إرث ثقيل على طاولة انتخابات الأرجنتين... ديون وتضخم وعملة متهاوية

04 أكتوبر 2023
التضخم بلغ أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود في أغسطس/آب (Getty)
+ الخط -

هيمنت قضايا التضخم والديون وتهاوي العملة الوطنية في الأرجنتين، على أجندة مرشحي الاستحقاق الرئاسي في الأرجنتين المقرر في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بينما لا تلوح في الأفق حلولاً عملية من قبل المتنافسين على إخراج البلد من عثرته، بل يتوقع أن تزداد معاناة المواطنين معيشياً في ظل الفاتورة الباهظة التي خلفتها الأزمات وملاحقة صندوق النقد للسياسيين من أجل تنفيذ اشتراطاته مقابل القروض الضخمة التي منحها للدولة.

وتتزايد مخاطر استمرار معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة، ما يؤدي إلى فقدان الكثيرين القدرة على الإنفاق، حيث ترتفع أسعار السلع والخدمات بسرعة أكبر من الأجور، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة بشكل أكبر ويدفع بشرائح أوسع من المجتمع إلى الفقر والفقر المدقع ويؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، حيث يشعر الناس بالإحباط بسبب عجز الحكومة عن السيطرة على الأسعار.

وتجاوز التضخم كل التوقعات في أغسطس/آب الماضي، بعدما قفز بنسبة 124.4% على أساس سنوي، مسجلاً أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود، فيما وصل معدل الفقر إلى 40.1% في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ36.5% في الفترة نفسها من 2022، في وقت انزلق اقتصاد الدولة إلى أسوأ أزمة منذ عقدين.

ووفق الأرقام التي نشرتها بوينس آيرس، نهاية الشهر الماضي، وقع نحو 1.3 مليون أرجنتيني في براثن الفقر، مما يعني أنهم يكسبون أقل من التكلفة الشهرية لسلّة من الضروريات الأساسية، فيما بلغ معدل الفقر المدقع، الذي لا يستطيع المواطنون معه تحمل تكاليف الغذاء الأساسي 9.3% مقارنة بـ 8.8% في النصف الأول من العام السابق.

سهام في جعبة المتنافسين

وتتحول هذه الأرقام إلى سهام يتراشقها المتنافسون على الرئاسة، بينما يشير خبراء إلى أن برامج المرشحين تفتقد حلولاً واقعية لكبح التدهور الاقتصادي. وجرت، الأحد الماضي، أول مناظرة بين المرشحين. وتعرض مرشح الكتلة الحكومية (يسار الوسط)، سيرجيو ماسا، وهو وزير الاقتصاد، للانتقاد بشكل خاص، من منافسيه الرئيسيين، الخبير الاقتصادي الليبرالي المتطرف خافيير ميلي الذي يناصب "الطبقة السياسية" العداء، ومرشحة ائتلاف يمين الوسط المعارض باتريسيا بولريتش، الوزيرة السابقة خلال ولاية الرئيس الليبرالي ماوريسيو ماكري (2015-2019).

بينما قدم ماسا "اعتذاره" عن الأخطاء التي ارتكبها خلال 14 شهراً منذ توليه حقيبة الاقتصاد، ألقى باللائمة على ما وصفه بـ"الدين الإجرامي" المستحق لصندوق النقد الدولي الذي خلفته حكومة ماوريسيو ماكري (من 2015 إلى 2019).

لكن محللين يقولون إن ماسا يحاول أن ينأى بنفسه عن الحكومة الحالية، التي يلقي العديد من الناخبين اللوم عليها في أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها الأرجنتين منذ 20 عاماً. وقال لوكاس روميرو، مدير شركة سينوبسيس الاستشارية الأرجنتينية، إنه "يحاول أن يصبح مرشحاً للتغيير".

وضع الأموال في جيوب الناخبين

بينما أثارت قرارات ماسا، قبل أسابيع، قلق الاقتصاديين، حيث تضمنت اتخاذ إجراءات لوضع الأموال في جيوب الناخبين قبل الانتخابات، بما في ذلك منح نقدية بمليارات الدولارات وقانون يعفي جميع العمال المسجلين باستثناء 1% منهم من ضريبة الدخل، وهو من شأنه أن يزيد عجز موازنة الدولة ويرفع معدلات التضخم. وحذر اقتصاديون من أن الأرجنتين قد تدخل فترة من التضخم المفرط بعد الانتخابات الرئاسية، بسبب هذه الإجراءات.

وكان ماشا قد كشف عن معونات نقدية جديدة تبلغ قيمتها حوالي 80 دولاراً للعمال المسجلين، و125 دولاراً للعمال غير الرسميين، و49 دولاراً للمتقاعدين. وستكلف هذه المساعدات وغيرها 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لشركة إيكوجو الاستشارية التي يوجد مقرها في بوينس آيرس.

