ربما كانت أبواق شاحنات النقل الثقيل، أكثر الأصوات التي تعبّر عن عمق غضب الفلسطينيين، الذي بدا مكتوماً منذ أشهر طويلة، بسبب الغلاء وعدم اتخاذ الحكومة إجراءات فاعلة لتحسين الظروف المعيشية، التي تضيق بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وتداعيات جائحة كورونا.
وأغلقت عشرات الشاحنات، صباح اليوم الأحد، طرقاً حيوية في الضفة الغربية، وخاصة معقل اقتصادها في مدينة الخليل جنوباً، احتجاجاً على غلاء المعيشة بشكل جنوني، على حد وصف محتجين، في مشهد يعيد إلى الأذهان، الاحتجاجات التي شهدها عام 2012 (حكومة سلام فياض) و2019 (حكومة رامي الحمدالله) ضد هيكلية قانون الضمان الاجتماعي.
وأغلقت شاحنات النقل الثقيل طريق واد النار الذي يربط جنوب الضفة الغربية بوسطها، وامتدت التظاهرات إلى شوارع مدينة الخليل الداخلية، وأبرزها طريق عين سارة المؤدي إلى قلب المدينة الاقتصادي وسوقيها، الجديد والقديم، وانضم إلى الاحتجاج الكبير أمام دوار ابن رشد وسط الخليل المئات من المواطنين، فضلاً عن احتجاجات لشاحنات جابت شوارع مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية.
وقال الناشط عيسى عمرو لـ"العربي الجديد" إن عدد المشاركين في الاحتجاج جاء مفاجئاً، مشيراً إلى تواصل الاحتجاج في منطقة دوار ابن رشد وسط مدينة الخليل، وانضم إلى الاحتجاج شرائح مجتمعية مختلفة، أعقبها إغلاق نسبة كبيرة من المحال التجارية والمصانع أبوابها، بعدما دعت بعض الجهات والنقابات إلى الاحتجاج.
ولم يكن متوقعاً انضمام المزيد من المواطنين بهذه الصورة، ما يشير إلى حجم الغضب الكبير ضد إجراءات الحكومة ورفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب، وفق عمرو.
وأضاف أن "هناك فجوة عميقة بين الجهات الرسمية الفلسطينية الناس، لا يوجد خطاب مع الناس وأي حوار معهم، ما دفع الناس إلى النزول للشارع، والاحتجاج بهذه الطريقة المفاجئة".
وتابع: "يُخشى أن تنفجر هذه الاحتجاجات بصورة عنيفة نتيجة لغياب حوار الحكومة والسلطة مع الناس، فنحن عندما احتججنا على قانون الضمان الاجتماعي، أردنا إصلاحه، لا إسقاطه، لكن ما حصل أنه أسقط، وهذا ما نخشاه اليوم. نحن نريد الإصلاح، لا حصول عنف مجتمعي معين لا يمكن التراجع عنه".
من ناحيته، يقول محمد إزغير، عضو مجموعة "شباب ضد الغلاء" التي شاركت في الاحتجاجات ضد غلاء الأسعار عام 2012 لـ"العربي الجديد" إنه لا يوجد حتى الآن خطوات ممنهجة وموضوعة مسبقاً في سلسلة احتجاجات ضد غلاء الأسعار وسوء الأوضاع المعيشية في الضفة الغربية، لكن الجميع متفق على مقاطعة الشركات والمنشآت التي رفعت أسعار منتجاتها على المواطنين، " لكن البوصلة هي ضد الحكومة التي فرضت على الشركات ضرائب جديدة".
وفاضت وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً بالعديد من المنشورات التي تدعو إلى مقاطعة شركات غذائية فلسطينية نتيجة رفع أسعار منتجاتها الحيوية، وتقليل الكميات.
ويصبّ الفلسطينيون غضبهم المتصاعد على رئيس الحكومة محمد اشتية، الذي أعلن أمس السبت تشكيل لجنة لمتابعة غلاء الأسعار، مضيفاً أن حكومته لن تتخلى عن الفقراء ومحدودي الدخل، بينما يشير نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن إجراءاته تتوقف عند تشكيل لجان للتحقيق والمتابعة.