مشاريع "الحزام والطريق" في آسيا الوسطى تحت رحمة "طالبان"... وبكين قلقة

01 سبتمبر 2021
الصين تتخوف على مصالحها الاقتصادية من غموض المستقبل في أفغانستان (Getty)
+ الخط -

تكشف المحادثة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أول من أمس الاثنين، حجم القلق الذي يعتري الحكومة الصينية من احتمال حدوث فوضى واضطرابات في منطقة آسيا الوسطى التي تمثل حجر الزاوية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وطلب وانغ يي في المحادثة الهاتفية من بلينكن، أن تحثّ الولايات المتحدة المجتمع الدولي على التدخل، ومساعدة حركة "طالبان" في إدارة شؤون أفغانستان.

ويهدد الاضطراب السياسي في أفغانستان مباشرةً مشروعات "الحزام والطريق" التي تبني عليها بكين خطة التمدد الاقتصادي في الأسواق العالمية ونمو صادراتها. وبالتالي، فإنّ أفغانستان بموقعها الجغرافي وطبيعتها الجبلية القاسية يمكن أن تسبب صداعاً حقيقاً للصين في آسيا الوسطى، وتربك خطط نموها الاقتصادي في المستقبل.

ومنذ بداية مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، وحتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استثمرت الصين نحو 755.17 مليار دولار في مشروعات الطاقة والنقل والمباني، ومعظم هذه المشروعات تمرّ عبر دول آسيا الوسطى التي تُعَدّ الممر الرابط بين أوروبا وآسيا والمنطقة العربية وإيران.

وحسب بيانات جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تستثمر الصين نحو 70 مليار دولار في منطقة آسيا الوسطى، ولديها خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي.

وبالتالي إنّ الاضطرابات السياسية ونيران الحروب في أفغانستان قد تتطاير شظاياها في دول طاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، التي توجد فيها جماعات سياسية لها ارتباطات بـ"طالبان" ومتعاطفة مع جماعة الإيغور التي تتعرض للاضهاد والإبادة في إقليم شينجيانغ أوسنجار الصيني المتاخم لكلّ من أفغانستان وقيرغيزستان.

وكما تعكف الصين على تغيير التركيبة العرقية في إقليم شينجيانغ والهوية الدينية لسكانه المسلمين، ينظر الحزب الشيوعي إلى دول آسيا الوسطى كـ"حديقة خلفية" لتنفيذ خطط الصين الاقتصادية في المستقبل.

وعلى الرغم من التنسيق الضمني بين موسكو وبكين في منطقة آسيا الوسطى القائم على أن تقوم روسيا بضمان الاستقرار السياسي والأمني بينما تقوم الصين بشؤون الاقتصاد، فإنّ مشروعات "الحزام والطريق" تُدخل الدولتين في بعض الأحيان في منافسة مباشرة حول استغلال موارد النفط والغاز الطبيعي الذي تحتاج إليه الصين بشدة لتلبية احتياجاتها المتزايدة. وتسعى الصين التي تعاني من التلوث البيئي للتخلص من الفحم الحجري واستبداله بالغاز الطبيعي.

وبحسب بيانات المعهد الأميركي "أميركان إنتربرايز إنستيتيوت"، استثمرت الشركات الصينية نحو 50 مليار دولار في أربع دول بآسيا الوسطى، هي كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان. وتشير بيانات المعهد إلى أنّ الصين استثمرت بين عام 2013 ونوفمبر/تشرين الثاني 2020 نحو 35.5 مليار دولار في كازاخستان، و4.73 مليارات دولار في قيرغيزستان، و5.79 مليارات دولار في أوزبكستان، و2.15 مليار دولار في طاجيكستان.

لكن جامعة "جورج واشنطن" تقول إنّ الشركات الصينية استثمرت نحو 70 مليار دولار في كازاخستان وحدها.

وبالتالي تولي الصين دول آسيا الوسطى أهمية كبيرة في استراتيجية الأمن القومي الصيني، وخطط تحديث الاقتصاد ودعم "دولة الصين الواحدة" التي تضم، بحسب مفهوم بكين، إلى البر الصيني وهونغ كونغ، دولة تايوان.

وبالتالي تتخوف الحكومة الصينية من احتضان حركة "طالبان" بعد سيطرتها على الحكم في أفغانستان جماعة الإيغور، وحركات آسيا الوسطى الداعمة لها.

ووفق تحليل في جامعة "جورج واشنطن"، فإنّ اهتمام الصين بالاستثمار الكبير في دول آسيا الوسطى يعود إلى أربعة أسباب رئيسية، هي:

أولاً، هذه الدول غنية بالموارد الطبيعية، وخصوصاً النفط والغاز والمعادن التي تحتاجها الصناعة الصينية في مسار توسعها الاقتصادي والتجاري العالمي.

ثانياً، شرعت الصين منذ العام الماضي 2020 بتنفيذ استراتيجية التخلص من الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، أي التي لا تحقق عوائد ربحية مرتفعة والتركيز على المنتجات التقنية ذات القيمة المضافة العالية مثل منتجات الذكاء الصناعي والشرائح وتقنيات التجارة الإلكترونية. وهذه الخطط الصناعية الصينية تحتاج إلى أسواق متخلفة ولديها حكومات استبدادية تنفذ استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني الرامية إلى تغيير "التركيبة السكانية وتغيير الهوية العرقية والدينية على المدى الطويل" من دون اعتراض أو فحص أو حتى مساءلة حول مضار هذه الصناعات الثقيلة على المدى الطويل والقبول بشروط الشركات الصينية من حيث توظيف العمالة الصينية برواتب مرتفعة على حساب المشروع ومنح العمال المحليين رواتب منخفضة وعدم الاعتراض على التلوث البيئي أو حماية حقوق العمال المحليين.

ثالثاً، ترغب الصين في تحقيق استقرار نسبي في هذه الدول يحقق أهداف الأمن القومي لها ويدعم مشاريعها السياسية في الأمم المتحدة ومرشحيها في المؤسات الدولية.

رابعاً، ترغب الصين في السيطرة على الأسواق الداخلية بآسيا الوسطى وضمان استمرارها كسوق استهلاكي للبضائع وفق استراتيجية ترويج "صنع في الصين". وبالتالي تخطط منطقة بكين لضمان دول آسيا الوسطى أو دول بحر قزوين في المستقبل كسوق لشركاتها في تملك الثروات الهيدروكربونية والمعدنية وتسويقها وكسوق استهلاك قريب للمنتجات الصينية ومعبر للتصدير إلى أوروبا.

المساهمون