علاوة على ذلك، فإن خطة إعفاء العمال من ضريبة الدخل التي تستثني 1% فقط منهم، ستكلف ما يصل إلى 0.83% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024، بحسب ما قاله مكتب الميزانية في الكونغرس الأرجنتيني.

وعلى المدى القصير، يتوقع المحللون أن يتم تمويل الهبات من خلال طباعة النقود، الأمر الذي قد يعزز التضخم الشهري، الذي وصل بالأساس في أغسطس/آب إلى أعلى مستوى منذ العام 1991. وستزيد هذه الإجراءات من صعوبة الالتزام بأهداف خفض العجز المالي والحد من طباعة النقود التي وافقت عليها الأرجنتين في يوليو/تموز الماضي، كجزء من برنامج قرض بقيمة 44 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

ووفق المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، فإن "التضخم مرتفع للغاية ومتزايد" والإجراءات الأخيرة "تؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها الأرجنتين".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتسببت الأزمة الاقتصادية في انتقاد الكثيرين لأكبر تيارين سياسيين في البلاد وهما الائتلاف البيروني الحاكم الذي ينتمي إليه ماسا، وتحالف "معاً من أجل التغيير" المحافظ المنتمي للمعارضة، حيث تنافس وزيرة الأمن السابقة باتريشيا بولريتش على الرئاسة، ما يفتح الباب أمام فوز مفاجئ محتمل لمرشح ينتمي لليمين المتطرف، حيث يَبرز الخبير الاقتصادي خافيير ميلي، الذي حصل على ما يقرب من خمس الأصوات في استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات.

لكن ميلي يسعى إلى تحويل الاقتصاد الأرجنتيني للاعتماد على الدولار وإغلاق البنك المركزي. وقد تزيد هذه الأجندة من اضطراب الاقتصاد، وفق محللين إذ تدفع حالة عدم اليقين الناخبين إلى التخلص من البيزو بشكل أسرع إذا فاز ميلي في الانتخابات المقررة هذا الشهر وجولة الإعادة المحتملة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقال صندوق النقد الدولي أخيراً إن خطة ميلي لتحويل الاقتصاد إلى الدولرة للقضاء على التضخم "ليست بديلا عن سياسات الاقتصاد الكلي السليمة".

وقال مارتن رابيتي، المدير التنفيذي لمؤسسة الاستشارات "إكويليبرا" لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إن خطر حدوث دوامة تضخمية سيقع بعد الانتخابات، متوقعا أن يسجل ديسمبر/كانون الأول المقبل ارتفاعاً أكبر في التضخم ليكون الأعلى خلال العام.

القفز في الفراغ

وبينما يقوم منافسو ماسا باتهامه بعدم الاتساق بين تصريحاته وسياساته، حيث قالت بولريتش إنه ينتمي بالفعل إلى "إدارة كارثية"، حذر ماسا من "العودة إلى الماضي" مع بولريتش، أو "القفز في الفراغ والجنون" مع ميلي، منتقدا خطته للدولرة التي وصفها بأنها "تزرع علماً آخر على البنك المركزي" الأرجنتيني.

وأشارت مجلة إيكونوميست في تقرير لها أخيراً إلى أن اقتصاد الأرجنتين من أكثر الاقتصادات المحيرة في العالم، لافتة إلى ان الأزمة الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها تأتي بسبب عقود من سوء الإدارة الاقتصادية، والإفراط المستمر في الإنفاق من قبل الحكومات المتعاقبة، بتمويل من طباعة النقود، وارتفاع مستويات الاقتراض، والضوابط التجارية التي حالت دون الاستغلال الأمثل للموارد.

ولفتت المجلة إلى أن الحلول ليست واضحة ومباشرة، وقد تتسبب في قدر كبير من الألم في الأمد القريب، قبل أن يشهد الاقتصاد تحسناً في الأمد الأبعد.

وتخفيض قيمة العملة شرط وضعه صندوق النقد الدولي ضمن برنامج إقراض البلاد، وذلك بعدما استنفدت الحكومة فعلياً الدولار للحفاظ على العملة، والتي أدت إلى المبالغة في تقدير قيمة البيزو لسنوات.

وتوقع استطلاع للمحللين أجراه البنك المركزي الشهر الماضي، أن ينهي التضخم العام فوق 169%، وهو ارتفاع حاد عن تقديراته في الشهر السابق البالغة 141%. وبجانب مكافحة البلاد لإنقاذ صفقة بقيمة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، تواجه احتمال دفع فاتورة قانونية بقيمة 16 مليار دولار بعد حكم محكمة أميركية يتعلق باستحواذ الدولة على شركة الطاقة "YPF" قبل عقد من الزمن.

المساهمون