شهدت الأحواز، عاصمة محافظة خوزستان، جنوب غربيّ إيران، انطلاق احتجاجات منتصف يوليو/تموز الماضي، واستمرت وتيرتها متصاعدة لمدة أسبوعين، بسبب شحّ المياه، وقد تجاوزت احتجاجات العطش المحافظة، وتضامنت معها مدن إيرانية، منها أذربيجان وأصفهان وسيستان وخراسان والعاصمة طهران، كما تزامن مع احتجاجات الأحواز.
مشهد احتجاجي متنوع من حيث المطالب والمشاركون، وكانت أغلب أسبابه اقتصادية، ما يعكس حالة غضب تتصل بأزمة عميقة، ضمّ المشهد الاحتجاجي تظاهرات واعتصامات وإضرابات في قطاع البترول والغاز، وعمال مصنع للسكر، وعاملين في القطاع الصحي والزراعي، بالإضافة إلى احتجاجات المتقاعدين، وأهالي بعض المعتقلين السياسيين.
ويمكن فهم وتحليل الاحتجاجات في منطقة الأحواز ذات الأغلبية العربية عبر ثنائية التمييز والتهميش، وما ينتجه ذلك من إفقار، وانخفاض جودة الحياة، وتعتبر خوزستان نموذجاً لعجز التنمية في الوصول إلى مناطق همشت في شرق إيران وغربها، يسكنها بعض القوميات، منها العرب والكرد، ويعانون خللاً في توزيع عوائد النمو، وغياب العدالة في توزيع الخدمات، بالإضافة إلى سوء البنية الأساسية، وشهدت منطقة الأحواز منذ مارس/آذار الماضي، نقصاً في إمدادات مياه الشرب، والزراعة، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء.
أهملت السياسة التنموية لفترات تلك المناطق بدعوى أنّها مناطق صراع، وستصبح كلّ المشاريع فيها حال الحرب مهددة، بجانب قدر من التمييز مُورس ضد الأقليات، والنظر إليهم كمصدر تهديد وكانفصاليين. ويتضح من التعامل العنيف مع المظاهرات والإهمال الطويل لمشكلات الأحواز، أنّ الدولة بخطواتها تلك، تمارس تمييزاً على أساس الاختلاف الثقافي والعرقي غير التمييز الطبقي.
الاحتجاجات في الأحواز
وبهذا السلوك غرقت تلك المناطق في مشكلات حياتية ومعيشية، ارتبطت بفترة الحرب، وزاد بؤس أوضاع أهلها نتاج استمرار آليات الإفقار والتخلف. وفي عام 2005، مع طرح أصوات حكومية رؤى حول تغيير التركيبة السكانية بالمنطقة، تفجرت احتجاجات واسعة، واستشعر السكان أن هناك نيات لدفعهم إلى الهجرة وإحلال سكان جدد، ويصل عدد السكان إلى 8 ملايين حسب مصادر، بينما آخر إحصاء لعام 2016 قارب عددهم 5 ملايين.
وخلال الاحتجاجات الأخيرة، تكشف الشعارات والمطالب ارتفاع معدلات البطالة والفقر قياساً بالمحافظات الأخرى، ومظاهر معاناة من التهميش، ويتعاظم ذلك مع شعور السكان بأن مناطقهم الغنية بالموارد الطبيعة، كالبترول والغاز (يعتبر حقل الأحواز من أغنى حقول النفط عالمياً ويمثل ثلاثة أرباع الإنتاج الإيراني) لا يتشاركون خيراتها، بل كانت ضمن مسببات المعاناة، واندلاع الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988).
وحتى أراضيهم الخصبة، أصبحوا أخيراً غير قادرين على زراعتها، ومواردهم المائية، ومنها نهر كارون، حوِّل جزء منها إلى مناطق أخرى، لذا بات الإحساس بالتمييز والظلم الاجتماعي العنوان الرئيسي لمعاناتهم التي عبّروا عنها خلال الاحتجاج.
لا يجني السكان المحليون ثمار التنمية والموارد، ولا يشعرون بأنّهم يتشاركون عوائدها، بل يتعرضون للعطش وقطع خدمات الكهرباء، ويعانون عجزاً في توفير مياه الزراعة، التي تُعدّ نشاطاً أساسياً في المحافظة، لذا يرفعون شعار "نريد الماء وأرضنا"، بينما أصوات من السلطة تتهمهم بأنهم سبب الأزمة لإصرارهم على زراعة الأرز، بينما يرى السكان أنّ مياه النهر تذهب لخدمة مشروعات ومناطق سكانية أخرى.
