تسببت الهجمات على سفن الحاويات في البحر الأحمر في إحداث فوضى في أحد أهم طرق التجارة في العالم منذ أسابيع، حيث أضافت علاوات التأمين، والوقود المطلوب لاتخاذ الطرق البديلة، ومصاريف أخرى، نحو مليون دولار لتكلفة شحن السفينة، التي أضيفت أسابيع لزمن رحلتها، وصولاً إلى الموانئ في أوروبا وأميركا.
وحذرت شركة الشحن العملاقة ميرسك يوم الخميس، من أن التعطيل قد يستمر لمدة عام.
وكثف الحوثيون هجماتهم على السفن في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني ردا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.
وأدى تأخير الوصول، والتكاليف الإضافية لشركات الشحن، إلى إثارة المخاوف من تعرض المستهلكين، الذين ما زالوا يعانون تبعات فترة طويلة من التضخم المتفشي، لارتفاعات جديدة في الأسعار.
وقال ريتشارد ميد، رئيس تحرير مجلة لويدز ليست للشحن، لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، إن هناك "نزوحاً جماعياً تقريباً" لسفن الحاويات الكبيرة من البحر الأحمر وقناة السويس المجاورة، والتي تنقل كل شيء من أدوات وملابس الرياضة إلى الهواتف المحمولة، من الشركات المصنعة في آسيا إلى العملاء في أوروبا، وهو ما يجعلها تسلك طرقًا أطول لتجنب المنطقة.
وقبل الأزمة، كانت قناة السويس، التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، ممرا لما بين 10% و15% من التجارة العالمية، والتي تشمل صادرات النفط، ونحو 30% من أحجام شحن الحاويات العالمية.
لكن محللين قالوا لشبكة "سي أن أن" إن التأثير الإجمالي على تكاليف الشحن وسلاسل التوريد لا يزال أقل خطورة مما كان عليه في ذروة الوباء. ومع ذلك، تركت الأزمة الحالية بصماتها، مما دفع شركة تسلا، مصنعة السيارات الكهربائية الأشهر في العالم، إلى وقف بعض إنتاجها مؤقتا بسبب التأخير في تسليم قطع غيار السيارات إلى ألمانيا، كما حذرت شركة الأثاث السويدية العملاقة إيكيا من نقص محتمل في المنتجات.
وقال فنسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك، في مقابلة يوم الخميس مع شبكة "سي أن أن": "لسنا قريبين من حل أو وضع يمكننا أن نرى فيه أن المجتمع الدولي قادر على توفير ممر آمن، لذلك أعتقد أن هذا سيكون معنا لبضعة أشهر".
ويقدر بيتر ساند، كبير المحللين في شركة زينيتا، المتخصصة في إعداد وتحليل بيانات الشحن البحري والجوي، أن حوالي 90% من سعة سفن الحاويات المعتادة التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس قد أعيد توجيهها حول الطرف الجنوبي من أفريقيا.
وقال إن حوالي ربع ناقلات البضائع السائبة، التي تنقل كميات كبيرة من البضائع الجافة مثل الحبوب أو الإسمنت، وربع الناقلات التي تحمل النفط أو الغاز الطبيعي، قامت بنفس التحويل حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. وأشار إلى أن هذا يضيف ما يصل إلى أسبوعين إلى الرحلة النموذجية من الشرق إلى الغرب لسفن الحاويات، و18 يومًا لناقلات البضائع السائبة والناقلات الأبطأ.
وهناك بعض الأدلة على أن عملاء الشحن يختارون نقل بضائعهم جواً بدلاً من تصديرها بحراً، بسبب التعطيل، بحسب ساند.
وقال: "نرى شركات الأزياء وأولئك الذين يبيعون الملابس في أوروبا يقررون أن بعض خطوط ملابسهم ستُنقل جوا، بدلا من أن تُنقل بحرا، وعندها تتحدث حقا عن تصاعد التكاليف، حيث يكون هذا أغلى 10 إلى 20 مرة".
وتُظهر البيانات الواردة من زينيتا ارتفاعًا طفيفًا في حجم الشحنات الجوية من فيتنام، مركز تصنيع الملابس، إلى شمال أوروبا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وأدت إضافة بضعة آلاف من الأميال الأخرى إلى طرق الشحن إلى زيادة تكاليف الوقود والتأمين، بالإضافة إلى رسوم الاستئجار وما يتم دفعه من أجور.
وتشير تقديرات شركة ساند في زينيتا إلى أن هذه المصاريف الإضافية تكلف شركات النقل، مثل ميرسك وهاباغ لويد، مليون دولار إضافية لكل سفينة للقيام برحلة ذهابًا وإيابًا حول الطرف الجنوبي لأفريقيا. لكن الشركة أوضحت أن النسبة الأكبر من التكلفة الإضافية ترجع إلى ارتفاع تكاليف الوقود.
ونتيجة لذلك، قامت شركات النقل برفع أسعار الشحن التي تدفعها الشركات لنقل بضائعها على متن سفنها، كما فرضت رسومًا إضافية طارئة.
وبلغت تكاليف الشحن العالمية للحاوية النموذجية التي يبلغ طولها 40 قدمًا 3786 دولارًا هذا الأسبوع، بزيادة 90% عن نفس الوقت من العام الماضي، وفقًا لمؤشر Drewry World Container Index.
وبالنسبة للحاوية ذات الحجم نفسه التي تسافر من شنغهاي في الصين إلى روتردام في هولندا، قفزت التكلفة بنسبة 158% مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 4426 دولارًا.
ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية تبدو ضئيلة مقارنة بالأزمة التي سبقتها، إذ ما زالت تكاليف شحن الحاويات العالمية أقل من نصف مستواها خلال جائحة فيروس كورونا، والتي بلغت ذروتها عند 10380 دولارًا في سبتمبر/أيلول 2021.
وفي ذلك الوقت، كان المستهلكون لا يزالون في الغالب عالقين في منازلهم، ولديهم الكثير من المدخرات، ولم يشغلهم شيء عن الإنفاق على السلع.
وقال سيمون ماك آدم، نائب كبير الاقتصاديين العالميين في كابيتال إيكونوميكس، لشبكة "سي أن أن": "نحن في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه أثناء الوباء".
وقال إن الطلب العالمي على السلع ارتفع بسرعة "غير مسبوقة" في العام 2021، لكنه انخفض منذ ذلك الحين إلى مستويات طبيعية، في حين أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض شهية المستهلكين للسلع باهظة الثمن التي يتم دفع ثمنها عادة عن طريق الائتمان.