ينتظر المراقبون والدوائر المالية قرارات البنك المركزي الروسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، غير أنهم لا يكتفون بما يعلنه من أجل محاصرة التضخم ووقف تهاوي الروبل والتخفيف من تداعيات تجميد جزء من الرصيد من العملة الصعبة من قبل الغرب.
إنهم يسعون، كذلك، إلى التركيز على حركات وسكنات محافظة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا. فمباشرة بعد الغزو الروسي، ظهرت في التلفزيون المحلي خلال اجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين، حيث بدت شاحبة، بلباس أسود وملامح صارمة.
تنتهي مهمتها على رأس البنك المركزي في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران المقبل، غير أن الرئيس الروسي، اقترح إسناد ولاية جديدة لها، حسب ما أعلنه مجلس الدوما، مطلع الأسبوع الجاري.
سيكون عليها التصدي للأزمة، بما توفر لديها من أدوات السياسة النقدية ورصيد من العملة الصعبة، حيث يفترض فيها محاصرة التضخم وتأمين رصيد مريح من العملة الصعبة، خاصة بعد تجميد الغرب حوالي 300 مليون دولار من الرصيد البالغ 640 ملياراً.
ليست أول أزمة تواجهها، فقد اختيرت نابيولينا عام 2013، لتولي رئاسة البنك المركزي الروسي، حيث توجس مراقبون من أن يمس ذلك باستقلالية تلك المؤسسة، بسبب قربها من الكرملين.
غير أن المخاوف تبددت خلال الأزمة الاقتصادية لعام 2014، حيث أثنت عليها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي آنذاك كريستين لاغارد لطريقة إدارتها للأزمة، فقد اتخذت تدابير لتفادي الانهيار الاقتصادي حينها، رغم كونها لم تكن شعبية، حيث أضحى النظام المصرفي "خارج الخطر" و"مستقر"، بعدما أضعفته الأزمة.
أشادت الصحافة المالية الدولية بحنكتها، حيث اختارتها مجلة "يورومني" المصرفية عام 2015 وكذلك مجلة " ذا بانكر" في 2017، واعتبرتها "فوربس" أيضاً من النساء المائة الأكثر تأثيرا في العالم، بل إن الجميع يؤكد أنها تكنوقراطية جيدة، تتمكن من عدة لغات، ذات ثقافة متينة، وشجاعة.
كانت نابيولينا قد أغلقت المصارف الأكثر تورطاً في غسل الأموال، وواجهت الصناعيين الذين طالبوا بالإمعان في خفض معدلات الفائدة من أجل تمويل مشاريعهم، غير عابئين بالتضخم، وعمدت إلى سياسات تهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر.
الجمعة الماضي، دافعت عن رفع سعر الفائدة الرئيسية إلى 20% من 9.5% في الثامن والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، مشيرة إلى أن هذا الإجراء جاء بغرض التصدي للمخاطر التي تحيق بالاستقرار المالي بعد العقوبات الغربية، مؤكدة أن النظام المصرفي يشتغل بدون ثغرات وأنه لن يتم السماح بتطور دوامة التضخم.
استفادت نابيولينا كثيراً من عقوبات 2014، حيث وجهت البنك المركزي نحو مراكمة رصيد كبير من العملة الصعبة، غير أن مراقبين يتصورون أن المحافظة التي كانت تستحضر احتمال اندلاع الحرب، لم تكن تتوقع أن يعمد الأوروبيون والولايات المتحدة إلى تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي.
ولدت نابيولينا قبل 58 عاما لعائلة تترية في أوفا، عاصمة باشكورستان، وهي إحدى الجمهوريات الروسية التي تحكم ذاتياً، وكان والدها سائق حافلة نقل عمومي، ووالدتها تعمل في مصنع، وانخرطت في سن مبكرة بالحزب الشيوعي. حصلت على دبلوم في الاقتصاد وعملت لفائدة اتحاد العلوم والصناعة بالاتحاد السوفييتي، والتحقت بوزارة الاقتصاد في ظل الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه الرئيس بوريس يلتسين.
تعتبر أن البريسترويكا التي أطلقها الرئيس الأسبق ميخائيل غورباتشيف، كانت تعني الحرية والأمل، غير أنها تعتقد مع ذلك أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان كارثيا بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص في بلدها.
تولت أمر وزارة التنمية الاقتصادية في نهاية القرن الماضي، قبل أن تسند إليها مهمة محافظة البنك المركزي. يقول نيكولا فيرون، الباحث في معهد بيترسون للعلاقات الاقتصادية في واشنطن، حسب ما نقلته إذاعة فرنسا الدولية، إن محافظة البنك المركزي أضحت وجهاً تراجيدياً مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
فقد كانت عنوانا للكفاءة الروسية وتجسيدا للواقعية البراغماتية، في بلدا وجد طريقه الاقتصادي والمالي الخاص، غير أنه يرى بعد الغزو الروسي أن ما حاولت محافظة البنك المركزي بناءه ينهار اليوم، ما يجعل منها وجهاً تراجيدياً.