اعتراضات نيابية تُرحّل مناقشة موازنة لبنان لعام 2022: بيعٌ للأوهام

16 سبتمبر 2022
الأزمات تواجه إعداد الموازنة اللبنانية (العربي الجديد)
+ الخط -

رُحِّلت مناقشة البرلمان اللبناني موازنة عام 2022 إلى 26 سبتمبر/أيلول، بعد فقدان الجلسة اليوم الجمعة النصاب، بفعل انسحاب بعض الكتل النيابية، اعتراضاً على التعديلات السريعة التي أُدخلت عليها، والأرقام البعيدة عن أي رؤية إصلاحية، والأقرب إلى بيع الناس الأوهام، كما الزيادات التي جرى فرضها لموظفي القطاع العام من دون معالجة مشاكل الأزمة الجوهرية، وعلى رأسها تعدد مستويات سعر الصرف.

وتأتي جلسة الجمعة استكمالاً لجلستَيْن عقدتا أمس، لمناقشة الموازنة، وقد تزامنت مع عمليات اقتحام عدة مصارف لبنانية من قِبل المودعين، ومن ثم قرار جمعية المصارف الإقفال لثلاثة أيام بدءاً من الاثنين المقبل.

وانسحب من الجلسة نواب كتلة "حزب القوات اللبنانية" (يترأسه سمير جعجع)، و"الكتائب اللبنانية" (يترأسها النائب سامي الجميل)، و"التغييريين"، مع عددٍ من المستقلّين، اعتراضاً على طريقة التصويت على الموازنة وبنودها، وإقرار زيادة على رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين والمتعاقدين تصل إلى 3 أضعاف قيمتها الحالية بطريقة عشوائية وغير عادلة، وفرض تعديلات سريعة من دون دراسة، في وقتٍ يعتبر المنسحبون أن النقاش يجب أن يكون ضمن الخطة الاقتصادية الإنقاذية الحكومية.

وسادت الجلسة التي صادق خلالها المجلس النيابي على نفقات الموازنة العامة قبل تطيير النصاب أجواء سجالية خلافية منها طول كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتخبّط الحكومة وتأخرها في وضع خطة إنقاذية إصلاحية بالشكل المطلوب واللازم، والاعتراض على طرح ميقاتي اعتماد سعر 15 ألف ليرة للدولار الجمركي.

كما جرى اتهام المنسحبين بخلق فوضى مقصودة لإسقاط الموازنة التي رغم سيئاتها التي تقرّ بها القوى السياسية الأخرى تبقى برأيها أفضل من لا شيء، وقد دعا رئيس البرلمان نبيه بري إلى "تحويل هذه الموازنة التي قيل عنها سيئة إلى موازنة مقبولة".

وقال النائب عن كتلة التغييريين إبراهيم منيمنة إننا انسحبنا لأننا لا نريد أن نكون شهود زور على موازنة بأرقامها وشكلها لا تجسد أي رؤية إصلاحية، بل كل ما تحاول تقديمه للشعب اللبناني هو الوهم، من زيادات وتقديمات على الرواتب وُضعت خارج إطار أي سلة إصلاحية حقيقية.

وأشار إلى أننا طالبنا أن يكون النقاش ضمن خطة إصلاحية اقتصادية إنقاذية، إذ لا يمكن إعطاء زيادات غير عادلة، تؤدي إلى طبع ليرات من دون أي احتياطي، أو دعم للعملات الصعبة، من هنا المطلوب البدء بعملية توزيع الخسائر، وإعادة هيكلة المصارف باعتبارها مدخلاً وحيداً للإصلاح.

ولفت منيمنة إلى أنه في ظل تحليق سعر صرف الدولار، فإن كل الزيادات التي تعطى ستتبخر، من هنا بيع الأوهام، لذلك المطلوب إصلاح مالي واقتصادي، ودرس النسخة الجديدة من خطة الحكومة ومناقشتها، ومن ثم إجراء نقاش حقيقي عن الموازنة.

من جهته، قال النائب سامي الجميل "كنا ذاهبين لنصوّت ضد الموازنة لأنها كارثية على الشعب اللبناني، وستؤدي إلى مزيد من الانهيار، عكس بيع الكلام للموظفين وللقطاع الخاص الذي سيتأذى من الموازنة بشكل كبير جداً أو الموظفين الذين نعطيهم بيد ونأخذ منهم باليد الأخرى".

وأضاف "لا أحد مقتنع بهذه الموازنة من ميقاتي وجرّ وأنا أتحداه أن يعلن أنه مقتنع بالأرقام الموجودة بالموازنة". وسأل: "هل من الطبيعي أن تقر موازنة فيها 3 أو 4 أسعار صرف؟".

