ما زال مراقبون ونشطاء يذكرون المبادرة غير المسبوقة التي أقدم عليها رجل الأعمال والناشط البيئي، مؤسس شركة الألبسة "باتاغونيا"، إيفون شوينارد Yvon Chouinard، فقد قرر إسناد تلك الشركة إلى إحدى المنظمات العاملة في مجال مكافحة التغيرات المناخية عبر العالم.
قرر رجل الأعمال الأميركي، البالغ من العمر 84 عاما، بمباركة من أفراد عائلته، التخلي عن حصصهم في الشركة من أجل حماية الأرض، حيث قال إن الأرض الآن هي المساهم الوحيد.
كان بإمكان رجل الأعمال ومتسلق الجبال بيع شركته PATAGONIA، التي تقدر قيمتها بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، حسب "نيويورك تايمز"، كما كان يمكن أن يدرجها في البورصة، لكنه اختار منحها لإحدى المنظمات غير الحكومية، التي سيكون عليها توظيف الأرباح التي ستتوصل إليها في كل عام لمحاربة التغير المناخي وحماية الأرض.
استبعاد خيار البيع
في رسالة مفتوحة كتب مؤسس الشركة، ومقرها في كاليفورنيا: كان هناك خيار يتمثل في بيع باتاغونيا والتبرع بالمال المتحصل من ذلك. وعوض إدراج الشركة في البورصة، قررنا تجسيد نذرنا أنفسنا له. بدل استخراج المواد الطبيعية من أجل إغناء مستثمرينا، سنستعمل الثروة التي خلقتها باتاغونيا من أجل حماية مصدر ثروتنا.
وأسند مؤسس شركة باتاغونيا تدبيرها لمؤسسة ستتولى الإشراف على مجلس إدارتها، وستحصل المنظمة غير الحكومية المدافعة عن البيئة بالأرباح التي تجنيها الشركة، والتي تقدر بحوالي 100 مليون دولار سنويا.
أسس شوينارد باتاغونيا في السبعينيات من القرن الماضي، بعد رحلة بالأرجنتين. وبين 1985 و1990 قفز رقم مبيعاتها من عشرين إلى مائة مليون دولار في العام. وقد كانت الرغبة قد تكونت لديه من أجل تحويل 1 في المائة من رقم المبيعات لجمعيات بيئية.
لا يخفي هذا التوجه مسارا غير مألوف بين رجال الأعمال. شغوف برياضة تسلق الجبال، قرر في سن التاسعة عشرة التصدي لصناعة بعض التجهيزات الرياضية له ولأصدقائه، حيث اقترض 800 دولار من أسرته وحاول صناعة مسمار يساعده على شق ثقب عند التسلق.
شرع في بيع مسامير التسلق وحلقات التسلق عبر استعمال سيارته. استغرق ذلك ثمانية أعوام بعد إحداث ماركته، ليبدأ بعدما التقى بأحد المتسلقين ومهندس في الطيران، في توفير منتجات ماركته بطريقة صناعية.
تبنت الشركة استراتيجية مفاجئة تقوم على اعتبار أن النجاح الاقتصادي لا يستند إلى بيع عدد كبير من المنتجات. وفي 1986 قرر تحويل 10 في المائة في مرحلة أولى، ثم 1 في المائة من أرباح باتاغونيا لجمعيات ومؤسسات مدافعة عن الطبيعة.
حملات لحماية الطبيعة
عمدت الشركة إلى إطلاق حملات توعية من أجل الحفاظ على التنوع الطبيعي، بل إنها قررت قبل ثلاثين عاما الاقتصار على استعمال القطن الإيكولوجي والبيولوجي (غير ضارة بالبيئة).
ورسخ شوينارد في شركته وعيا حول التأثير الإيكولوجي والمجتمعي للمنتجات التي توفرها، ما دفع إلى التشديد على تفادي إضرار تلك المنتجات بالبيئة، خاصة أن صناعة الموضة تعد المصدر الثاني للتلوث العالمي، بل إن صناعة الألبسة أكثر تلويثا من النقل.
يؤكد هذا المغامر الشغوف بالرياضة، والمناضل من أجل حماية البيئة، أنه لم يخطط ليصبح رجل أعمال، قائلا: "كنت صانعا تقليديا ومتسلقا. كنا ضمن شكل من الثقافة المضادة ولم نكن نحترم عالم البيزنس الذي كان عدوا بالنسبة لنا"، مشيرا إلى أنه أضحى رجل أعمال بالصدفة، لكنه قرر مع فريقه خلق شركة تذكي الرغبة في العمل.
لم تغير الثروة التي حققها حياته كثيرا. فقد ظل الرجل، الذي وهب ثروته للأرض، يكتفي بالقليل كما كان حين تسلقه الجبال قبل أكثر من ستين عاما. لا يتوفر على هاتف نقال أو حاسوب.
شوينارد الذي ستواصل عائلته الإشراف على المنظمة غير الحكومية والشركة من أجل التأكد من احترام القيم التي دافع عنها، حسب حوار مع نيويورك تايمز، عبر عن الأمل في أن تشجع مبادراته الآخرين على الاتجاه في نفس مساره الهادف إلى حماية البيئة.