عادت طوابير الرغيف لتتصدر المشهد في شوارع لبنان. هذه المرة الأزمة لا ترتبط بنقص القمح ولا المحروقات ولا حتى بإضراب أو تحرك اعتراضي، إنما بقرار مسبق من اتحاد نقابات الأفران في لبنان. الأخير، أعلن أنه لن يسلم الخبز، بدءاً من الجمعة، إلى المحال التجارية في الأحياء ولا السوبرماركت، وإنما سيحصر المبيعات في مراكز الأفران ذاتها.
السبب، "لعبة ابتزاز ما بين الاتحاد والحكومة في صراع على تحديد قيمة أرباح الأفران، يدفع ثمنها المواطن الذي سيضطر إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى المراكز الرئيسية للأفران، ومن ثم تعريض صحته للخطر عبر وقوفه في طوابير في ظل انتشار كورونا، لشراء الرغيف"، وفق متابعين للملف.
فقد اتخذ اتحاد النقابات بعد الجمعية العمومية التي عقدها الخميس قراراً بزيادة هامش ربحه عبر الامتناع عن دفع كلفة توصيل الخبز إلى المحال، وذلك بعد قرار وزارة الاقتصاد زيادة زنة ربطة الخبز الكبيرة 15 غراماً وعشرة غرامات للربطة الصغيرة "ما زاد كلفة الإنتاج على صاحب الفرن بقيمة 6 آلاف ليرة لبنانية على كل طن من الطحين بما يوازي أقل من نصف دولار (سعر الدولار في السوق السوداء أكثر من 12 ألف ليرة)"، وفق بيان للاتحاد.
يقول نقيب الأفران والمخابز في لبنان علي إبراهيم لـ"العربي الجديد" إن "لا أحد يقبل أن يكون هامش الربح عنده عشرة في المائة كحد أقصى، ولا صناعة في البلد تأخذ هذا الهامش، وبالتالي، فإننا نعاني من خسائر كبيرة ونقوم بتوزيع الخبز من دون أي ربحٍ"، مؤكداً ضرورة بحث هامش الربح مع وزارة الاقتصاد. ويرى إبراهيم أن الخبز متوافر في صالات الأفران والمخابز، "ولا يوجد قانون يلزمنا بتوزيع الخبز، بل فقط بما تحدده وزارة الاقتصاد على صعيد الوزن والسعر".
ويشدد النقيب على "أن أصل المشكلة يرتبط بأنّ وزارة الاقتصاد والتجارة تعمد الى إعداد دراسة الكلفة وتحدد الأسعار والوزن منفردةً من دون الأخذ برأي النقابيين المعنيين وتغيّبهم تماماً وتتجاوزهم وهو ما نرفضه ونستنكره، ونحن مستمرون بقرارنا حتى إشعار آخر".
من جهته، يقول مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد جرجس برباري لـ"العربي الجديد": "سبق وقلنا بوضوح لنقابات الأفران أنّ سعر الخبز يتضمّن هامش ربح أكبر في حال بيعه بصالات العرض في الأفران، وهامش أصغر عند بيعه إلى الخارج، باعتبار أنّ هناك تكاليف إضافية ناتجة عن كلفة النقل وربح صاحب المحل أو السوبرماركت وتعرفة للموزع".
ويضيف أنّ "همّ الوزارة تخفيض سعر ربطة الخبز وعدم تحميل المواطنين أعباء إضافية ولا سيما في سلعة أساسية جداً في لقمة الفقير وهي الخبز، وفي المقابل رفع وزنها في حال حصول زيادة بالسعر تبعاً للمؤشرات التي نعتمد عليها لتحديد السعر، سواء على صعيد أسعار القمح، أو المازوت، أو الخميرة والنايلون وما إلى ذلك".
ويلفت برباري إلى أنّ اتحاد الأفران عاتبٌ على وزارة الاقتصاد التي بنظره تضيّق عليه هامش الربح، وبكل الأحوال هم اتخذوا قراراً مجحفاً بحقهم أولاً وسيؤثر سلباً عليهم.
ويكشف مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد أنّ سعر ربطة الخبز سينخفض في الفترة المقبلة، لعوامل ومؤشرات كثيرة، أبرزها انخفاض أسعار القمح والمحروقات عالمياً، وكذلك بدأنا استخدام نايلون بنوعية أخرى أرخص.
إلا أن رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان زهير برو يشدد في حديثه مع "العربي الجديد" على وجود حلفٍ مقدَّس يتمثّل في السلطة السياسية – التجار – المصارف، أما المواطن فهو ضحية غياب دولة القانون وضعف المحاسبة، فيما تعمد وزارة الاقتصاد على دعم الاحتكارات.
ويلفت برو الى أنّ قطاع الأفران هو أحد "مزاريب" تغذية الأحزاب والطوائف ويدخل في لعبة المحاصصة ويوزع بالتساوي على التجار المرتبطين بالمنظومة السياسية وهذا الواقع موجود منذ سنوات طويلة، مؤكداً أنّ ما يحصل اليوم "مهزلة ومنهبة" وشدّ حبال بين النقابات ووزارة الاقتصاد".
ويكشف برو أنّ هناك تقريباً 4 أفران كبيرة من أصل 220 فرناً، عبارة عن "كارتيل" يسيطر على ثمانين في المائة من سوق الخبز ويجني أرباحاً طائلة. ويشير برو إلى أنّ الجمعية لم يعد بمقدورها تحديد نسب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع كما كانت تفعل في ظلّ الفوضى الشاملة والانهيار الكامل، وعدم استقرار الأسعار واختلافها اصلاً بين محلّ وآخر.
وكانت وزارة الاقتصاد، حددت سعر ربطة الخبر زنة 920 غراماً بـ2500 ليرة لبنانية، والربطة زنة 440 غراماً كحد أدنى بسعر 1750 ليرة لبنانية كحد أقصى. وأشارت الوزارة الى أنها تستند في تحديد سعر ووزن الخبز اللبناني الأبيض في الأفران والمتاجر على كافة الأراضي اللبنانية، إلى معايير مختلفة، منها سعر القمح في البورصة العالمية، سعر صرف الدولار وسعر المحروقات، واستنادًا لدراسة علمية لتحديد كمية المكونات المطلوبة لإنتاج أفضل نوعية من الخبز اللبناني.