استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نظيره الموريتاني محمد ولد الغزواني، في مدينة تندوف اليوم الخميس، لافتتاح أول منطقة تجارية حرة بين البلدين.
وفي أول استقبال من نوعه لرئيس أجنبي خارج العاصمة الجزائرية، كان تبون في لقاء ضيفه بمطار الرائد فراج بتندوف، حيث سيشرفان على حفل افتتاح منطقة التبادل التجاري الحر ومعبرين بريين، أحدهما تجاري، وإطلاق أشغال الطريق البري الرابط بين مدينة تندوف والزويرات الموريتانية على طول مسافة تتخطى 700 كيلومتر.
وأعلن الرئيس الجزائري أن السلع والبضائع ذات الأصل الموريتاني ستدخل إلى الأسواق الجزائرية من دون ضرائب، كما ستسوق البضائع الجزائرية بدون ضرائب في موريتانيا.
وخلال تدشين المعبر البري بين البلدين مع نظيره الموريتاني، أوضح تبون أن "السلع والبضائع الموريتانية واضحة الأصل مرحب بها من دون ضريبة، وهو الأمر نفسه بالنسبة للمنتجات الجزائرية" التي تصدر إلى موريتانيا.
ودعا الرئيس الجزائري جمهورية المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين إلى الاستثمار في منطقة التبادل الحر التي تم إنشاؤها بين البلدين للاستفادة من الإعفاء الضريبي والجمركي.
وتم الاتفاق بين الرئيسين على عقد لقاء في قريب بين وزيري التجارة في حكومة البلدين، لمزيد الاتفاق على خطوات تستهدف تعزيز التعاون والتبادل من خلال إنشاء بنوك وتسهيل دخول السلع والبضائع.
وبشأن مشروع الطريق الصحراي بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، قال تبون إن هذا الطريق سيتيح دخول السلع الموريتانية والجزائرية بطريقة سهلة بين البلدين.
من جانبه، أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أن منطقة التبادل الحر ستكون منطقة تلاقي وجسر تبادل، وأثنى على جهود الجزائر في تعزيز التعاون الثنائي ويؤكد على أهمية الطريق الذي سيربط بين البلدين الشقيقين.
ويُعد هذا اللقاء الثاني بين الرئيسين الجزائري والموريتاني، بعد زيارة سابقة كان قام بها ولد الغزواني إلى الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول 2021.
ويمثل المعبران البريان بين البلدين، أحدهما لتنقل الأشخاص والثاني تجاري مخصص لعبور السلع تم تجهيزه بالكامل، منفذاً تجارياً سيعزز حركة التنقل والتبادل التجاري.
كما تعد منطقة التبادل الحر الأولى من نوعها التي تنشئها الجزائر مع دول الجوار، من بين 5 مناطق تبادل ستقيمها الجزائر مع كل مالي والنيجر إضافة إلى تونس وليبيا، حيث ستسهم في زيادة حجم تدفق لمنتجات الجزائرية إلى الدول الأفريقية والتي تبلغ قيمتها حاليا في حدود مليار دولار، وهي منطقة يعززها الطريق الرابط بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، والذي سيبدأ إنجازه على مسافة 775 كيلو متر، حيث تتولى شركات جزائرية إنجازه وتزويده بمحطات الوقود والراحة، وتم التفاهم بشأنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، خلال زيارة الرئيس الموريتاني الجزائر.
ويعتبر تواجد الرئيسين تبون وولد الغزواني في تندوف رسالة سياسية بشأن أمن واستقرار المنطقة، في أعقاب سلسلة تحذيرات أصدرتها الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا لرعايها بعدم السفر الى تندوف جنوبي الجزائر بسبب ما اعتبرته وجود مخاطر وتهديىات إرهابية ذات صلة بنشاط رياضي تنظمه جبهة البوليساريو في تندوق التي تحتضن مخميات اللاحئين الصحراويين.
