استهداف النفط الإيراني... قصف مصافي التكرير السيناريو الأقرب لإسرائيل وأميركا

09 أكتوبر 2024
مصفاة أصفهان للنفط، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتوقع التقارير الاقتصادية أن تستهدف إسرائيل مصافي النفط الإيرانية للرد على الهجوم الصاروخي الإيراني، مع تجنب استهداف حقول الإنتاج لتفادي إرباك أسواق النفط وطمأنة الإدارة الأميركية.
- تحذر الولايات المتحدة من ردود فعل انتقامية إيرانية قد تؤثر على دول منتجة للنفط، مما يزيد من تعقيد الوضع الجيوسياسي وتأثيره على الأسواق.
- تسعى الولايات المتحدة إلى عدم تأجيج أسواق النفط، مع وجود فائض في المعروض العالمي وتوقعات بنمو إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك".

تبدو مصافي النفط الإيرانية الأقرب إلى الاستهداف من قبل إسرائيل، رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، إذ يضمن ذلك توجيه ضربة موجعة لطهران، وفي الوقت نفسه طمأنة الإدارة الأميركية لعدم إرباك أسواق النفط العالمية.

توقعت تقارير اقتصادية أن تستهدف إسرائيل مصافي النفط الإيرانية، واستبعاد حقول الإنتاج ومنشآت التصدير في هذه الفترة، لإرضاء إدارة الرئيس جو بايدن التي تخشى من ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر، ما يخلق صداعاً لحملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، حتى لو كانت الصادرات الإيرانية غير مؤثرة كثيراً في إجمالي المعروض العالمي بعد إضعافها لسنوات بفعل العقوبات الواسعة، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018.

وتترقب أسواق النفط بشدة ما ستؤول إليه التطورات، وسط تصعيد التهديدات المتبادلة بين طهران وحكومة الاحتلال الإسرائيل، بعد أن شنّت إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل، الثلاثاء الماضي، رداً على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/تموز، بعد المشاركة في مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان، حيث أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن منشآت النفط الإيرانية من حقول إنتاج ومنشآت تصدير ومصافي تكرير بين الأهداف المحتملة.

لكن محللين اعتبروا أن الاستهداف الإسرائيلي قد يطاول مصافي التكرير فقط دون غيرها من منشآت النفط على الأرجح، حيث سيظل الألم محلياً، بل إن مثل هذه الضربات قد تعزز إمدادات الخام العالمية، لأنها قد تحرر المزيد من النفط الإيراني غير المكرر وتدفعه نحو التصدير. ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان ينبغي على إسرائيل التفكير قبل ضرب المنشآت النفطية الإيرانية، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في إفادة صحافية في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي: "لم يتوصل الإسرائيليون إلى قرار بشأن ما سيفعلونه في ما يتعلق بالضربة، هذا لا يزال قيد المناقشة، لو كنت في مكانهم، لفكرت في بدائل أخرى غير استهداف حقول النفط".

تنتج إيران يومياً من هذه المصافي ما يقارب 115 مليون لتر من وقود البنزين، وهو ما حقق للبلاد اكتفاء ذاتياً من هذه السلعة الاستراتيجية

ويبدو أن الولايات المتحدة حريصة على عدم امتداد تأثير ضرب حقول النفط الإيرانية إلى الأسواق العالمية، لا سيما أن هناك مخاوف من ردات فعل انتقامية إيرانية، قد تطاول دولاً منتجة للنفط في المنطقة "تقف إلى جانب إسرائيل"، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية.

