إسقاط ديون السودان: تشكيك رغم الوعود الرسمية

25 أكتوبر 2020
الأسواق موعودة بتغييرات قد يطول أمدها (أشرف الشاذلي/فرانس برس) 
+ الخط -

لم يمر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة عن موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خبراً عادياً لدى المواطنين والأحزاب السياسية، إذ بدأت تحركات رافضة لهذا التوجه، وتشكيل جبهات مناهضة.

وسبق هذا الإعلان تأكيد ترامب أنه أخطر الكونغرس عزمه رفع السودان رسميا من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ويربط عدد من المسؤولين والمحللين هذه القرارات بإسقاط الديون المستحقة على السودان والتي تجاوزت 60 مليار دولار، فيما يؤكد خبراء أن هذه العملية ليست بالسهولة التي يتم تصويرها، وإنما دونها الكثير من العقبات.

ونفت المديرة السابقة لإدارة الدين الخارجي في بنك السودان المركزي الدكتورة ليلى عمر بشير لـ "العربي الجديد" إمكانية إعفاء البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية السودان من ديونه، خاصة البنك الدولي الذي تمنع قوانينه القيام بإجراءات كهذه، غير أنها أشارت إلى احتمال قيام الدول الصديقة للسودان بمبادرة لتحمّل سداد ديونه، على أن يتم سدادها من خلال قروض طويلة الأجل.

وقالت إن الموافقة على إعفاء السودان من الديون الخارجية عملية معقدة وتستغرق وقتا طويلا، وتتطلب تفاوضا مع دول نادي باريس وغيرها من مؤسسات التمويل والدول الدائنة، مشيرة إلى أن أي تأخر في السداد يفاقم حجم الفوائد والجزاءات التي تقفز بإجمالي الدين إلى مستويات ضخمة مقارنة بأصل الدين.

وأكدت بشير، من جهة أخرى، أن إعفاء السودان من ديونه الخارجية رهن ببذل الحكومة الانتقالية جهوداً مكثفة للتجاوب مع متطلبات الإعفاء، إذ يُشترط للتمتع بإعفاء الدول المثقلة بالديون، قيام السودان بمطابقة مبالغ الدين المستحق مع الدول الدائنة، وإعداد استراتيجية لمحاربة الفقر معتمدة من قبل المؤسسات الدولية.

وأشارت المديرة السابقة في البنك المركزي الى أن حكومة الإنقاذ السابقة قطعت شوطا بعيدا في تنفيذ هذه الشروط، لكن الحظر الاقتصادي الأميركي ووضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب حالا دون حصوله على الإعفاء.

وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قد لفت أخيراً إلى أن "رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يؤهله للإعفاء من ديونه"، وأعلن إبان توليه المنصب عن بدء محادثات مع صندوق النقد والبنك الدوليين والاتصال مع الدول الصديقة وهيئات التمويل بشأن إعادة هيكلة الديون الخارجية على السودان. علماً أن أصل الدين يبلغ أكثر من 18 مليار دولار والمتبقي فوائد وجزاءات تراكمية منذ عام 1958.

واستبعد الخبير المختص في شؤون صندوق النقد الدولي بالسودان، الدكتور أمين ياسين، في حديث مع "العربي الجديد"، إمكانية إعفاء السودان من ديونه، وقال إن الدول الدائنة لن تعفيه، كونها ترتبط بقرارات مؤسسات وبرلمانات ومجالس تشريعية لن تسمح بذلك، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي وحده يضم 188 دولة، ومن المستحيل أن يعفي الديون التي على السودان بمعزل عن موافقتها جميعا، غير أنه أشار إلى إمكانية حدوث توافق مع الدائنين على الجدولة في السداد.

بدوره، قال المحلل الاقتصادي، مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، الدكتور خالد الفويل، لـ "العربي الجديد" إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يهيئ السودان للإعفاء من ديونه الخارجية التي تفاقمت بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة.

وأشار الى أن المؤشرات تؤكد أحقيته في ذلك باعتباره دولة فقيرة ومثقلة بالديون وخارجة من حروب أهلية وتحتاج إلى التنمية والدعم الاقتصادي.

وأشار المدير العام السابق لبنك النيلين، الدكتور عثمان التوم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة حصول السودان أولا على موافقة وإجازة نهائية من قبل الكونغرس الأميركي لرفع اسمه من القائمة السوداء. وزاد "القرار لا يزال ضبابيا حتى الآن، إلا أنه إذا تحقق سيمكن السودان من إعفاء الديون الخارجية التي تثقل كاهله وتمنع عنه الاستفادة من التمويل الخارجي، فضلا عن تحقيقه الانفتاح في التعاملات المالية والاقتصادية في كافة القطاعات كالطيران والمعادن والتحويلات المصرفية والتعامل مع المصارف العالمية وفتح الاعتمادات الخارجية بالنقد الأجنبي.

وأكد ضرورة أن تكون الحكومة السودانية جاهزة لاغتنام هذه الفرصة بوضع خطط للتعامل مع المجتمع الدولي والانفتاح الاستثماري المرتقب مع العالم". واعتبر المحلل المصرفي مصطفى عبدالله أن القرار الأميركي المتعلق بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إن تم إقراره من قبل الكونغرس يسهم كثيرا في إنعاش الاقتصاد السوداني ويفتح المجال لتدفق الاستثمارات الخارجية ودخول الشركات متعددة الجنسيات ويمكّن السودان من ولوج سوق التمويل الدولي.