بدوره، قال رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب في كتلة "القوات" جورج عدوان إننا أفقدنا جلسة مناقشة الموازنة نصابها، حيث إن ما يحصل خارج البرلمان وداخله يؤشر إلى أننا نعيش في عالمين مختلفين تماماً، وبدل العمل والسعي من أجل ردّ أموال المودعين، يعملون على تهريبها.

وشدد عدوان على أن مجلس النواب لا يحق له إدخال زيادات على الموازنة، عدا عن المخالفات الكثيرة التي سادت الجلسة، معرباً عن انفتاح كبير للبحث في الخطة الشاملة.

وقال نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب إنه جرى خلق فوضى في مجلس النواب لم نستفد منها، فهذه الطريقة لن تؤدي إلى أي نتيجة، علماً أننا قد لا نصوّت على الموازنة، لكن كان يجب مناقشتها والتصويت عليها.

واتهم بو صعب (ينتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل)، قوى سياسية بأنها لا تريد إقرار قانون الكابيتال كونترول، ولا إعادة هيكلة المصارف ولا الموازنة ولا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، من دون أن يكشف عن هويتها، في حين اعتبر أنه لا يجوز ربط الخطة الحكومية بالموازنة.

على الجانب الآخر، اعتبر النائب في "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يرأسه وليد جنبلاط) هادي أبو الحسن أن الموازنة سيئة، لكن كان من الضروري القبول بها في ظل الأزمات الراهنة، وإقرارها بعيداً من سلف الخزينة والاعتمادات من دون ضوابط، ومن خلال توفير الواردات.

كذلك، قال النائب عن كتلة "حزب الله" علي فياض إن "البلد يحتاج إلى موازنة، ونحن أدخلنا 3 تعديلات بجلسة اليوم التزمت الحكومة بها، بتغطية أدوية السرطان 100 في المائة، وتمويل الجامعة اللبنانية، وزيادة رواتب القطاع العام 3 أضعاف"، سائلاً "أمام هذه التحسينات، ما هي المصلحة من أن يفرط النصاب وعقد الجلسة؟".

وأشار إلى أن كل موقف لا يريد الموازنة في هذه المرحلة إما يريد دولة مفلسة على سعر 1500 ليرة حتى يستفيد التجار فيما الشعب إلى مزيدٍ من الجوع.

ميقاتي: إقرار الموازنة وإلا مزيد من سرقة إيرادات الدولة

وفي مداخلته، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن "البديل الوحيد عن التعاون بين الجميع لإقرار الموازنة هو لا موازنة، أي العودة إلى الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية التي لا تلبي الإنفاق المستجد. وأي رفض لهذه الموازنة يعني عملياً العودة إلى واردات على سعر صرف هو 1500 ليرة للدولار الواحد، مما يعني مزيداً من سرقة إيرادات الدولة".

وأضاف "في الفترة الأخيرة، زاد حجم الاستيراد 4 مليارات دولار، والتجار يخزنون البضائع في مستودعاتهم في انتظار رفع الدولار الجمركي. هل نقبل أن نكون شهوداً على سرقة الدولة؟".

وأشار إلى أن وزارة المالية باشرت بإعداد موازنة عام 2023، مشدداً على أنه "يجب أن نكون واقعيين في مقاربة كل المواضيع، هدفنا واحد وهو إنقاذ الوطن".

وأردف ميقاتي "عام 2021 كان النمو أقل من 11%، ومنذ بداية العام الحالي إلى نهاية يوليو/تموز، هناك زيادة بنسبة 2.2% عن السنة الماضية. هناك قطاعات تعمل والبلد ماشي، الصناعة تعمل والزراعة إلى حد ما متحركة، ولا يجوز إضفاء الصورة السوداوية على كل شيء".

ودعا رئيس الحكومة اللبنانية إلى التعاون لإقرار الموازنة وإقرار ما يلزم من تعديلات، و"نحن مستعدون للنقاش والبحث".

وقال وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل المحسوب على بري، إن تدهور سعر الصرف وتعدده كبّد المالية العامة خسائر كبيرة على صعيد الإيرادات التي تراجعت من 22% كمعدل وسطي ما قبل الأزمات إلى 10% من الناتج المحلي عام 2021، في حين أن الإيرادات الداخلية تبقى المصدر الأبرز لتمويل النفقات، نظراً لعدم إمكانية اللجوء إلى الأسواق المالية بعد التعثر عن دفع المستحقات للجهات الدائنة.

وأشار إلى أن "استيفاء الرسوم والضرائب على أسعار صرف تتقارب من منصّة صيرفة هو الخيار الوحيد المرجو، لأن اعتماد أسعار صرف ما دون ذلك لتحصيل الواردات، في حين أن الخزينة غالباً ما تنفق على أسعار صرف صيرفة وما فوق، تؤدّي إلى فجوة في التمويل مما يشكل ضغوطات متفاقمة على الوضع النقدي، ومن ثم على الأوضاع المعيشية في البلاد".

المساهمون