أجلها الأشهر القادمة.
وبيّن التقرير الذي نشرته وزارة المالية على موقعها الرسمي أن الدين الخارجي صعد خلال عام 2022 إلى مستوى 66.2 مليار دينار ما يشكل 60 بالمائة من مجموع الدين العام مقابل قروض داخلية بقيمة 43.9 مليار دينار.
ومنذ أكتوبر تشرين الثاني الماضي تضع وكالة "موديز" تونس ضمن مجموعة بلدان تشكو التعثر المالي على غرار السلفادور والعراق وإثيوبيا ومالي وسريلانكا.
ويرى الخبير المالي، معز حديدان، أن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات تضعف قدرة السلطة السياسية على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد.
بيّن التقرير الذي نشرته وزارة المالية على موقعها الرسمي أن الدين الخارجي صعد خلال عام 2022 إلى مستوى 66.2 مليار دينار
وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن هشاشة الحزام السياسي للسلطة قد يضطرها إلى المرور بقوة في تنفيذ الإصلاحات مع تحمّل ما قد يترتب عن ذلك من هزات اجتماعية. وأضاف أن الوضع المالي للبلاد غير مطمئن مع تواصل التوتر السياسي الحالي وضعف الدعم الشعبي للسلطة التي كشفتها المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي توصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي يقضي بإقراض البلاد 1.9 مليار دولار مقسطة على 4 سنوات.
توقع محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي بداية الشهر الماضي توصل تونس إلى توقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد بشأن قرض التسهيل الممدد في أجل قريب (دون ذكر تاريخ محدد) وذلك بعد إتمام المصادقة على قانون إصلاح المؤسسات الحكومية والتوافق بشأنه مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
وأشار إلى أن الوضع المالي في تونس يبقى صعبا ما يتم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد يساعد على تعبئة موارد لدعم الموازنة والخروج على السوق المالية للحصول على قروض إضافية.