ولفت إلى أن القرار الأميركي يسهّل إجراءات الإعفاء من الديون الخارجية بالاستفادة من مبادرة الهيبيك لإعفاء الدول المثقلة بالديون والتي حرم منها السودان بسبب العقوبات الأميركية الحظر الاقتصادي وإدراجه ضمن قائمة الإرهاب. لكنه أكد أيضاً أن إعفاء الديون رهن جهود الحكومة السودانية في التفاوض مع الدائنين الرئيسيين.

وقال عبدالله إن رفع السودان من قائمة الإرهاب يحفز الشركات العالمية التي تعمل في قطاع التنقيب عن المعادن والغاز والنفط على الاستثمار في السودان، خاصة الشركات الأوروبية، فضلا عن تسهيل إجراء التحويلات المالية الإلكترونية، وتمكين القطاع المصرفي من المشاركة في المقاصة العالمية بالنقد الأجنبي، ويوقف تجميد نشاط الشركات وحساباتها وحسابات الأفراد من قبل مكتب مراقبة الأصول الأميركي.

ويمكّن السودان أيضاً من التعامل بالعملات العالمية الأخرى كاليورو والإسترليني مع تسهيل الاستيراد والتصدير. وذهب عبدالله في معرض حديثه إلى ضرورة قيام المصارف السودانية بإجراء اتفاقيات مراسلة جديدة لشبكة المراسلين الأجانب لتسهيل التحويلات وفتح خطوط تمويل خارجية لدعم نشاط التجارة والاستثمار مما يقرب بين السعرين الرسمي والموازي للدولار. ودعا بنك السودان المركزي إلى وضع خطة متكاملة للاستفادة من الصدمة الإيجابية برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لتطوير العمل المصرفي لمواكبة الانفتاح مع الخارج.

وطالب الحكومة بمراجعة السياسات الاقتصادية الكلية والنظام المالي الفيدرالي بإلغاء الـ18 ولاية والاستعاضة عنها بالأقاليم لخفض الإنفاق الجاري للحكومة وإلغاء الإعفاءات الضرائبية والجمركية وتعديل قانون بنك السودان لضمان استقلاليته وأداء دوره في تحقيق الاستقرار العام في الأسعار والاستقرار المالي وسعر الصرف.

واستبعد عبد الله دخول بنوك خارجية لإنشاء فروع في السودان في الوقت الراهن، غير أنه توقع دخول شركات عالمية تعمل في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى والغاز والشركات العاملة في مجال التقنية، مطالبا الحكومة بالإسراع في إعداد مشروعات حيوية لعرضها على المؤسسات والشركات الأجنبية للتمويل والاستثمار.

ووصف الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي القرار الأميركي بالتاريخي لما يشهده السودان من تحولات سياسية عقب انتهاء حكم الإنقاذ، واعتبر أنه سيعمل على انفتاح أكثر للسودان إذ إن "الاقتصاد السوداني سيشهد تحولاً في تسويق المنتجات خارجيا وزيادة الصادرات، وإزالة الحواجز بعدما كانت الكثير من الدول تتخوف من التعامل مع السودان ماليا ومصرفيا واستثماريا".

ولفت فتحي إلى جملة من التحديات التي تجابه البنوك كضعف الرساميل مقارنة بنظيراتها الإقليمية والعالمية إضافة إلى شح السيولة وغيرها من المشاكل التي تحول دون القيام بدورها في تمويل القطاعات الأخرى، وعدم تناسب إمكانيات المصارف المحلية مع احتياجات التنمية.

وأشار إلى أثر الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه السوداني على التمويل لارتفاع قيمة الدولار أمام العملة الوطنية ما يتطلب من المصارف زيادة رأسمالها. واعتبر أن آثار تعثر انسياب التحويلات المالية والمصرفية الخارجية الى المصارف منذ إدراج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، أثرت على دور القطاع، خاصة الغرامات المالية الضخمة التي تفرضها أميركا على البنوك العالمية التي تتعامل مع السودان. وقال إن رفع اسم السودان من القائمة يمكن السودان من الاستفادة من دعم مؤسسات التمويل العالمية ما يساعد الاقتصاد للوصول إلى مرحلة التعافي.

وقال مدير بنك المال السابق الدكتور كمال الزبير لـ "العربي الجديد" إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خطوة هامة جدا وآمل أن تمكن السودان من الاندماج الكامل مع المجتمع الدولي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والمصرفية والاستثمارية، غير أن عملية الاندماج هذه لن تكون سريعة لسببين الأول أن الوضع السياسي في السودان لا يزال هشّا، والسبب الثاني هو أن السودان دولة فقيرة وليس فيها ما يجذب الأطراف الأخرى للتحرك السريع.

وذكر أنه عندما رفعت العقوبات عن ليبيا في تسعينيات القرن الماضي تقاطرت على طرابلس أفواج المصرفيين والشركات العالمية الكبرى لإبرام الصفقات، أما بالنسبة إلى السودان ليس هنالك أرباح يمكن أن يتم قطفها سريعاً. واعتبر أنه من المهم العمل بجدية ووفق دراسة متأنية ومتكاملة لإنشاء علاقات مراسلة مع البنوك الأميركية والأوروبية والخليجية والآسيوية، وعلى بنك السودان قيادة هذا المسعى بالتنسيق مع الجهاز المصرفي.

وأضاف الزبير أنه "بطبيعة الحال رفع اسم السودان من هذه القائمة له فوائد من أهمها معالجة ديون السودان الخارجية وبالأصح إعفاؤها، استنادا إلى أهلية السودان لذلك وفق القواعد الخاصة بإعفاء ديون الدول الفقيرة المثقلة بالديون، هذا بالإضافة إلى تطبيع علاقة السودان مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأمر الذي سيمكنه من الحصول على التمويل الضروري لمشاريع التنمية خاصة في مجالات البنى التحتية كالسكة الحديد والكهرباء والطيران والطرق وغيرها...

المساهمون