رغم غلاء أسعار وقود الطيران بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية على صادرات النفط، فإن أسعار تذاكر الطيران منخفض الكلفة لا تزال أقل في أوروبا من مستوياتها في عام 2019 الذي سبق جائحة كورونا التي أدت إلى خسائر ضخمة في قطاع الطيران وكادت تفلس شركات عدة لولا الدعم الذي تلقته من الحكومات.
وحسب موقع "ويتش" البريطاني الذي يراقب ويقارن أسعار السلع والخدمات لصالح المواطن في بريطانيا، فإن أسعار التذاكر من لندن إلى المطارات الأوروبية لا تزال أقل بنسبة 48% في الصيف الجاري مقارنة بمتوسط أسعارها في عام 2019.
ويشير تقرير "ويتش" في هذا الصدد إلى أن شركات الطيران الصغيرة التي تنشط في الرحلات السياحية داخل أوروبا لجأت إلى أسلوب التحوط وتعاقدت على صفقات وقود كبيرة في عام 2020 حينما تراجعت أسعار النفط إلى أقل من 20 دولاراً لخام برنت. وحسب جدول مقارنة سعرية للتذاكر في التقرير، فإن متوسط سعر التذكرة بين لندن والمطارات الأوروبية بلغ خلال الصيف الجاري 92 جنيهاً إسترلينياً مقارنة بمتوسط السعر البالغ 182 جنيهاً إسترلينياً في عام 2019.
ووجد مسح لنشرة "ويتش" البريطانية أن جميع التذاكر التي تم حجزها من مطار "ستانستيد" شرقي لندن إلى ست وجهات أوروبية كانت أرخص من الأسعار التي دفعت في صيف عام 2019. وبلغ سعر رحلة الطيران المنخفض ذهاباً وإياباً من لندن إلى برشلونة في إسبانيا وإلى البندقية في إيطاليا، وهي من المقاصد الأكثر شعبية للسياح البريطانيين، بلغت في المتوسط 90 جنيهاً إسترلينياً للحجوزات التي تمت في مارس/ آذار لرحلات أغسطس/ آب، مقارنة بسعرها في نفس الفترة من عام 2019.
ولكن رغم هذه الأسعار المنخفضة حالياً فإن مسؤولين يحذرون من أن هذه الأسعار المنخفضة قد لا تستمر طويلاً إذا تواصلت الحرب الأوكرانية التي تضغط حالياً على إمدادات النفط والمشتقات البترولية وترفع أسعاره. ويفوق سعر خام برنت حالياً 110 دولارات للبرميل، ولكن أسعار الخامات الخفيفة مثل النافثا التي يستخرج منها وقود الطائرات مرتفعة جداً.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة "رايان إير" مايكل أوليري قد انتقد الأسعار الرخيصة جداً لأسعار التذاكر التي تمنحها الشركات "رخيصة الكلفة" للمسافرين. وقال أوليري في تعليقات لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الأسبوع الماضي إن أسعار تذاكر الطيران التي تقل عن تكلفة ركوب قطار إلى المطار "سخيفة". وتوقع أوليري انتهاء مرحلة الطيران منخفض التكلفة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وذلك مع ارتفاع أسعار الوقود والرسوم بين الدول. ومن المتوقع أن يكون لذلك تأثير سلبي على الأسعار، وربما سيكون على هذه الشركات تبعاً لذلك رفع أثمان التذاكر.
وبينما بلغ سعر برميل وقود الطائرات في المتوسط 170 دولاراً في بداية العام الماضي، ارتفع إلى أكثر من 480 دولاراً للبرميل في شهر يونيو/ حزيران الماضي، حسب بيانات اتحاد النقل الجوي العالمي "أياتا". وحسب "أياتا"، بلغت أسعار وقود الطائرات 466 دولاراً في الأسبوع الأول من الشهر، وبلغت 482 و484 و472 دولاراً للبرميل في الأسابيع الثلاثة الأخرى منه.
وحسب خبراء على معرفة بالطيران منخفض الكلفة، فإن الشركات تعتمد في تحصيل ربحية من التذاكر المنخفضة عبر الاستخدام المكثف للطارة الواحدة في الرحلة، إذ إنها تستخدم الطائرة كما يستخدم الباص في رحلات متعددة وتعتمد على ملء الكراسي، كما لا تمنح المسافر أية ميزات في الخدمات مثل الوجبات وشحن الأمتعة أو أية خدمات أخرى سوى إيصاله إلى المحطة النهائية، وهذا ما يقلل من كلفة الرحلات. وساهمت شركات الطيران منخفضة الكلفة في سياحة المسافرين من ذوي الدخل المنخفض من العمال والطلاب والعائلات الفقيرة التي كانت في السابق تقضي إجازة الصيف في دولها.
ويضاف إلى ذلك أن العديد من شركات الطيران خفضت من كلف الوقود عبر التحوط الذي نفذته في العوام الماضية. وعادة ما يحجز المواطنون سفرياتهم في الطيران منخفض الكلفة في وقت مبكر وكلما كان الحجز مبكراً كان سعر التذكرة أقل وكلما تأخر الحجز كان سعر التذكرة أكبر، أي أنه ليس هنالك أسعار ثابتة للتذكرة في الرحلة الواحدة، فقد يدفع مسافر تأخر في حجز تذكرته 200 يورو أو 200 جنيه إسترليني بينما يدفع مسافر آخر حجز مبكراً 50 يورو أو 50 جنيهاً إسترلينياً في نفس الرحلة. ورغم ارتفاع معدل الحجوزات في مكاتب شركات الطيران في أوروبا خلال الصيف الجاري، فإنها لا تزال أقل مقارنة بالصيف الماضي.
ويذكر أن عدة شركات "طيران منخفض الكلفة" واجهت صعوبات الاستمرار واضطرت لإعلان إفلاسها كانت أشهرها شركة "إير برلين" التي أعلنت عن إفلاسها في مايو/ أيار عام 2017. وإير برلين، وهي ثاني أكبر شركة طيران ألمانية، أشهرت إفلاسها بعد أن سحب المساهم الرئيسي الاتحاد للطيران التمويل بعد تكبد الشركة خسائر لسنوات. كما اضطرت بعض الشركات إلى خفض كلف التشغيل وخفض عدد الموظفين. وحتى الآن من غير المعروف كيف سيتطور سوق الطيران منخفض الكلفة ولكن شركات الطيران الكبرى بدأت في حصد أرباح مع ارتفاع الطلب على السفر وزيادة أسعار التذاكر.