ليس مثلث شر واحداً هو ما يواجه الاقتصاد التركي في الوقت الحالي كما حدد الرئيس رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، خلال مشاركته في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب "العدالة والتنمية"، بالعاصمة أنقرة، حيث قال إن بلاده تخوض نضالاً ضد مثلث الشر "الفائدة، وأسعار الصرف، والتضخم" في مجال الاقتصاد.
فهناك مثلثات كثيرة باتت تتربّص بهذا الاقتصاد الذي بات يئن شأن اقتصاديات مجموعة العشرين الكبرى التي ينتمي إليها الاقتصاد التركي كما حدث مع اقتصادات دول كبرى مثل أميركا واليابان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
والملفت أن مثلث الفائدة، وأسعار الصرف، والتضخم بات يطغى وبقوة على الساحة الاقتصادية التركية، سواء من جهة تسببه في زيادة الدين العام، المحلي أو الخارجي، أو هروب الاستثمارات الأجنبية الساخنة، أو الضغط على المواطن والأسعار والأسواق.
فقد تخلى البنك المركزي التركي قبل شهور عن سياسة خفض سعر الفائدة ورفع السعر مرة أخرى ليصل إلى 19% سنوياً في محاولة لوقف تهاوي سعر الليرة مقابل الدولار، والحد من هروب الأموال الساخنة من البورصة وأدوات الدين الحكومي، والحد كذلك من ظاهرة "الدولرة" وتخلص بعض المدخرين الأتراك من الليرة والتوسع في المقابل في حيازة الدولار واليورو والذهب.
وهناك أيضاً التذبذب الشديد في سوق الصرف الأجنبي في تركيا والذي يزعج المستثمرين والتجار والمصنعين والمستهلكين على حد سواء، فتهاوي الليرة مستمر مقابل العملات الرئيسية.
ويبدو أن تهاوي الليرة لن يتوقف قريباً طالما بقيت الأوضاع الصحية والاقتصادية الناتجة عن وباء كورونا على حالها، وهذا التهاوي تسبب في حدوث موجة تضخمية في الأسواق، وقفزات في الأسعار مع زيادة البطالة، وبالتالي بات التضخم العالي يلاحق الأسعار ويرهق المواطن خاصة خلال الفترة الاخيرة، رغم الخدمات الصحية والتعليمية المتميزة التي يتمتع بها.
الفائدة وأسعار الصرف والتضخم وكورونا وأعباء الدين الخارجي واستهداف البنوك الغربية تحديات باتت تؤثر وبقوة على الاقتصادي التركي
لا يقف الأمر بالنسبة للاقتصاد التركي عند مثلث الشر الذي حدده أردوغان، فهناك ما هو أخطر، وأعني هنا مثلثات شر أخرى في مقدمتها وباء كورونا الكارثي، واستهداف بنوك الاستثمار الغربية المستمر للاقتصاد التركي ومحاولة اثارتها قلق المستثمرين الأجانب بشكل مستمر، وهناك دول أوروبية وإقليمية تستهدف زعزعة الاقتصاد التركي على خلفية خلافاتها السياسية الحادة مع الرئيس التركي.
وهناك ضخامة فاتورة أعباء الدين الخارجي خاصة قصير الأجل والمستحق على القطاع الخاص، والزيادة المتوقعة في أسعار النفط حيث أن واردات تركيا من الطاقة تبلغ نحو 40 مليار دولار، وارتدادات الملفات السياسية على الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد.
وهناك التدخل الحكومي في إدارة السياسة النقدية وقرارات البنك المركزي خاصة من قبل أردوغان نفسه الذي أقال ثلاثة من محافظي البنك المركزي خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام ونصف عام بسبب تحميلهم مسؤولية تراجع الليرة المستمر.
تفشي كورونا في تركيا ألحق أضراراً بالغة بقطاع حيوي مدرّ للنقد الأجنبي وهو السياحة الذي تراجعت إيراداته بشكل ملحوظ في العام 2020، وأثر الوباء سلباً على قطاع الاستثمارات الأجنبية.
الوباء لم يؤثر على الصادرات، مصدر النقد الأجنبي الأول للبلاد، والتي تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار في الربع الأول من 2021
لكن في المقابل لم يؤثر الوباء على قطاع الصادرات، مصدر النقد الأجنبي الأول للبلاد، فقد تجاوزت الصادرات التركية 50 مليار دولار في الربع الأول من 2021، بزيادة 17.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وحققت تركيا رقماً قياسياً لصادراتها في شهر مارس/ آذار الماضي بلغ 18.985 مليار دولار بزيادة 42.2% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وقد يتجاوز رقم صادرات هذا العام 200 مليار دولار، وهي سيولة كافية لتغطية أعباء والتزامات الدين الخارجي وجزء من فاتورة الواردات.
أزمة الاقتصاد التركي ستتعمق في حال استمرار تفشي وباء كورونا، لكن فرص تركيا في تجاوز الأزمة الاقتصادية تبدو قوية في حال انقشاع الوباء، خاصة مع امتلاك تركيا فرصا في جذب إيرادات من النقد الأجنبي قد تصل إلى 250 مليار دولار سنويا، منها 200 دولار من الصادرات وحدها، وما يزيد عن 30 مليار دولار من قطاع السياحة، إضافة إلى مليارات أخرى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبيع العقارات وغيرها.