وتُعد هذه المشاريع التي تحظى بمتابعة من قبل قيادة البلدين، خطوات متقدمة ستنعكس على كامل المنطقة الحدودية في كل من البلدين بآثار إيجابية سياسية واقتصادية وأمنية، تبرز أهميتها بشكل خاص بسبب خصوصيات تندوف (تحتضن مخيمات اللاجئين الصحراويين)، وتقدم مقاربة جديدة بالنسبة للجزائر خاصة بشأن ملأ الفراغ الحدودي، إضافة الى كونها يمكن أن تقدم نموذجا جديدا يتم تركيزه من قبل الجزائر في علاقاتها مع دول الجوار واستغلال كل الفرص الممكنة لتحقيق خطوات ومنجزات على طريق التعاون والاندماج الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، قال المحلل وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر مبروك كاهي ان هذا اللقاء بين الرئيسين بالغ الأهمية في بعده السياسي والاقتصادي، ويعطي أهمية بالغة للمناطق الحدودية، خاصة أنه يتم في منطقة حدودية بين البلدين، يمكن أن تتحول التطوير المشترك لها الى فرص تنموية حقيقية.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال كاهي إن "اللقاء في بعده الاقتصادي خطوة حيوية، من حيث أن مجموع المشاريع التي سيتم اطلاقها في المنطقة، ستسهم في تشجيع حركة النقل والتجارة وخلق خط حضاري في المنطقة واعطاء حياة لمناطق منافسة للمراكز التقليدية، وإحياء حركة النقل والتنقل وبالتالي ملأ الفراغ، وهو أمر سيضفي ركنا أمنياً يستبعد بالنهاية كل المخاطر الأمنية وشبكات الجريمة والتهريب والإرهاب وغيرها.
كما أكد كاهي أن "استقبال الرئيس تبون للرئيس الموريتاني خارج العاصمة وفي منطقة حدودية، رسالة سياسية تنطوي على الجدية التي تتوخاها الجزائر في تركيز علاقات جيدة ومثمرة مع موريتانيا، وتعبر عن بالغ الثقة السياسية بين البلدين والمستوى الذي بلغته العلاقات الجزائرية الموريتانية، كما انها خطوة مهمة لاظهار حجم الدولة".
شريان حيوي مبشّر بين الجزائر وموريتانيا
وبغض النظر عن الأبعاد السياسية، فإن البعد الاقتصادي يتمركز هذه المرة في قلب الخطوة المشتركة، إذ تعتبر الشركات الاقتصادية الجزائرية أن فتح المعبر البري التجاري ومنطقة التبادل الحر مع موريتانيا، يمثل فرصة ثمينة للشركات الجزائرية لزيادة تدفق المنتجات الجزائرية نحو موريتانيا ومنها إلى دول غرب ووسط أفريقيا، خاصة بعد استكمال مشروع الطريق البري بين تندوف والزويرات.
ويؤكد الخبير الاقتصادي مراد ملاح والذي يدير كبرى الشركات الجزائرية التي تعمل في مجال التصنيع الغذائي (بلاط) وتصدر منتجاتها إلى عدد من الدول الأفريقية أن "الشركات الجزائرية تتوجه نحو فترة مميزة في تاريخ نشاطها من خلال دخول أسواق أفريقية عبر البوابة الموريتانية خاصة، حيث سيعطي المعبر بديلاً حقيقياً للشركات الجزائرية التي تعاني في جانب اللوجستيك الذي يبقى صداعاً يؤرق الشركات المصدرة".
وأشار إلى أن "الرحلات البحرية لم تنتظم وغابت الرحلات الجوية التي إن توفرت فإن الحمولة المتاحة عبرها تبقى غير كافية وأحياناً غير مجدية اقتصادية، ناهيك عن صعوبات جمة في نقل السلع المبردة جواً، في حين يأتي المعبر البري ليحل هذه الإشكالات ويعطي دفعة حقيقية للصادرات الجزائرية نحو غرب أفريقيا، خصوصاً وأفريقيا عموماً".
