دفعت أزمة السيولة النقدية التي تمرّ بها الجزائر منذ قرابة سنة، الحكومة إلى التحرك لامتصاص الأموال المتداولة في الاقتصاد الموازي، عبر اللجوء إلى الصيرفة الإسلامية، التي لم تظهر نتائجها حتى الآن.
وفي هذا الإطار، ستلجأ حكومة عبد العزيز جراد، للاستدانة الداخلية عبر طرح سندات دين عام، يصدرها البنك المركزي الجزائري بنسب فائدة مغرية، لعلّها تتمكن من جذب الأموال النائمة والمتداولة خارج شريان البنوك.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" فإنّ وزارة المالية، بأمرٍ من الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تعدّ مشروع استدانة داخلية، سيرى النور قبل نهاية النصف الأول من 2021، يرتكز على طرح البنك المركزي الجزائري، سندات دين عام، بدءاً من 10 ملايين دينار (75 ألف دولار) وصولاً إلى سندات بـ 50 مليون دينار (375 ألف دولار)، لمدة دين تتراوح بين عامين و5 أعوام.
الاقتصاد الموازي
وتسعى الحكومة عبر هذه الآلية إلى امتصاص جزء من أموال الاقتصاد الموازي، المقدّرة بحسب خبراء وصندوق النقد الدولي، بما يتراوح بين 40 و60 مليار دولار، جلّها موجّه لتمويل نشاطات تجارية غير رسمية لا سيما العقارات والاستيراد.
ويبدو رهان الحكومة على التوجه نحو الاستدانة الداخلية، لمواجهة شحّ الموارد المالية ونقص السيولة النقدية في البنوك، لا يخلو من مؤشرات الفشل، في ظلّ التجارب السابقة، التي تعثرت فيها الحكومة في استقطاب أموال الاقتصاد الموازي عبر إقرار مصالحة ضريبية.
وطرحت الحكومة سندات دين عام قبل سنوات، ولم يتعدَّ مجمل ما تم جمعه 5 مليارات دولار، جلّ مصدرها كان من رجال أعمال مقربين من نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن تتوسع في الاستدانة الداخلية بعرض سندات إسلامية غير ربوية. وكانت الجزائر قد لجأت إلى إصدار سندات محلية سنة 2016، لعلاج أزمتها المالية وتجنباً للاستدانة الخارجية، وجاء ذلك كنقطة تحول مهمة للسياسة المالية للبلاد والمبنية على اللجوء وقت الأزمات إلى صندوق سيادي ممول من عائدات بيع النفط يسمى "صندوق ضبط الإيرادات" لسدّ أيّ عجز في الموازنة العامة.
ووضعت الحكومة 25 مليار دولار، كهدفٍ لها من وراء العملية التي ارتكزت على صيغتين من السندات بفوائد 5 في المائة لأجل ثلاث سنوات، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 7.5 في المائة لأجل خمس سنوات.
سيناريوهات مواجهة الأزمة
وأظهرت بيانات وزارة المالية الجزائرية أنّ عملية الاستدانة الداخلية التي أطلقتها الحكومة منذ نحو 5 سنوات، لم تلقَ إقبالاً من السوق المحلية، بسبب ضعف نسب الفائدة مقارنة بالتضخم، وغياب الثقة في المؤسسات المالية العمومية والخاصة.
وأمام تراجع دخول الجزائر من بيع النفط الذي يشكل 96 في المائة من صادرات البلاد، يرى محللو اقتصاد أنّ الحكومة لا تملك هامشاً كبيراً للمناورة في ظلّ أزمة مالية خانقة تمر بها.
ويعدّد المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، لـ"العربي الجديد" الخيارات المطروحة أمام الجزائر لمواجهة نقص الموارد المالية بقوله: "الخيار الأول هو الاستدانة الخارجية وهي مستبعدة حالياً، أما الخيار الثاني فهو فرض ضرائب، إلّا أنّ هذه الخطوة ستضرّ بالاستثمارات، فيما الثالث هو التوجه نحو الاستدانة الداخلية ما دامت البلاد تملك عباءة مالية جيدة".
