إذلال اللبنانيين على أبواب الأفران مستمر.. والبرلمان يعدّل قانون السرية المصرفية استجابة لصندوق النقد
تتفاقم أزمة الخبز في لبنان، مع امتداد طوابير المواطنين أمام الأفران لشراءِ ربطة (كيس يضم 6 أرغفة) بالكاد تكفي لعائلة واحدة في ظل "التقنين" المُعتمد في عملية البيع بذريعة شح مادة الطحين (الدقيق)، بينما تتسع هيمنة السوق السوداء على السلع الأساسية، مستغلّة هشاشة رقابة الأجهزة الرسمية.
وانتشرت مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية تظهر طوابير المواطنين الذين يقفون بأعدادٍ كبيرة أمام الأفران، سواء في ساعات الصباح الباكر، أو في أوقات الليل المتأخرة، وسط مخاوف من تفاقم الوضع أكثر كما حدث إبان أزمة البنزين، وذلك رغم المحاولات التي تظهرها وزارة الاقتصاد وتدابيرها للحفاظ على لقمة عيش اللبنانيين.
مقدمة لرفع الدعم عن الخبز
ويخشى المواطنون أيضاً من أن تكون الأزمة مفتعلة وبمثابة مقدمة لرفع الدعم عن الخبز، ليصل سعر الربطة إلى أكثر من 30 ألف ليرة (حوالى دولار وفق سعر السوق الموازية)، بحجة مكافحة التهريب ولجم السوق السوداء، من دون أي تدابير حكومية لمساعدة الأسر على مواجهة الغلاء.
ويشكو المواطنون تفاوت أسعار ربطات الخبز بين فرن وآخر، وبيع الربطة في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً تتخطى العشرين ألف ليرة، ويستغرب منهم كيف أن الخبز مقطوع في لبنان، بينما يصل إلى مَن أصدقاؤه وأقاربه في خارج البلاد وداخل دول أوروبية أن ربطة الخبز اللبنانية متوافرة في أسواقهم، وتعود إلى أفران لبنانية شهيرة تعمد إلى إرسالها إلى الخارج وبيعها بالعملة الأجنبية.
يقف مسعود، الستيني، أمام أحد الأفران الكبيرة في بيروت منذ الصباح الباكر لشراء ربطة خبزٍ لعائلته، معتمراً قبعة، في محاولة منه لحماية رأسه من أشعة الشمس الحارقة، فيما يمسك بأسفل ظهره، والوجع بادٍ على محيّاه.
يقول مسعود لـ"العربي الجديد": "أبحث عن ربطة خبز منذ يوم الخميس الماضي، إما أنّ الأفران مقفلة أو تكتب على أبوابها: لا خبز لدينا، وإما يخبرنا أصحاب السوبرماركت أنهم لم يتسلّموا منذ فترة أي ربطة خبز. أتنقل بين مكانٍ وآخر وأخسر أموالاً بالتنقل عبر سيارات الأجرة، وفي النهاية أعود إلى المنزل خالي اليدين".
يضيف: "اليوم قررت أن انتظر بالطابور رغم الوجع ودرجة الحرارة العالية والخشية من حصول إشكال بأي لحظة بين الناس الغاضبين، لأنه لم يعد بإمكاننا الصمود من دون خبز، خصوصاً أن الرغيف يسدّ جوعنا بعض الشيء في ظل غلاء المواد الغذائية".
ويشير إلى أنه كان يشتري أحياناً ربطة الخبز من بعض السوبرماركت في بيروت بـ20 و25 ألف ليرة، ومرّة اشتراها بـ30 ألف ليرة، رغم أنّ تسعيرة وزارة الاقتصاد للربطة القياس العائلي تبلغ 14 ألف ليرة.
يتابع مسعود: "نعيش في دولة كلها استغلاليون، جشعون، لا يشبعون، مستعدون لقتلك جوعاً وحرمانك الرغيف وتهريبه للخارج لبيعه بالدولار حتى يجنوا الأرباح، أما المعنيون الرسميون فيتقاذفون المسؤوليات ويصدرون التعاميم والبيانات التي تبقى حبراً على ورق".
ثمن القمح
في السياق، يقول نقيب أصحاب صناعة الخبز في جبل لبنان، أنطوان سيف لـ"العربي الجديد" إنّ "الأزمة تُحل بمجرد دفع مصرف لبنان ثمن القمح الموجود في البواخر الراسية في مرفأ بيروت، وحل مشكلة المختبرات وإضراب موظفي القطاع العام، وذلك لفحص العينات وإصدار نتائجها وتسليمها للمطاحن، نحن في وضع استثنائي ويجب التعجيل في الإجراءات".
ويلفت سيف إلى أنّ "الأزمة اشتدّت كثيراً، لأنّ الأفران التي أقفلت أبوابها لم تتسلم الطحين، وذلك بطلب من وزارة الاقتصاد التي قررت إعادة النظر بتوزيع قسائم الطحين على المطاحن والأفران".
يضيف: "اليوم صدر قرار بتوزيعة جديدة على أمل أن يوزع الطحين غداً على الأفران، كذلك لم يكن هناك كميات كافية من القمح، وحالياً هناك باخرة ترسو في المرفأ، نأمل من مصرف لبنان أن يحوّل الأموال إلى الخارج لدفع ثمن القمح المدعوم، وبذلك تحل الأزمة خلال يوم أو يومين، لكن التأخير مضرّ جداً، وخصوصاً في ظل ارتفاع الطلب على الخبز من دون أن ننسى أعداد السياح الكبيرة التي تأتي يومياً إلى لبنان، ومعظمها مغتربون لبنانيون يستهلكون الخبز اللبناني".
