إضرابات مرتقبة للسكك الحديدية في بريطانيا تهدّد بتعطيل السفر

01 نوفمبر 2022
حاولت إدارات السكك الحديدية طمأنة الركاب بتوفير بدائل (الأناضول)
+ الخط -

لم تنتهِ الخلافات طويلة الأمد حول الأجور وظروف العمل لعمّال السكك الحديدية في بريطانيا، على الرغم من سلسلة إضرابات القطارات التي جرت في مواقع مختلفة خلال الصيف والخريف، والتي وصفتها النقابات بـ "أكبر الإضرابات في التاريخ الحديث" وحملة استنزاف أدت إلى توقف القطارات لبضعة أيام كل شهر منذ يونيو/ حزيران الماضي.

وهدد الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل في بريطانيا، بتعطيل السفر عبر السكك الحديدية مع تخطيطه للإضراب بتاريخ 5 و7 و9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، للأسباب ذاتها.

وفي محاولة لتفادي هذه الإضرابات، هناك مساع لإجراء محادثات بين شركات تشغيل القطارات ومدير البنية التحتية للسكك الحديدية في بريطانيا، مع نقابات العمال هذا الأسبوع. 

وفي نزاعات منفصلة، يخطط أعضاء مترو أنفاق لندن وقطاراتها (Arriva Rail London) أيضاً للإضراب في 10 نوفمبر، لقضايا ترتبط بالأمن الوظيفي والمعاشات التقاعدية.

ويشارك في تنظيم إضراب القطارات الرئيسي التالي، يوم السبت 5 نوفمبر، موظفو شبكة السكك الحديدية، وعمال شركة تشغيل القطارات الممثلين في الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل. وتتبع ذلك إضرابات أخرى للاتحاد تشمل أعضاء من شبكة السكك الحديدية، يومي الاثنين 7 نوفمبر، والأربعاء 9 نوفمبر.

في البداية، كان من المقرر بدء الإضراب الأوّل بعد غد الخميس 3 نوفمبر، لكن بما أنّه كان سيتزامن مع حملة يوم التذكر "Poppy Day" السنوي للفيلق الملكي المخصّص لجمع الأموال لأفراد الخدمة والأشخاص السابقين في القوات المسلحة البريطانية وعائلاتهم، واجهت النقابة شكاوى دفعتها إلى تأجيل الإضراب إلى 9 نوفمبر. 

مفاوضات لتجميد الإضراب

وبحسب ما أوردت صحيفة فايننشال تايمز، في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فقد أكّد اثنان من الشخصيات في صناعة السكك الحديدية، بعد أن رفضا الكشف عن هويتهما، أنّ المحادثات كانت تجري لمحاولة حل الخلافات حول الأجور وممارسات العمل.

وقال أحدهما إنه كان هناك "بعض التقدم" في قضايا مثل تحديث ممارسات عمل الموظفين، بما في ذلك ترتيبات أيام الأحد، ومع ذلك، قال الآخر، إنه لم يكن هناك "أي تحرك مهم".

وفي السياق، يقول الأمين العام للاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل ميك لينش، إنّ الاتحاد يسعى في هذا النزاع  إلى التوصل إلى عرض مناسب مع أرباب العمل في السكك الحديدية، من شأنه أن يهيئ الظروف لتسوية تفاوضية، داعياً رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك إلى فك قيود صناعة السكك الحديدية، من أجل التوصل إلى تسوية. 

ويعدّ دور الحكومة إحدى نقاط الخلاف في النزاع، فمن الناحية الفنية، يقول الوزراء إنه من غير المسموح لهم التدخل في المحادثات بين شركات السكك الحديدية والنقابات، لكن في الواقع، جزء من دخل السكك الحديدية الوطنية يأتي من المنح الحكومية، مما يعني أنّ لها علاقات وثيقة مع وزارة النقل التي يراقب وزراؤها المحادثات عن كثب.

ويعود عمّال الاتحاد للإضراب، لأنّ رؤساء شبكة السكك الحديدية، نكثوا وعودهم بعرض رواتب محسّنة، وسعوا إلى فرض تخفيضات في الوظائف، وفرض المزيد من ساعات العمل، وتغييرات "ضارة" في القوائم. 

في المقابل، يقول كبير المفاوضين في شبكة السكك الحديدية تيم شوفيلر، إنّ الصفقة المعروضة، تشمل زيادة بنسبة 8% مقسّمة على عامين؛ 4% للعام الحالي و4% لعام 2023، مع تخفيض السفر وضمان عمل جديد ممتد حتى يناير/ كانون الثاني 2025.

ويتهم شوفيلر المسؤولين في الاتحاد، بأنهم "عازمون على ما يبدو على القيام بمزيد من الإضرابات الضارة، بدلاً من منح أعضائه حق التصويت على عرضنا".