سيناريوهات عدة للرد الإسرائيلي

وأشارت المجلة إلى عدة سيناريوهات للقصف الإسرائيلي. وأوضحت أنه "إذا كانت ستضرب أهدافاً عسكرية فقط، مثل مواقع إطلاق الصواريخ، واستجابت إيران بشكل معتدل، في محاولة لنزع فتيل الموقف، فإن بعض العلاوة الجيوسياسية التي تعزز أسعار النفط سوف تتبخر". ولكن إسرائيل قد تختار التصعيد بقصف البنية الأساسية المدنية الإيرانية، أو منشآت النفط والغاز، أو مواقع التخصيب النووي، حينها ستشعر إيران بأنها مضطرة إلى الرد بقوة، الأمر الذي قد يشعل صراعاً واسعاً يلقي بظلاله على أسواق النفط بمخاطر أكبر من تأثير حصة إيران في إجمالي الإمدادات العالمية.

وإذا أرادت إسرائيل توجيه ضربة قاسية لصادرات الطاقة الإيرانية، فيمكنها مهاجمة محطات النفط في "جزيرة خرج"، التي يجري شحن تسعة أعشار براميل النفط الخام الإيراني منها، أو حتى حقول الإنتاج نفسها. وهذا من شأنه أن يأتي بتكلفة دبلوماسية، إذ ستشعر إدارة بايدن بالانزعاج من خطر ارتفاع أسعار البنزين قبل أقل من شهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما أن الصين، وجهة كل صادرات النفط الإيرانية تقريباً ستكون غاضبة من الأمر، بينما الصين مهمة بالنسبة لإسرائيل كونها تدير ميناء حيفا، وهو الأكبر في إسرائيل، وهي مستثمر كبير في قطاع التكنولوجيا بدولة الاحتلال.

وتُعدّ جزيرة خرج أحد أهم منافذ تصدير النفط في إيران، وتوجد في الجزيرة، التي تقع في الركن الشمالي الشرقي من الخليج العربي، وتبعد عن السواحل الإيرانية حوالي 25 كيلومتراً، خزانات النفط وموانئ شحن النفط، وتحتوي على مرفأ ومطار وقاعدة عسكرية، إضافة إلى منشآت نفطية أخرى.

وتُظهر بيانات شركة "كبلر" المتخصصة في تحليل أسواق النفط، أن متوسط صادرات إيران النفطية بلغ حوالي 1.6 مليون برميل يومياً هذا العام، ولكن شهر سبتمبر/أيلول الماضي شهد رقماً قياسياً رغم العقوبات الأميركية، حيث وصلت الصادرات إلى حوالي 1.88 مليون برميل يومياً، في حين تقدر مؤسسة "سيتي غروب" المصرفية إنتاج إيران النفطي بنحو 3.4 ملايين برميل يومياً، وأكثر من 700 ألف برميل يومياً من المكثفات.

استهداف مصافي النفط السيناريو الأقرب

لذا قد تستهدف إسرائيل الأصول التي تحول النفط الخام الإيراني إلى منتجات بترولية (مصافي التكرير) دون غيرها من حقول الإنتاج ومنشآت التصدير، وفق تقرير المجلة البريطانية. وفي هذا السياق فإن مصفاة "عبادان" التي يبلغ عمرها قرناً من الزمن، والتي تزود السوق المحلية بنحو 25% من إمداداتها من البنزين، تعد أحد الخيارات المحتملة للقصف. وفي هذه الحالة، ربما يجري احتواء التداعيات العالمية.

وتقدر شركة "كبلر" أن إيران يمكن أن تعوض بعض نقص الوقود عن طريق تهريب المزيد من البراميل من إقليم كردستان شمال العراق. وتعتبر المصافي الإيرانية من المنشآت الاستراتيجية الحساسة، ويجري فيها تكرير النفط وتحويل النفط الخام إلى الغاز السائل والنفط الأبيض والبنزين والمازوت ومشتقات نفطية أخرى. وتعتبر مصافي البترول مجمعات صناعية عملاقة، تحتوي على العديد من وحدات المعالجة المختلفة والمرافق الإضافية المساعدة، مثل وحدات الخدمات، ووحدات التخزين.