ومن هنا يزداد شعورهم بالحرمان النسبي، وهي حالة شبيهة باحتجاجات أهالي الحوض المنجمي في تونس، وهي المنطقة الغنية بالفوسفات، لكنّ خيراتها منفصلة عن سكانها، ويعطي تاريخ محافظة خوزستان الاجتماعي صورة عن معاناة سكانها، الذين كانوا عرضة لآثار الصراع على الموارد بين إيران وجيرانها في فترات تاريخية سابقة، وعلى المستوى المحلي يظهر في الإقليم التناقض بين غنى الموارد وفقر الناس، ويأخذ طابعاً مناطقياً، ويستشعر البعض أنّه يأخذ طابعاً ثقافياً وعرقياً أيضاً.
مؤشرات اقتصادية
ويرتبط مشهد الاحتجاج الأعم بما فيه مشكلة الأحواز، بالظروف الاقتصادية بشكل أساسي، وأضافت آثار كورونا عبئاً مضاعفاً إلى اقتصاد يرهقه الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة، وزاد فيروس كورونا الأزمة، خصوصاً مع انتشاره، وعدم إمكانية محاصرته، لنقص اللقاحات والاعتماد على مصادر محدودة، تسجل منذ شهور يومياً عشرات آلاف من الإصابات بكورونا، بينما يموت المئات منهم يومياً، ومعها يتضح مشهد عجز البنى الصحية على الاستيعاب والقيام بدورها، بل إنّ هناك تقارير عن أنّ المدافن امتلأت بالموتى في بعض المناطق بسبب ضحايا كورونا.
وخلال العامين الماضيين زادت معدلات البطالة والفقر، وتعد بؤر الاحتجاج في غرب إيران وشرقها ضمن المحافظات الأكثر معاناة في هذا السياق، وتأثرت بشكل عام الشرائح الطبقية الوسطى والدنيا كثيراً، وتضررت الطبقة العاملة الإيرانية بشكل بالغ، ما جعلها تمارس احتجاجات مستمرة في قطاعات مختلفة، على رأسها قطاع البترول، كذلك تأثر القطاع الخدمي، وانخفضت عائدات النفط إلى النصف.
وأظهر التقرير الأخير لحكومة حسن روحاني، تراجع عوائد النقد الأجنبي في 2020 إلى 48 مليار دولار، وهو أقل من نصف عائدات 2018، وفقد ما يقارب مليون إيراني عمله خلال العام الماضي، وزادت معاناة المواطنين التدابير الحكومية التالية على الأزمة الاقتصادية، ومنها قرارات اقتصادية برفع أسعار الوقود 200 في المائة عام 2019، وهو ما أشعل احتجاجات في 100 مدينة، بينما توقع صندوق النقد أن يتجاوز معدل التضخم خلال العام 39 بالمائة بزيادة عن العام الماضي الذي كان في حدود 36.5 في المائة، بينما هناك تقديرات بأن معدل التضخم وصل إلى 50 بالمائة العام الماضي.
ويشير أحدث تقرير لجهاز الإحصاء الإيراني (إبريل/نيسان2021) إلى معدلات تضخم عالية تجاوزت 45 في المائة، في أسعار الغذاء، وخصوصاً في الريف والمحافظات غير الحضرية، ويتضح قدر المعاناة مع مؤشرات انخفاض دخل الفرد وسقوط شريحة من الطبقة العاملة في مأزق البطالة وتعمق أزمة المزارعين والعمال في قطاع الخدمات.
على جانب آخر، يظهر التفاوت الاجتماعي على المستوى الوطني، حيث تشير تقارير "فوربس" إلى زيادة عدد الأثرياء في إيران، بينما يزداد أيضاً عدد الفقراء حسب المؤشرات الرسمية الإيرانية، ويمكن بجانب المؤشرات الاقتصادية الكمية سماع أصوات المحتجين كقياس كيفي، إذ أشار رئيس رابطة المتقاعدين، أصغر بيان، إلى أن "60 بالمائة من أصحاب المعاشات تحت خط الفقر، ما يهدد هؤلاء شبحُ الجوع، وخصوصاً أنّ ظروف كورونا الصعبة تقلص موائد سفرة الإيرانيين يوماً بعد يوم".
وهناك مؤشرات اجتماعية خطيرة بجانب البطالة والفقر وأزمة كورونا، وبعض مظاهر التمييز الاجتماعي والثقافي، منها ارتفاع معدلات العنف، ووصلت حالات الانتحار إلى 41 ألف سنوياً، حسب تصريح حبيب الله مسعودي، مساعد مدير الشؤون الاجتماعية، في بلد عدد سكانه 82 مليوناً. وإن كان للموت أشكال عديدة، منها كورونا، فإنّ مشاهد معاناة الفقراء توضح مدى القسوة التي تمارسها السلطات الاستبدادية، والتي تشعر الناس بضيق فرص الحياة، ومحاصرتهم في عملهم ومعيشتهم وجعلها أكثر صعوبة.
يمكن تأمل شعار رفعه المحتجون في تظاهرات الأحواز "قتلني العطش"، ليوضح أنّ أزمتهم المعيشية، كما كثير من فقراء العالم، هي مواجهة يومية وصراع مع الموت للانتصار للحياة بكرامة.