ويؤكّد أنّه وفريقه لا يزالون على استعداد لإجراء محادثات جادة ومواصلة التفاوض بحسن نية. كما يشير إلى وجود فجوة في ميزانية قطاع السكك الحديدية، قيمتها مليارا جنيه إسترليني مع استخدام عدد أقل من الركاب لخدماتهم.

ويقول إنّ هذا الواقع لن يتبدّل في أي وقت قريب، وإنّ هناك صفقة عادلة ومعقولة التكلفة ومحسّنة مطروحة على الطاولة. 

من جهتها، تسعى النقابات إلى زيادات في الأجور أعلى من تلك المعروضة حالياً، وتقاوم جهود أصحاب العمل لتغيير ظروف عملهم.

ويعارض الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل، الجهود التي يبذلها المسؤولون في شبكة السكك الحديدية، التي تقضي بالاستغناء عن بعض موظفي صيانة السكك الحديدية باعتبارهم زائدين عن الحاجة.

استعدادات مبكرة

وفي محاولة لطمأنة الركاب، قالت مجموعة توصيل السكك الحديدية، الهيئة التمثيلية الشاملة لمشغلي القطارات وشبكة السكك الحديدية، إنّ الصناعة ستحاول الحفاظ على تشغيل بعض الخدمات في حال استمرار الإضرابات وانطلاقها، اعتباراً من يوم السبت.  

مع ذلك، حثّ كل من الرئيس التنفيذي لشبكة السكك الحديدية أندرو هينز، ورئيس مجموعة توصيل السكك الحديدية ستيف مونتغمري، النقابات على إلغاء الإضراب الصناعي.

وقال السكرتير العام المؤقت لاتحاد موظفي النقل فرانك وارد، إنّه لم يكن أمام النقابة سوى خيار الإضراب، مضيفاً أنه لم يكن هناك سوى "تقدم محدود" في المحادثات مع شبكة السكك الحديدية. 

وشهدت الإضرابات السابقة للاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل، خروج حوالي 40.000 عامل عبر أكثر من عشرة مشغلين، مما أدى فعلياً إلى توقف شبكة السكك الحديدية. وكان هناك ما يقل عن خمسة قطارات فقط تعمل في أيام الإضراب.

تعطيل السفر والتنقّل

ومن الطبيعي، أن يؤدي أي إضراب يشارك فيه جميع عمال شبكة السكك الحديدية إلى حدوث اضطراب كبير في جميع خدمات السكك الحديدية، بسبب غياب طاقم التشغيل الرئيسي. وإضراب القطارات تمتد آثاره إلى معظم شرائح المجتمع، ويعرقل مواعيد مهمّة مثل السفر والعلاج وغيرها.

وقالت جينا، وهي امرأة في الأربعينيات من العمر، إنّ "موعد أمي في المستشفى يوم الإضراب، وهو موعد انتظرته ستة أشهر".

وتتابع، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّها لا تملك سيارة لتقود والدتها إلى المستشفى، وأنها خططت لمرافقتها في القطار، لكنّ الإضراب عرقل خططها كونها طلبت نصف يوم إجازة من العمل، وباتت الرحلة تحتاج إلى يوم كامل، لذلك قد تضطر والدتها إلى الذهاب وحدها إلى المستشفى في حافلة.

وتلفت إلى أنّ والدتها قد تتوه في الطريق كونها لا تعرف استخدام خرائط "غوغل". وتعلّق بالقول إنّها تتفهم مطالب عمّال السكك الحديدية في ظل أزمة المعيشة التي يعاني منها معظم الناس، لكنّها ترى أنّه الإضراب الأكثر تأثيراً على المجتمع لأنّه قد يلغي أو يؤجّل ويعرقل مواعيد في غاية الأهمية، خطط لها الكثيرون منذ وقت طويل.

ومن المتوقّع أن تعرقل الإضرابات استخدام المسافرين القطارات للوصول إلى المطارات. لذلك قدّمت العديد من محطات القطارات نصائح للمسافرين تدعوهم إلى مراقبة مواقع الإنترنت لمواكبة عمليات إلغاء الرحلات والتحسّب لها وفق الخيارات الأخرى المتاحة مثل استخدام الحافلة أو سيارة الأجرة، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار "أوبر"، بسبب الطلب المتزايد عليها أيام الإضراب.

وبخصوص أولئك الذين اشتروا بطاقات السفر عبر السكك الحديدية، سيكون بإمكانهم المطالبة بتعويض واسترداد المبلغ بدل الأيام الضائعة. فإذا كانوا يعرفون المزود الذي كان من المقرر استخدامه في يوم السفر، فما عليهم سوى زيارة الموقع الإلكتروني الخاص به لمعرفة كيفية تقديم طلب التعويض. 

ويمكن أن يستمر الإضراب في العام المقبل، إذا لم يحصل العمال على الصفقة التي يطالبون بها.