يستعد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي، لتقديم تقرير السياسة النقدية نصف السنوي أمام لجنة البنوك والإسكان والشؤون الحضرية في مجلس الشيوخ الأميركي، على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء من هذا الأسبوع، في حين تتأهب الأسواق لاستقبال بيانات الوظائف عن شهر فبراير/شباط الماضي، والذي سيكون مؤثراً بصورة كبيرة في توقعات دخول الاقتصاد الأكبر في العالم في ركود.
وبينما تتوقع الأسواق دليلاً جديداً على استمرار قوة سوق العمل بإعلان استقرار معدل البطالة عند أدنى مستوياته في 53 عاماً، فقد بدأت علامات الانكماش في الظهور في العديد من القطاعات، وكان في مقدمتها قطاع التصنيع.
وبدأ قطاع التصنيع الأميركي في إظهار علامات الضعف بعد عامين من النمو القوي، بسبب رفع سعر الفائدة وتباطؤ الصادرات، ورأى محللو جريدة وول ستريت جورنال في انكماشه علامة على وجود مشكلة في الاقتصاد الأميركي الأشمل، مشيرين إلى أنه على الرغم من أن التصنيع يمثل حصة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي، لا تتجاوز حالياً 11%، إلا أنه اعتبر تاريخيًا أحد أهم المؤشرات المبكرة عند دخول البلاد في ركود.
وتراجعت الطلبيات الجديدة على السلع المصنعة، في فبراير، للشهر السادس على التوالي، بحسب استطلاعات أجراها معهد إدارة التوريد الأميركي، وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 1.7% عن ذروة ما بعد الجائحة في مايو/أيار 2022، وفقًا لبيانات البنك الفيدرالي للمتوسط المتحرك لثلاثة أشهر، كما انخفض مقياس وزارة التجارة لطلبات المعدات الرأسمالية المدنية، باستثناء الطائرات، بنسبة 3.4% في يناير/كانون الثاني، من أعلى مستوى له مؤخرًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
معدلات الفائدة تواصل ارتفاعها
ورفع قرار البنك الفيدرالي تشديد السياسات النقدية، على مدار الاثني عشر شهراً الأخيرة، من كلفة الاقتراض لعناصر الصناعة مرتفعة التكلفة، كالآلات والمعدات، حيث وصل معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نطاق 4.50%-4.75% في فبراير الماضي، وهو أعلى مستوياته منذ عام 2007 الذي شهد إرهاصات الأزمة المالية العالمية.
وسيرفع البنك الفيدرالي معدل الفائدة مرة أخرى بخمس وعشرين نقطة أساس على أقل تقدير، في وقت لاحق من هذا الشهر.
ويحذر جوناثان ميلار، كبير الاقتصاديين في بنك باركليز، من الاستمرار في رفع معدل الفائدة، بسبب ما يضعه من ضغوط إضافية على قطاع التصنيع، مضيفاً، في حوار مع جريدة وول ستريت جورنال، إنه "من الصعب ألا نرى هذا القطاع يعاني مزيداً من الانكماش حال استمرار رفع الفائدة".
وأشار ميلار أيضاً إلى أن "بيانات التصنيع المتباطئ تشير إلى أن المستهلكين والشركات بدأوا في التراجع، في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي، بعد أشهر طويلة من المقاومة"، وهو ما سينبغي على باول توضيح كيفية تعامله معه.
وخلال الأسبوعين الماضيين، ارتفعت عوائد السندات مرة أخرى، ما عقد الأمور للشركات الراغبة في الاقتراض، وتحديداً تلك ذات التصنيف المنخفض، بعد أن توقع البعض ارتفاع شهية المستثمرين للمخاطرة من جديد.
ارتفاع الرهن العقاري وتباطؤ السوق
تراجع النشاط في سوق الإسكان الأميركية، شديدة الأهمية، خلال الأشهر الأخيرة، بعد ارتفاع معدلات الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري، وتجاوزها 7% من جديد، رغم نزولها تحت 6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومع اقتراب موسم الربيع، الأكثر نشاطاً في سوق العقارات، تراجعت طلبات الرهن العقاري في الأسبوع المنتهي في 24 فبراير إلى أدنى مستوى لها منذ 28 عامًا. وسيتعين على باول تفسير التقرير الصادر عن اقتصاديي البنك الأسبوع الماضي، والذي حذر من انهيار سوق العقارات.
وكان اقتصاديو البنك الفيدرالي في دالاس قد حذروا من حدوث انخفاضات كبيرة في أسعار العقارات، قد تصل إلى نسبة 20% من المستويات الحالية، نتيجة لارتفاع معدلات الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري لأعلى مستوياتها في عقدين.
التسريحات لا تعني ركوداً فعلياً
لم تسعد الأسواق الأميركية، ولا المستثمرون، ولا المواطنون، بأنباء توقف أمازون، عملاق تجارة التجزئة الالكترونية، عن بناء المقر الرئيسي الجديد، إلى جانب تسريح موظفين رفيعي المستوى من فنيي التكنولوجيا، ورأوها أموراً تنذر بسوء للاقتصاد الأميركي والعالمي، إلا أن الركود، حسب محللي جريدة وول ستريت جورنال، لن يمكن الجزم به إلا مع خسائر أكبر من ذلك بكثير في الوظائف.
وأصبح مشغلو الفنادق والحانات والمطاعم التي تضررت بشدة مع انتشار جائحة كوفيد-19 من بين أصحاب الأعمال الأسرع نموًا في الولايات المتحدة، ما عوض التباطؤ في التوظيف في قطاع التكنولوجيا.
وخلال الأشهر الأخيرة، شرعت صناعة الترفيه والضيافة في إعادة بناء قوتها العاملة، بعد تقليصها خلال الأيام الأولى للوباء، إلا أن أعضاء الكونغرس سيطلبون من باول بالتأكيد العمل على تحفيز عمليات التوظيف في القطاعات الأخرى.
بيانات الإنفاق لدى الأسر الأميركية تتراجع
وقال باحثو بنك أوف أميركا، في تقرير صدر اليوم الاثنين، إن الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة أظهر علامات على الضعف في فبراير.
وأشار الباحثون إلى أن النشاط القوي في يناير كان مدفوعًا بالمكاسب القوية في سوق العمل، وتعديل تكلفة المعيشة بنسبة 8.7% (COLA) للحاصلين على مزايا الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى.
وأظهرت بيانات البنك تباطؤ الإنفاق لكل أسرة، بنسبة 1.3%، في الأسبوع المنتهي في 25 فبراير، مقارنة بالعام الماضي. وبشكل عام، تشير البيانات إلى أن إنفاق المستهلكين قد يعود إلى وتيرته الفاترة اعتبارًا من النصف الثاني من عام 2023.
أيضاً، أظهرت بيانات مسح لمديري المشتريات، أعلنت نتائجه يوم الجمعة، أن قطاع الخدمات الأميركي توسع بشكل طفيف في فبراير، بعد الانكماش لمدة سبعة أشهر، لكن الطلب استمر في مواجهة رياح معاكسة من ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
وارتفع مؤشر S&P Global Services PMI الخاص بقطاع الخدمات في الولايات المتحدة من 46.8 في يناير إلى 50.6، وهي أعلى قراءة منذ يونيو/حزيران، والوحيدة التي تجاوزت عتبة 50 التي تفصل التوسع عن الانكماش، إلا أن تمسك باول بالسياسات المتشددة، يقول باحثو بنك أوف أميركا، ربما لا يسمح للقطاع بالاستمرار في استعادة نشاطه.