إهدار ثروة سورية الحيوانية: المليشيات تطارد المربين وتناقص كبير في المراعي

29 نوفمبر 2021
الجفاف وزيادة التكلفة من أسباب تراجع الثروة الحيوانية (فرانس برس)
+ الخط -

تعاني الثروة الحيوانية في البادية السورية من مشكلات كبيرة تضعها أمام خطر التراجع بشكل كبير، خاصة مع فقدان النظام السوري القدرة الاقتصادية لدعم المربين في مناطق نفوذه وسيطرته، إضافة لاستمرار الأعمال الحربية وفقدان الأمن الذي دفع الكثير من المربين إلى ترك المراعي والهجرة أو التفكير بأعمال أخرى.

وكانت الثروة الحيوانية في البادية السورية سابقا تلعب دورا غاية في الأهمية في الأمن الغذائي للسوريين، كما تلعب دورا اقتصاديا كبيرا في الدخل وتأمين فرص العمل، وتدخل منتجاتها في العديد من الصناعات النسيجية الرائدة في سورية، التي انحسرت بسبب حرب النظام على السوريين خلال الأعوام الماضية.

تراجعت أعداد الثروة الحيوانية في سورية، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، من نحو 25 مليون رأس غنم سنوياً قبل 2011، إلى أقل من 10 ملايين

ويعد الجفاف ونقص المياه أول المخاطر التي تواجهها عملية تربية الحيوانات في البادية السورية، وخاصة قطعان الغنم والماعز والبقر، وهذه الحالة لا علاقة لها بالواقع الأمني الذي يعد سبب التراجع الأبرز، إنما هي حالة مرتبطة بالأحوال الجوية، وفق ما يقوله محمد الصليبي، أحد العاملين في تربية الغنم بناحية سلمية شمال شرقي حماة.

نقص المراعي

يعد نقص المراعي في هذه الأيام مشكلة كبيرة تواجه تربية الأغنام في منطقة سلمية أو في أي منطقة أخرى من البادية السورية، ويضيف الصليبي "كنا سابقا نقوم بنقل الأغنام من منطقة لأخرى بهدف الرعي، لكن اليوم انعدام الأمن واستمرار المعارك في عموم مناطق البادية سببا خسارة واسعة في حجم المراعي، وهناك نقص في الغذاء لا يعوض بالعلف".

وأضاف أن تركيز الرعي في مناطق محدودة أدى إلى فقر هذه المراعي، وعدم هطول كميات وفيرة من الأمطار والجفاف لا يساهما بشكل جيد في تجددها، وذلك يدفع المربي إلى شراء العلف الغالي، وهناك نقص في العلف المورد من قبل حكومة النظام، فضلا عن عدم دعم المربي ماديا بشكل جيد.

يضيف مربي الأغنام أن استمرار الغارات الروسية وهجمات "داعش" التي تقابل الغارات وهجمات من اللصوص المجهولين دفع المربين إلى اقتصار رعيهم على المناطق القريبة من مراكز المدن، وهي مراع غير وفيرة بالأعشاب وفيها مشكلة توفير المياه أيضا، أضف إلى ذلك أن وجود الألغام وعدم التمشيط من النظام بشكل جيد أديا إلى مقتل وجرح العشرات أثناء عملية الرعي، فضلا عن الهجمات من قبل مجهولين، التي أدت أيضا إلى مقتل عاملين في الرعي ونفوق قطعان بأكملها، كل ذلك يقف عائقا في وجه استمرار عملية الرعي.

مصادر لـ"العربي الجديد": معظم الهجمات كانت بدافع السرقة، أو الانتقام، من موتورين من عناصر النظام يحمّلون الأهالي مسؤولية هجمات "داعش"

يقول وائل الربيعي، من ناحية الشحيل في ريف دير الزور، إنهم فقدوا مساحات واسعة من المراعي بسبب تسلط "قسد" عليها بحجة المواقع العسكرية وقواعد التحالف ضد "داعش"، وهي مواقع كثيرة على طول نهر الفرات وريفي دير الزور الشمالي والشرقي، مضيفا أنهم أيضا كانوا ينقلون القطعان سابقا للرعي في مناطق أخرى، إلا أن سيطرة "قسد" عليها حالت دون ذلك، وهذا الأمر مستمر منذ سنوات.

ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أن هجمات "داعش" مستمرة والألغام منتشرة في كل مكان والقصف أيضا، يرافق كل ذلك الغلاء في الأعلاف وقلة المياه في نهر الفرات هذا العام والجفاف، كلها أسلحة تواجه مهنة تربية الحيوانات أو المواشي في عموم البادية السورية، التي كانت الموطن المناسب لهذه المهنة على مر العصور.

يذكر أن عدد القطعان والرؤوس في عموم سورية انخفض خلال السنوات الماضية جراء الحرب بالدرجة الأولى، وفق تقارير عديدة عن منظمات ووسائل إعلام.

البيع والهجرة

ومع ضعف قدرة النظام السوري على حماية المراعي وعدم وجود دعم مادي والأزمة الاقتصادية واستمرار المعارك، يرى الكثير من المربين أن الحل الأمثل هو بيع القطعان والهجرة إلى المدن للعمل في مهن أخرى، أو الهجرة من سورية بشكل نهائي لإيجاد مكان أفضل وآمن للعمل والعيش.

وقال المربي وليد العيسى إنه باع كامل قطيعه من الأغنام والماعز، البالغ عدده قرابة ألف رأس، وترك ناحية مسكنة في ريف حلب الغربي وانتقل إلى مدينة حلب، ثم غادر سورية بشكل نهائي إلى تركيا بعد دفع مبلغ للمهربين.

وأضاف لـ"العربي الجديد" أنه لم يعد هناك مجال للعمل في هذه المهنة، ومن يعمل فيها يواجه خطر الموت هو وأغنامه أو يواجه خطر الخسارة، هناك أسباب كثيرة، منها الأمراض وتأمين الأدوية لها، وذلك تكلفته الاقتصادية باتت كبيرة، كما أن انعدام الأمان باب آخر، مؤكدا أن العديد من الرعاة ماتوا قتلا في البادية على يد عناصر من مليشيات النظام نفسه الذي يدعي حماية المنطقة.

وكانت البادية السورية قد شهدت عدة حوادث أليمة، قتلت فيها عائلات بأكملها كانت تعمل في رعي الأغنام بالبادية في حلب والرقة وحماة.

وتقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن معظم الهجمات كانت بدافع السرقة، أو الانتقام، من موتورين من عناصر النظام يحمّلون الأهالي مسؤولية هجمات تنظيم "داعش".

القطعان تتناقص

ويقول العيسى: "في السابق كنا نبيع الغنم لنربح، أما الأيام الماضية فكنا نبيع لنأكل فقط أو لنطعم القطيع"، مضيفا: "كنت أبيع بعض الأغنام كي أوفر ثمن العلف لبقية القطيع، وبالتالي ينقص القطيع للحفاظ عليه، أي أن الغنم يأكل بعضه، وهذا يعني الخسارة، ولم يعد بالإمكان تحمل هذه الخسارة".

البادية السورية شهدت عدة حوادث أليمة، قتلت فيها عائلات بأكملها كانت تعمل في رعي الأغنام بالبادية في حلب والرقة وحماة

وتابع أنه فكر في الانتقال بقطيعه إلى مناطق "قسد"، لكن الحال هناك لم تكن أفضل، لأن السلطة هناك، وفق أقربائه، أشبه بسلطة النظام، وقد سيطرت على كل شيء وأوقفت الدعم.

وأكد أن "قسد" كانت قد سيطرت على مستودعات الأعلاف التابعة للنظام قبل عام تقريبا، وذلك أفقد الكثير من العاملين في مناطقها فرصة الحصول على الدعم بالأعلاف.

وأوضح أن سعر العلف في مناطق النظام تجاوز مليوناً ونصف مليون ليرة لطن الشعير، في حين تجاوز سعر طن التبن نصف مليون ليرة سورية، مضيفا أن كل خروف يحتاج في اليوم الواحد إلى غذاء بقيمة 7 آلاف ليرة على الأقل، أي أنه بحاجة إلى 7 ملايين ليرة كل يوم لإطعام القطيع، لكنه لا يحتاج إلى هذه المبالغ في المراعي الطبيعية.

وقبل عام 2011، كانت القطعان في سورية تكفي السوق المحلية وتصدر المواشي إلى الخارج، أما اليوم فقد تناقص عدد القطعان والمراعي والمنشآت المعنية بتربية المواشي والرعي إلى ما دون النصف.

وتراجعت أعداد الثروة الحيوانية في سورية، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري، من نحو 25 مليون رأس غنم سنوياً قبل عام 2011، إلى أقل من 10 ملايين رأس.

المساهمون