تسببت حرب السودان في أزمة نزوح واسعة تأثرت بها العديد من الولايات من ضمن ثماني عشرة ولاية منذ نحو تسعة أشهر. وأدت هذه الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى هجرة ملايين السودانيين من مناطق الحرب باتجاه المدن الآمنة لتفاقم من أزمة السكن والإيجارات.
واستغل البعض الوضع المتأزم في البلاد وزادوا من معاناة النازحين والفارين من جحيم الحرب عبر رفع قيمة الإيجارات بصورة كبيرة في الولايات الآمنة والتي تعاني أصلاً من شح المساكن.
وتأثرت ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة بالحرب منذ اندلاعها في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام الماضي مخلفة وراءها نازحين ولاجئين إلى دول الجوار مع اشتداد حدة المعارك التي ما زالت مستمرة بهذه الولايات مع توقعات بنزوح جديد من ولايات سنار والقضارف والنيل الأبيض ونهر النيل والشمالية عقب التهديد الذي تمارسه قوات الدعم السريع لسكان هذه المناطق.
وعقب استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدنى بولاية الجزيرة (وسط) والتي كانت قد استوعبت أعداداً كبيرة من النازحين في دور الإيواء وبعض الفنادق والشقق ومنازل المواطنين رغم ارتفاع الإيجارات، دخلت الولاية خط المواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما زاد من معاناة السكن مع انتشار الأمراض المعدية والمزمنة نتيجة إغلاق أهم مراكز العلاجات الطبية.
وزاد تواصل الحرب من تفاقم أزمة السكن ومستويات البطالة في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين لدرجة أن بعضهم يفترشون الأرض في انتظار من يعولهم والبعض لجأ إلى دور الإيواء التي خصصتها بعض المدن بالتركيز على المدارس.
وأثرت الحرب بشكل كبير على معدلات التشغيل داخل الدولة فارتفع معدل البطالة من 32.14% في عام 2022 إلى 45.96 % في عام 2023.
وفقدت أسر عديدة معيلها وأصبحت بلا مصدر رزق وسط ظروف اقتصادية وشلل كافة المرافق بالكثير من ولايات السودان، وفقد موظفون وظائفهم وأصبحوا عالة على أخرين، الأمر الذي جعل الكثير من النازحين غير قادرين على دفع الإيجارات التي قفزت قيمتها إلى عدة أضعاف وسط عدم شح السكن.
وحسب مواطنين بلغ إيجار اليوم الواحد 100 ألف جنيه لشقة تتكون من غرفتين فقط بلا خدمات، كما وصلت إيجارات البيوت إلى أكثر من 8 ملايين جنيه في الشهر وسط معاناة وفقدان الأسر لمدخراتهم جراء النهب الواسع لمنازلهم من قبل أفراد الدعم السريع.
ويواجه الجنيه السوداني تدهورا غير مسبوق أمام الدولار في السوق السوداء، نتيجة لارتفاع الطلب على العملات الأجنبية وندرتها في السوق المحلية. ووصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 1110 جنيهات للبيع، و1100 جنيه للشراء، بينما يختلف سعره في البنوك نحو 950 جنيهاً.
"العربي الجديد" رصدت معاناة كثيرين نزحوا للمرة الثانية إلى ولايات الشرق والشمال بعد أن نزحوا قبل ذلك إلى ولاية الجزيرة. وبعد اجتياح وسط السودان من قوات الدعم السريع فضّلوا النزوح مجدداً.
وفي هذا السياق، يحكي الموظف الرشيد محمود تجربته مع النزوح بقوله إنه "نزح من الخرطوم بأطفاله الثلاثة إلى ولاية الجزيرة واستأجر منزلاً لمدة ثلاثة أشهر، مستفيداً من مدخراته إلا أنه مع إطالة أمد الحرب اضطررت إلى السكن مع أطفالي بأحد المدارس في ظل ظروف بالغة التعقيد وبلا عمل أو إعانات حكومية".
وأضاف: "لولا كرم السودانيين لضاقت بنا الأرض، ولكن أسوأ ما يواجه النازحون هو النزوح للمرة الثانية دون معرفة الوجهة الجديدة".
وتابع: بعد أن وصلنا إلى بورتسودان بولاية البحر الأحمر لجأنا إلى مدرسة أُعدت للنازحين في انتظار المجهول.
المواطن آدم إسحاق قال لـ"العربي الجديد" إنه استطاع الاندماج في أي مجتمع نزح إليه، قائلاً: "رغم أن النزوح قاس جداً ولكن علمني الكثير". وأضاف: "لم أذهب إلى دور إيواء، ولكني استأجرت مكاناً مناسباً لإنه ليس لدي أطفال".
وأشار إلى أنه بعد تجارب في ولايات عديدة استقر في بورتسودان حيث يعمل في السوق بتجارة المشروبات. وأكد إسحاق أنه على يقين بعودته إلى منزله وعائلته قريباً.
ومن جانبه، قال صاحب وكالة عقارية إسحاق بابكر، لـ"العربي الجديد"، إن أسباب ارتفاع الايجارات في الولايات يرجع إلى الطلب الكبير مع محدودية الخيارات، مشيراً إلى أن مدينة ود مدني لا يوجد بها شقق سكنية أو فنادق لتسكين النازحين الذين اندفعوا إليها ولذلك ارتفعت الأسعار.
وأضاف: "وصلت الإيجارات في كثير من الأحيان بالفندق في اليوم الواحد إلى 40 ألف جنيه بدون خدمة". وقال إن كل هذه الولايات لم تكن فيها مشاريع سكنية أو استثمارية، ولذلك كانت المعاناة أكبر عندما بدأت الحرب.
وفي مدينة بورتسودان رغم توفر الشقق والشقق الفندقية والفنادق والبيوت العادية إلا أن الأسعار تضاعفت بصورة كبيرة. ويقول صاحب وكالة عقارات محمود محمد زين لـ"العربي الجديد" إن الشقق السكنية وصل إيجارها الشهري إلى 8 ملايين جنيه والغرفة في فندق إلى 100 ألف جنيه والمنازل إلى حدود مليون جنيه شهرياً.
وأدت الحرب التي اندلعت في إبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح 7.1 ملايين شخص، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، مؤخراً.