أعادت استقالة وزير المالية، مناف الهاجري، بعد 3 أشهر من توليه المنصب، مشهد التأزم إلى الكويت، بعد مساعٍ للاستقرار على خلفية تخفيف التوتر بين الحكومة والبرلمان (مجلس الأمة) بانتخاب مجلس جديد، ما سلّط الضوء على أسباب الاستقالة وتداعياتها الاقتصادية، لارتباطها بفقدان الهاجري لرئاسة هيئة الاستثمار، التي تدير صندوق الثروة السيادي، البالغ حجمه 700 مليار دولار.
واصطدم الهاجري مع مسؤولين حكوميين في قضايا أخرى، مثل رواتب العاملين في القطاع العام، وفرض رسوم على المقيمين، ليقبل وليّ العهد الكويتي، مشعل الأحمد الجابر الصباح، استقالته ويعيّن سعد البراك وزيراً للمالية بالوكالة، حسبما أوردت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا".
لكنّ صحفاً كويتية تشير إلى أن سبب الاستقالة يرجع إلى اعتراض الهاجري على نقل سلطة إدارة هيئة الاستثمارات، إلى وزير النفط سعد البراك، بعد أن تولى منصب وزير الشؤون الاقتصادية والاستثمارية، رغم أن هذا المنصب يشغله تاريخياً وزير المالية، وفقاً لقانون يعود إلى عقود مضت.
فهذا النقل يضعف من دور وزارة المالية في تحديث الاقتصاد الكويتي وإصلاحه، الذي يعاني من انخفاض إيرادات النفط وزيادة الإنفاق والديون.
ويتوقع مراقبون تأثيراً مباشراً لنقل تبعية هيئة الاستثمارات إلى وزير آخر على استراتيجية وأداء الاستثمارات الكويتية بالخارج، إذ تعتبر أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم.
تحديات الاقتصاد
ويواجه الاقتصادي الكويتي تحديات تشمل الاعتماد الزائد على النفط مصدراً رئيسياً للإيرادات والصادرات، ما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط والطلب العالمي، ويعظم الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل والنشاط من خلال تعزيز دور القطاع الخاص والابتكار والتنافسية، حسبما أورد تقرير أعده مركز دول الخليج العربية في واشنطن بالتعاون مع مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات.
ويؤكد التقرير أن قطاع النفط الكويتي، شهد منذ اكتشاف الخام لأول مرة في القرن الماضي، نمواً بشكل مطرد باستثناء غزو العراق للكويت، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، بدأ بالتراجع، وتضاءلت عمليات الإنتاج والاستفادة منه.
ويعزز من التحدي أمام الاقتصاد الكويتي الإنفاق الحكومي المرتفع، الذي يشمل رواتب الموظفين العامين ومزاياهم والدعم للطاقة والغذاء، ما يؤدي إلى عجز في الميزانية وزيادة في الديون، ضاعفه التوتر السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية، والتغييرات المتكررة في تشكيلة الحكومة والمعارضة البرلمانية لبعض الإصلاحات المهمة، مثل قانون الدين.
وتقول الحكومة الكويتية إنها تعتزم إنفاق نحو 13 مليار دينار (ما يعادل 42.2 مليار دولار) على مشاريعها النفطية خلال السنوات الخمس القادمة حتى 2027-2028، فيما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت، أحمد العيدان، في 18 يونيو/حزيران الماضي، أن الطاقة الإنتاجية للنفط في البلاد ستصل إلى 3 ملايين برميل يومياً عام 2025.
وإزاء ذلك، أظهرت وثيقة حكومية، أن الكويت تعتزم دراسة إنشاء صندوق ثروة سيادي للاستثمار محلياً وقيادة مشاريع ضخمة وجذب استثمارات من مستثمرين أجانب والقطاع الخاص، حسبما أوردت وكالة "رويترز" في 16 يوليو/تموز.
وبحسب الوثيقة، ستكون وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار مسؤولتين عن إنجاز دراسة هذا الصندوق الذي سيحمل اسم "سيادة".
الاستقرار السياسي
ويشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن استقالة وزير المالية، مناف الهاجري، تبيّن أن "الاستقرار السياسي ليس أولوية عند الحكومة".
ويرى رمضان أن حل الأزمة كان ممكناً بأن تعود وزارة الشؤون الاقتصادية إلى وزير المالية، كما كانت بالسابق، أو تُنقَل تبعية الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات إلى وزير المالية.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن نقل تبعية الهيئة إلى وزارة الشؤون الاقتصادية جرى في عام 2021 عندما كان وزير الشؤون الاقتصادية هو نفسه وزير المالية، ولذا لم يكن هناك ثمة إشكال، "لكن نقل هذه الوزارة إلى وزير آخر أسفر عن مشكلة ليس لها داعٍ أبداً".
ويؤكد الإصرار على عدم عودة تبعية هذه الوزارة لوزير المالية من مبدأ أن الاستقرار السياسي ليس أولوية لحكومة الكويت، حسبما يرى رمضان، مؤكداً ضرورة أن تتبع هيئة الاستثمار وزير المالية، نظراً للترابط الكبير بينها وبين الوزارة، تماماً كما أن وزارة التعليم العالي تحت وزير التربية.
ويلفت رمضان إلى أن حالات كثيرة تثبت عدم وجود تعاون كبير بين الوزراء في الحكومة الكويتية، وبالتالي إنّ فصل الوزارات أو الهيئات المترابطة بعضها عن بعض، ووجود وزراء مختلفين قد لا يكون مفيد أبداً، وليس لمصلحة الاقتصاد الكويتي.