ومن وجهة نظر مبتول، فإنّ نسبة الفائدة التي ستضعها الحكومة الجزائرية على القروض السندية ستكون هي مفتاح نجاح هذه الخطوة، إذ يجب أن تكون معقولة جداً، للمكتتبين وللدولة على السواء، مقارنة بنسبة التضخم التي بلغت 4.8 في المائة في يناير/ كانون الثاني 2021، وأن تكون أكثر ربحية من فوائد الودائع المصرفية التي تتراوح حالياً بين 2.5 و3 في المائة".
سيناريو 2016
ويبقى سيناريو سنة 2016 مخيماً على عملية الاستدانة الداخلية الثانية التي تطلقها الحكومة خلال 5 سنوات، حتى قبل إطلاق العملية، ما يجعل مؤشرات الفشل تفوق احتمالات نجاح ما تريدها الحكومة أن تكون أكبر عملية استدانة داخلية في تاريخ الجزائر.
وحتى تنجح عملية الاستدانة الداخلية التي ستطلقها الحكومة هذه السنة يجب عليها، بحسب الخبير الاقتصادي، نبيل جمعة، أن "تتفادى العديد من الأخطاء التي اقترفتها في سنة 2016، ومن بينها إزالة الغموض الذي لفّ العملية، أي أن تكشف الحكومة صراحة عن وجهة الأموال التي ستُجمع". وأضاف الخبير في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "الحكومة سابقاً، قالت في بداية عملية الاستدانة، إنّ الأموال ستوجه لتمويل المشاريع، ثم عند اقتراب نهاية العملية، كشفت أنّ الأموال ستُوجه لامتصاص العجز الذي سجلته الخزينة العمومية، وهو ما يعتبر شكلاً من أشكال التحايل القانوني".
وحول مدى نجاح الفوائد في استمالة أموال الجزائريين، قال جمعة: "الأمر لا يتعلق بالفوائد بقدر ما يتعلق بالثقة بين المواطن والنظام البنكي في الجزائر". ولفت إلى أنّ الحكومة "لو كانت ذكية يجب أن تطلق نسختين من السندات؛ واحدة ذات فوائد تفوق 8 في المائة، وهي نفس نسبة التضخم الحقيقية في البلاد، والثانية تكون حلالاً من دون فوائد، وبالتالي يكون الهامش أكبر بالنسبة للحكومة".
تهاوي الإيرادات
وتعاني الجزائر من تهاوي الإيرادات المالية في ظلّ تراجع عائدات النفط وتداعيات الجائحة الصحية على مختلف القطاعات الاقتصادية. وقالت وزارة الطاقة الجزائرية في يناير/ كانون الثاني الماضي إنّ صادرات البلاد من النفط والغاز هبطت بنسبة 11 في المائة، سنة 2020، إلى 82.2 مليون طن من المكافئ النفطي، وإنّ الإيرادات تراجعت 40 في المائة، إلى 20 مليار دولار.
وأوضحت الوزارة، أنّ إجمالي إنتاج الجزائر من الطاقة انخفض بنسبة 10 في المائة إلى 142 مليون طن من المكافئ النفطي، بسبب القيود المفروضة لاحتواء جائحة كورونا. كذلك، تراجعت المنتجات النفطية المكررة بنسبة 1.6 في المائة، إلى 28 مليون طن، فيما هبط إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 11 في المائة، إلى 24 مليون متر مكعب بسبب أعمال الصيانة.
ويساهم النفط والغاز بنحو 60 في المائة من ميزانية الجزائر، بحسب البيانات الرسمية المعلنة. واعتمدت الحكومة في صياغة الميزانية الجديدة على توقعات باستقرار السعر المرجعي لبرميل النفط الخام، عند 40 دولاراً، واستقرار سعر السوق لبرميل النفط الخام، عند 45 دولاراً للبرميل، وتم توقع نسبة نمو تقدر بـ3.98 في المائة خلال السنة الحالية.
ويُتوقع أن يرتفع عجز الميزانية خلال 2021 إلى 13.57 في المائة من الناتج الداخلي، ما يعادل 13 مليار دولار.