إمبراطورية طالبان المالية: 1.6 مليار دولار إيرادات من 4 مصادر

19 اغسطس 2021
مظاهرات في الهند لإنقاذ أفغانستان من طالبان (Getty)
+ الخط -

لا يزال هنالك الكثير من التساؤلات والغموض الذي يحيط بحركة طالبان حتى الآن عقب سيطرتها على الحكم في أفغانستان.

التساؤلات لا تنصبّ فقط على كيفية إدارة الحركة شؤون البلاد، والعلاقات الدولية التي ستعتمد عليها، ومدى سعيها إلى الحصول على شرعية دولية والانخراط في تحالفات إقليمية، بل إنها تمتد لأمور اقتصادية ومالية أخرى منها مصادر أموال الحركة، وكيف ستتمكن من الإنفاق على بلد يعد من أفقر دول العالم؟

وما موقف طالبان في حال استمرار الولايات المتحدة في تجميد احتياطي أفغانستان من النقد الأجنبي والبالغ أكثر من 9 مليارات دولار؟ وكيف سيتم تمويل واردات البلاد من الوقود والأغذية وغيرها من السلع الأساسية؟

وفق البيانات المتاحة، فإن أفغانستان من البلدان التي لم تنتقل عملياً إلى القرن الواحد والعشرين على كل المستويات، بما فيها المالي والاقتصادي، كما أن البلاد عملياً ليس بها اقتصاد قائم على أسس علمية، وإنما تعتمد على الاقتصاد الاكتفائي المتخلف القائم على المقايضة والتهريب والسوق السوداء وزراعة المخدرات.

وحسب بيانات البنك الدولي، لا يتجاوز دخل الفرد في أفغانستان 507.1 دولارات في السنة، كما لا يتجاوز حجم اقتصادها أو ناتجها المحلي 19.29 مليار دولار، وهي في ذات الوقت دولة مكتظة بالسكان، حيث يبلغ عدد سكانها 39.9 مليون نسمة.

كما تشير تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة، وبالتالي ربما ستجد حركة طالبان صعوبات بالغة في إدارة البلاد مالياً واقتصادياً إذا لم تحصل على المساعدات الفنية والمالية من المانحين الدوليين. ولدى أفغانستان ديون دولية تقدر بأكثر من 1.6 مليار دولار.

ووفق مراقبين، فإن حركة طالبان ربما لن تكون مهتمة كثيراً في الوقت الراهن بقضايا مثل خفض الفقر والبطالة وتحسين مستوى المعيشة وتدبير حياة المواطنين ومعيشتهم، بل بقضايا الأمن والسلاح وبسط نفوذها على كامل البلاد.

لكن المؤكد أن أفغانستان ستواجه تعقيدات اقتصادية ومالية ضخمة في المستقبل وفق تقديرات غربية، إذا توقفت المساعدات الدولية التي كانت تعتمد عليها تماماً حتى سقوط كابول وهروب الرئيس أشرف غني مساء الأحد الماضي بطائرة مكدسة بالدولارات.

تقدر الثروات المعدنية في أفغانستان بأكثر من 3 تريليونات دولارات على رأسها المعادن النادرة

حتى قبل تسلمها الحكم في كابول، تقول تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومصادر عسكرية غربية، إن حركة طالبان تعتمد على أربعة مصادر في التمويل تدرّ عليها مبالغ ضخمة تستخدمها في عملياتها القتالية.

في هذا الشأن، يكشف تقرير صادر عن حلف شمال الأطلسي "ناتو"، اللثام عن بعضٍ من الغموض الذي يلف مصادر تمويل طالبان التي يقودها حالياً ابن الملا عمر الأصغر، الملا يعقوب عمر.

يقول التقرير إن طالبان تمكنت خلال السنوات الماضية من تمويل عملياتها القتالية دون الحاجة لمصادر خارجية من الدول أو حتى أفراد في دول أجنبية مثلما كان يحدث في سنوات حكمها السابقة.

ويرى خبراء أن طالبان ربما تستغل في البداية هذه المداخيل في صرف مرتبات بعض موظفي الدولة الذين تعتبر أنهم مفيدون بالنسبة لها، بعد التخلص من جيش الموظفين الضخم في كل من العاصمة كابول ومزار شريف وقندهار والمدن الرئيسية الأخرى واستبدالهم بأعضائها في دواوين الحكم.

في ذات الصدد، تشير الخبيرة في تمويل الإرهاب الكندية، جيسكا ديفيز في تحليل بصحيفة "ذا غلوب آند ذا ميل" الكندية يوم الثلاثاء، إلى أن المخاطر المترتبة عن صعود طالبان للحكم في أفغانستان على الأمن العالمي، تكمن في أنها تمكنت من تكوين قوة مالية خارج الحكم، فكيف ستكون قوتها المالية في أعقاب استيلائها على كامل البلاد.

ترى ديفيز أن حركة طالبان ستكون منشغلة في الشهور المقبلة ببسط سيطرتها على كامل المدن، ولكنها ستتفرغ بعد ذلك لاستغلال موارد الاقتصاد في أفغانستان، الشرعية منها وغير الشرعية، بما في ذلك فرض الضرائب على المواطنين وابتزاز الأثرياء منهم، وبالتالي ربما سيواجه العالم مخاطر تفشي الإرهاب إن لم تغير طالبان من نهجها السابق.