ويضيف ملاح الذي عمل في وقت سابق في قطر وأدار مشاريع في أفريقيا، إلى أن "منطقة التجارة الحر ة ستسمح باستقطاب شركات تجارة افريقية بدأت منذ فترة باستخدام الموانىء الجزائرية كمنفذ لوارداتها، و تواجدها في المنطقة الجديدة سيسهل متابعة الأعمال وإدارتها وتنميتها وسيفتح آفاقاً واسعة لشراكات في ذات السياق، وربما ستنبثق صناعات على أساس المبادلات التجارية، خاصة أن المناطق الحرة توفر امتيازات جبائية وضريبية وتتسم عادة بسلاسة الإجراءات الإدارية، لا سيما لناحية التراخيص القانونية المتعلقة بالنشاطات".
تكثيف التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجزائر وموريتانيا
وفي تفاصيل أوردتها وكالة "واج" الحكومية، سيضع الرئيسان حجر الأساس وتدشين عدد من المشاريع المهمة والاستراتيجية المشتركة بهذه المنطقة الحدودية.
وشهدت الأشهر الأخيرة تكثيفاً لتبادل الزيارات الرسمية على مختلف المستويات، وتعزيزاً ملحوظاً للتشاور والتنسيق.
وكانت آخر زيارة لمسؤول جزائري إلى موريتانيا تلك التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف قبل أسبوعين، بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس تبون.
وقد أبرز عطاف أن العلاقات تعيش حاليا "أبهى مراحلها التاريخية"، لا سيما في سياق المشاريع التكاملية والاندماجية التي اتفق رئيسا البلدين على إطلاقها، على غرار المشروع الاستراتيجي لإنشاء الطريق البري تندوف-الزويرات، والمنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي، واستكمال أشغال المعبرين الحدوديين، وتدشين أول بنك جزائري وأول معرض دائم للمنتجات الجزائرية بموريتانيا، إلى جانب عدة مشاريع أخرى تخدم البعد الإنساني والاجتماعي للعلاقات الثنائية.
وتمكنت الجزائر من خلال مشروع الطريق البري الذي يربط بين مدينتي تندوف بالجزائر والزويرات بموريتانيا من إنجاز منشأة ذات أهمية كبرى خارج حدودها، بحيث تكفلت مؤسسات جزائرية بمختلف مراحل الإنجاز.
وستكون منطقة التجارة الحرة "المقار"، التي ترأس بشأنها الرئيس الجزائري اجتماع عمل أول أمس الثلاثاء، بمثابة بوابة نحو أفريقيا الغربية، لتضاف إلى مناطق حرة أخرى للتبادل التجاري تقرر استحداثها بجنوب الجزائر في كل من تين زاوتين وتيمياوين وبرج باجي مختار والدبداب.
كما سيكون للمعبر البري الحدودي "الشهيد مصطفى بن بولعيد" الرابط بين البلدين بالغ الأثر في الرفع من حجم المبادلات التجارية التي تعرف حاليا تنامياً مستمراً.
وتُعتبر موريتانيا أول محطة في مسار تجسيد توجه الجزائر لفتح فروع للبنوك الجزائرية في أفريقيا، فبعد افتتاحه أول وكالة تجارية له بهذا البلد في سبتمبر/ أيلول الماضي، افتتح بنك الاتحاد الجزائري وكالة تجارية جديدة له بمدينة نواذيبو الموريتانية، بهدف تقديم خدمات جوارية، وتعزيز المبادلات التجارية وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارة البينية.
وتُعد الجزائر أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لموريتانيا، حيث سجلت قيمة الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا ارتفاعاً مطرداً خلال السنوات الثلاث الماضية تجاوز نسبة 200%، وهي أرقام مرشحة للارتفاع أكثر مستقبلاً بفضل دخول المشاريع بين البلدين حيز الخدمة.
وتسهيلا لانسيابية التبادلات التجارية، عُقد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بالجزائر العاصمة اجتماع للجنة الجمركية المشتركة في دورتها السادسة، حيث اتُفق على تعزيز التعاون الجمركي وتيسير عملية التبادل عبر الحدود.
كما جرى بالمناسبة ذاتها التأكيد على ضرورة تجسيد كافة الآليات التي من شأنها تسهيل حركة البضائع والمسافرين وتأمينها من أجل التصدي لكافة أنواع الجريمة العابرة للحدود، إضافة إلى تذليل كافة العراقيل المحتملة التي قد تعترض التجسيد الميداني الفعال لهذه الآليات.