وتنتج إيران يومياً من هذه المصافي ما يقارب 115 مليون لتر من وقود البنزين، وهو ما حقق للبلاد اكتفاء ذاتياً من هذه السلعة الاستراتيجية. ولدى الدولة عشر مصاف عملاقة، تتوزع في جغرافيتها الواسعة، في جنوب غرب إيران ووسطها وجنوبها وشمالها، منها مصافي طهران العملاقة، ومصفاة بندر عباس ومصفاة نجمة الخليج. وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، تعد مصفاة "عبادان" أول مصفاة في غرب آسيا أسست في عام 1912. وحتى بداية الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 كانت تعتبر أكبر مصفاة في العالم بتكرير 628 ألف برميل نفط يومياً، وهي مملوكة بالكامل للدولة ويعمل بها حاليا 7 آلاف شخص.

تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك" بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في العام المقبل

وفي مارس/آذار الماضي، افتتح الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الجزء الأول من المرحلة الثانية من مصفاة عبادان، ما يسمح بإضافة 210 آلاف برميل لإنتاج المصفاة يومياً، ليرتفع إجمالي إنتاجها إلى 360 ألف برميل يومياً. ونقلت وكالات إيرانية حينها عن مسؤولين إيرانيين قولهم إنه بعد افتتاح المرحلة الثانية ستنتج المصفاة 30% من البنزين في إيران، بعد أن كانت في السابق توفر 25% منه. ويجري إنتاج ما بين 80% و85% من الوقود المكرر في المصافي العشر، فيما تعمل إيران على إنشاء عدد من المصافي الجديدة لتغطية الفارق بين الإنتاج والاستهلاك وتصدير الفائض.

رغبة أميركية في عدم تأجيج أسواق النفط

ويشير سيناريو استهداف مصافي التكرير إلى رغبة واشنطن في عدم تأجيج أسواق النفط، على الرغم من المعروض الوفير والطلب المتباطئ حالياً، فبعد سلسلة من تخفيضات الإنتاج من جانب مجموعة "أوبك+"، تمتلك منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها، أكثر من 5 ملايين برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية الزائدة، وهو ما يزيد على ما يكفي لتعويض خسارة الخام الإيراني. وتمتلك السعودية والإمارات وحدهما أكثر من 4 ملايين برميل يومياً من هذه الاحتياطيات الزائدة.

وربما لن تنتظر دول "أوبك+" طويلاً لزيادة الإنتاج. فقد كان أعضاء المجموعة الغاضبين لرؤية حصتهم في السوق تتراجع في الأشهر الأخيرة، ينتظرون مثل هذه الفرصة بالذات للفكاك من تخفيضات الإنتاج. وفي الأسبوع الماضي، أشارت المجموعة إلى التخطيط لزيادة الإنتاج بمقدار 180 ألف برميل يومياً شهرياً لمدة عام، بدءاً من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

يأتي هذا في الوقت الذي يتآكل فيه الانضباط بخفض الإنتاج بين دول "أوبك+" فقد تجاوز العراق وكازاخستان حدود العرض لأشهر، وهو ما قد يدفع أعضاء آخرين، وخاصة السعودية، إلى استعادة إنتاجها بسرعة أكبر. كما أن الإنتاج يتزايد في أميركا وكندا وغويانا والبرازيل وأماكن أخرى.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك" بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في العام المقبل، وهو ما يزيد على ما يكفي لتغطية أي ارتفاع في الطلب العالمي. في المقابل يتباطأ الطلب بسبب النمو الاقتصادي الفاتر في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، والسباق نحو التخلي عن السيارات التي تعمل بالبنزين لصالح السيارات الكهربائية، وخاصة في الصين. وقبل التصعيد الأخير في التوترات في الشرق الأوسط، توقع التجار فائضاً في النفط في عام 2025، مما يدفع الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل. لكن قد تصبح الأمور أكثر فوضوية إذا هاجمت إيران دولاً في الخليج ترى أنها تدعم إسرائيل، ما قد يدفع الأسعار للصعود صوب 100 دولار للبرميل.

المساهمون