من جهة أخرى، يرى خبراء أن الصين وروسيا ربما ستتدخلان لضخ مبالغ ضخمة في أفغانستان في البداية قبل البدء باستغلال ثروات البلاد المعدنية. في هذا الشأن، يقول البروفسور هوانغ هوندا من جامعة شنغهاي الدولية، "إن أكثر ما يقلق الصين في الوقت الراهن هو أن تصبح أفغانستان مهداً للإرهاب، وبالتالي تهديدها".

ومن هنا لا يستبعد محللون أن تدعم الحكومة الصينية حركة طالبان مالياً في حال اعتراف الأمم المتحدة بها كحكومة شرعية لأفغانستان، ولكن شرعية طالبان ربما تحتاج إلى موافقة الولايات المتحدة، كما أن دعم بكين المالي لأفغانستان يحتاج إلى حدوث تفاهم وتعاون مع واشنطن.

وفي ذات الشأن، يقول دبلوماسي آسيوي في تعليقات أمس الأربعاء لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن "الصين على استعداد لضخ مئات الملايين في البنية التحتية المتهالكة في أفغانستان، ثم بعد ذلك ستقوم بالاستثمار في استغلال الثروات المعدنية الضخمة بالبلاد".

وتقدر الثروات المعدنية الموجودة في أفغانستان بأكثر من 3 تريليونات دولارات على رأسها المعادن النادرة وفق بيانات رصدتها "العربي الجديد" في تقرير نشر أمس الأربعاء.

من جانبه، يشير تقرير حلف "ناتو" إلى أن عمليات التعدين غير الشرعية رفعت من حجم تمويلات طالبان السنوية من مليار دولار إلى 1.6 مليار دولار منذ وفاة الملا عمر قبل سنتين. ويقول تقرير"ناتو" الذي استقى معلوماته من رجال داخل حركة طالبان، إن الحركة اعتمدت على أربعة مصادر رئيسية في تمويلاتها.

المصادر هي: حركة التعدين غير الشرعية في البلاد وتصدير المعادن الثمينة ومن بينها الأحجار الكريمة والفحم والملح، أما المصدر الثاني فهو الضرائب التي تفرضها على التجار وحركة النقل ومرور البضائع بالمناطق التي تسيطر عليها مقابل الحماية التي توفرها للتجار.

والمصدر الثالث، دخْل العقارات والأراضي التي تملكها وتتاجر فيها، والرابع هو من عمليات غير مشروعة من بينها تجارة المخدرات وعلى رأسها الهيرويين الذي يزرع في وادي هلمند جنوب أفغانستان.

وحجم ميزانية طالبان البالغ 1.6 مليار دولار الذي يذكره "ناتو" ليس بعيداً عن التقدير الذي ورد في تقرير لجنة الحظر التابعة للأمم المتحدة في مايو/أيار 2020 حول ميزانية طالبان والبالغ 1.5 مليار دولار.

 طالبان جمعت في ميزانية العام المالي 2020 نحو 464 مليوناً من أنشطة عمليات التعدين

وتعد عمليات التعدين غير المشروعة المصدر الرئيسي لتمويلات طالبان، إلى جانب شبكة التجارة التي أنشأتها مستفيدة من علاقاتها الشخصية الممتدة في باكستان ودول أخرى. كما أن هناك نحو 3 ملايين مهاجر أفغاني في أوروبا وأميركا، ولا يستبعد أن يكون من ضمنهم أفراد ينتمون لتنظيم طالبان تستفيد الحركة من تحويلاتهم وتستغلهم في علاقات التصدير.

وحسب تقرير "ناتو"، ارتفعت أموال التعدين وحدها من 35 مليون دولار في العام 2016 إلى 464 مليون دولار في العام الماضي 2020.

ويشير التقرير إلى أن حركة طالبان جمعت في ميزانية العام المالي 2020 نحو 464 مليوناً من أنشطة عمليات التعدين و240 مليون دولار من عمليات التجارة والتصدير و240 مليون دولار من مساهمة أفرادها و80 مليون دولار من دخْل العقارات و160 مليون دولار من الضرائب التي تجبيها من المناطق التي تسيطر عليها و416 مليون دولار من عمليات غير مشروعة معظمها من تجارة المخدرات. ويذكر أن 90% من الهيرويين الذي يصدر للغرب يأتي من أفغانستان.

على صعيد المساعدات الدولية التي كانت تحصل عليها أفغانستان، ربما ستتوقف خلال الشهور المقبلة إلى حين بتّ تقرير الأمم المتحدة والقوى الدولية حول شرعية حكومة طالبان في أفغانستان.

وكانت المساعدات التنموية السنوية الدولية لأفغانستان تقدر بنحو 6.7 مليارات دولار في 2011 قبل أن تنخفض إلى 4.2 مليارات دولار في 2019، بحسب بيانات البنك الدولي.

وتعهد مانحون دوليون في مؤتمر عقد في نوفمبر/تشرين الثاني بتقديم 3.3 مليارات دولار على الأقل مساعدات مدنية لمدة عام.

من جانبها، وعدت الولايات المتحدة، بمساعدات تقدر بحو 600 مليون دولار خلال العام الجاري قبل استيلاء طالبان على الحكم. ومنذ دخول طالبان القصر الرئاسي يوم الأحد، جمدت معظم دول العالم مساعداتها، كما جمدت واشنطن أرصدة البنك المركزي الأفغاني لديها.

المساهمون