اشتدت الأزمة المعيشية في السودان وأحكمت حلقاتها على المواطنين مع اختفاء سلع ضرورية وغلاء الأسعار. وما فاقم من أزمات السودانيين اتساع رقعة السوق السوداء وسط حالة الفوضى وتواصل الاشتباكات العسكرية وبالتالي غياب الرقابة على الأسواق، ولا سيما في مناطق الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفقد المواطنون الأمل في عودة الحياة إلى طبيعتها بعدما شهدت مناطق عديدة عمليات تخريب شاملة لمختلف الأسواق طاولت حتى البضائع في المخازن الرئيسية، ما أعطى فرصة لانتعاش السوق السوداء في مختلف القطاعات السلعية والخدمية.
احتكار وغلاء
وشملت أنشطة السوق السوداء الوقود والخبز والزيوت والسكر وغيره، إذ استغلت عصابات وتجّار الانفلات الأمني وغياب الرقابة وعمدوا إلى احتكارها ورفع أسعارها بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى عجز الكثيرين عن شرائها، ما ينذر بكارثة اتساع رقعة الجوع في السودان.
يقول التاجر محمد زين العابدين لـ"العربي الجديد": إذا استمرت الحرب بين الطرفين لأسبوعين قادمين ستحدث تحولات خطيرة في المجتمع ويمتد الأمر إلى تداعيات أخطر من النهب والسلب وانتعاش السوق السوداء، حيث ستدخل البلاد في قلب دائرة الجوع.
وأضاف: الآن يستغل كثيرون الوضع بزيادة الأسعار مع شح السلع في الوقت الذي لا توجد فيه سيولة في أيدي المواطنين، مشيرا إلى توقف الإنتاج في آلاف المصانع والمزارع.
وتابع: معظم السودانيين أصبحوا عاطلين من العمل فكيف سيواجهون ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات في السوق السوداء؟
شح الوقود
وما زال المواطنون يحزمون حقائبهم يوميا للخروج من الخرطوم مع ارتفاع تكاليف النقل التي أرجعها أصحاب الباصات والحافلات إلى انعدام الوقود أو الحصول عليه من السوق السوداء.
وفي هذا السياق، يقول إبراهيم الطيب، وهو صاحب مركبة، لـ"العربي الجديد": لقد توقف الإمداد بالوقود وتعطلت الكثير من المحطات حيث تم سلبها وحرقها بصورة كاملة.
ويرى الطيب أن استمرار الحرب سيوقف عاجلا أم آجلا وسائل النقل عن العمل لأن مخزون السوق السوداء أيضا سينفد لعدم وجود إمداد من المصفاة الرئيسية إلى المحطات، ما يزيد من معاناة المواطنين الذين اختاروا البقاء في الخرطوم رغم الحرب، وهذا ينسحب تدريجيا على الولايات الأخرى.
غاز الطهو
أزمة أخرى أطلت على المواطنين وهي انعدام غاز الطهو وارتفاع أسعار الأنبوبة في السوق السوداء إلى عدة أضعاف، ما جعل كثيرين يتجهون إلى استخدام الفحم والحطب.
يقول وجدي توفيق، وهو صاحب محل توزيع غاز طهو، لـ"العربي الجديد"، إن كل الطرق مقفلة من مصفاة الجيلى إلى مراكز التوزيع، مضيفا أن ذلك أثر على الخرطوم والعديد من الولايات، ما أدى إلى دخول الفحم إلى خط السوق السوداء.
يقول تاجر الخضار في الخرطوم بابكر سيد أحمد: مع ارتفاع أسعار النقل من مناطق الإنتاج إلى الأسواق ومنها إلى الأحياء ارتفعت أيضا أسعار الخضر بعدما شهدت استقرارا في فترات سابقة.
الكهرباء والماء
وتوقع مواطنون أن تشهد الفترة المقبلة أياماً صعبة في ظل انعدام الكهرباء والمياه والتي بدأت أيضا تباع بأسعار كبيرة للمواطنين نتيجة لانقطاعات الكهرباء وتوقف المحطات المنتجة للمياه بسبب انعدام الوقود.
الوقود في السوق السوداء يكاد ينعدم تماما، ما جعل أسعاره تقفز إلى 25 ألف جنيه (نحو 41 دولاراً أميركياً)، للغالون الواحد، أما الغاز فوصل سعر الأسطوانة منه إلى 15 ألف جنيه مع ارتفاع أسعار الفحم إلى 20 ألف جنيه للجوال الواحد، حسب تجار تحدثوا لـ"العربي الجديد".
كما بلغ سعر جوال السكر 55 ألف جنيه وجوال الدقيق زنة 25 كيلوغراما إلى 25 ألف جنيه مع اختفاء بعض السلع الأخرى. كما ارتفع سعر جوال الذرة إلى أكثر من 40 ألف جنيه.
محاكمة المهرّبين
وفي وسط هذه الفوضى، تحاول السلطات السودانية الحد من عمليات التهريب وتخفيف حالة الفوضى في الأسواق المحلية. وفي هذا السياق، كشف مدير الإدارة العامة للتجارة بولاية الجزيرة السودانية ورئيس غرفة طوارئ مدخلات الخبز خالد محمد عباس، السبت الماضي، عن فتح 11 بلاغاً ضمن قانون الطوارئ ومحاكمة المهربين ومصادرة المضبوطات من سكر ودقيق وغيرهما من المواد التي شملها قانون الطوارئ، وأكد استمرار مراقبة الأسواق للحد من التجاوزات، مناشداً المواطنين التبليغ الفوري عن أي تجاوزات.
يذكر أن والي الجزيرة كان قد أصدر قرارا تم بموجبه تكوين لجنة عليا لمتابعة مدخلات الدقيق ومرسوم ولائي بإعلان حالة الطوارئ حدد بموجبه مواد أساسية يتم التعامل معها بالتصاريح.
وأدى الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح مئات الآلاف من السودانيين من مناطق الصراع إلى العديد من الولايات ومنها الجزيرة، ما زاد ضغط الطلب على الأسواق والسلع الضرورية في العديد من المناطق. ويعاني السودان من أزمات اقتصادية خانقة بسب تواصل الاضطرابات السياسية والأمنية على مدار السنوات الأخيرة.