ورداً على سؤال عن بيع الخبز في السوق السوداء، يقول: "إنّ من يملك المال يشتري الخبز من السوق السوداء، ومن لا يملكه يقف في الطوابير، لكن عندما تحلّ المشكلة بالنقاط السابق ذكرها يتوافر الخبز في السوق ويلبي حاجات المواطنين".
حصص الأفران الكبيرة
وخفّض وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، في تدبير اتُّخذ بتاريخ 15 يوليو/تموز الجاري حصص الأفران الكبيرة من الطحين المعدّ لإنتاج الخبز العربي منعاً لاستعماله في صناعة المعجنات الأخرى المتنوعة والموجودة أكثر لدى الأفران ذات الحصص الكبيرة، وتشجيعاً للأفران الصغيرة المتوزعة في القرى والمناطق البعيدة على زيادة إنتاجها وحمايتها من المنافسة والمضاربة.
وأكد سلام أن هذا الإجراء جزء من إصلاحات ترمي إلى إعادة تقييم جداول التوزيع ومراقبة الكميات التي توزع في السوق، حفاظاً على خبز المواطن، ولوضع حدٍّ لتجار الأزمات. ووفق الوزير، ستتبع وزارة الاقتصاد آلية جديدة للتوزيع، ستتولاها لجنة جديدة لاستيراد القمح.
وأقر مجلس النواب اللبناني، اليوم الثلاثاء، خلال جلسة تشريعية برئاسة الرئيس نبيه بري، اتفاقية القرض المقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار ضمن مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح.
وشدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على أهمية تنظيم وصول القمح والطحين إلى المطاحن والأفران، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيكون مرتبطاً بآلية واضحة تُشرف عليها لجنة مختصة.
رفع الدعم عن كل شيء
وقال ميقاتي خلال الجلسة التشريعية إنه "في حال كان هناك طلب من الحكومة لرفع الدعم عن كل شيء، فليتم إصدار توصية بذلك من مجلس النواب"، مضيفا "معظم ربطات الخبز التي يجري إنتاجها تذهب لغير اللبنانيين والجميع يعلم بذلك".
وتابع: "كنت أصدرت قراراً بتشكيل لجنة في وزارة الداخلية مهمتها وضع آلية محددة للتوزيع العادل للقمح والطحين على كل المطاحن، كما أنها تقوم بتنظيم عمليات وصول القمح والتوزيع الذي يجب أن يكون من خلال قسائم وآليات واضحة.. من مهمة تلك اللجنة أيضاً مراقبة إنتاج الأفران للخبز وقد وضعنا كاميرات هناك".
من جهة ثانية، وعلى صعيد قضية موظفي القطاع العام، أكد ميقاتي سعي الحكومة المستمر والحثيث لمتابعة الملف وذلك من أجل توفير حلولٍ لهم ضمن الإمكانات المتوفرة.
وقال "بما أن الموازنة تأخرت، نحن كحكومة كنا قد أرسلنا بموجب مشروع بـ10 آلاف مليار ليرة، وكنا فندنا هذه المبالغ، ولجنة المال والموازنة طلبت من وزير المال يوسف خليل مؤخراً تقديم عرضٍ حول هذه النفقات التي ستذهب لأمور عديدة منها، بدل نقل للسلك العسكري، بدل استشفاء، بدل مرض وأمومة، واعتمادات لوزارتي التربية والداخلية".
ولفت ميقاتي إلى أنّ "الانفاق يحصل بحدود محدودة جداً لأنه ليس هناك من موارد". وأضاف: "في اجتماع اللجنة الوزارية لمعالجة تداعيات الأزمة المالية على المرفق العام، تريثنا لكي يعطي وزير المال الكلفة بالأرقام، ونحن بانتظار أن يقدم وزير المال الكلفة بالأرقام"، مشيراً إلى أننا "لا نريد أن نعطي بيد ونأخذ باليد الأخرى كي لا يحصل تضخم. إننا نحاول خلق جو ملائم لعودة الموظف إلى عمله، والأرقام ستكون الأربعاء موجودة وسنقدم الحل الذي نستطيع أن نقدّمه للموظفين".
مجلس النواب اللبناني يعدّل قانون السرية المصرفية استجابة لصندوق النقد الدولي
وخلصت الجلسة إلى إقرار بعض القضايا المهمة، لا سيما إقرار مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم رقم 9102 تعديل بعض مواد القانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بالسرية المصرفية والمادة 105 من القانون رقم 328 تاريـخ 2/ 8/ 2001 المتعلق بأصول المحاكمات الجزائية، والمادة 150من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1 /8/ 1963 (قانون النقد والتسليف) و المادة 15من القانون رقم 28 تاريـخ 5 /9/ 1967 (تعديل وإكمال التشريع المتعلق بالمصارف ومؤسسة مختلطة لضمان الودائع) وبعض مواد القانون رقم 44 تاريخ 11/ 11/ 2008 (قانون الإجراءات الضريبية).
كذلك أقرت الجلسة اتفاقية القرض المقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار لمشروع الإستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، ومشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8952 فتح إعتماد إضافي في باب إحتياطي الموازنة العامة لعام 2022 بقيمة 10 آلاف مليار ليرة لبنانية. (دولار السوق السوداء يعادل تقريبا 30 ألف ليرة).
وبحسب رويترز، فإن تمرير البرلمان تعديلات طال انتظارها على قانون للسرية المصرفية يُعد أول إنجاز لقائمة من الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي الذي وقع مع لبنان اتفاقا على مستوى الخبراء في أبريل/نيسان يتعلق بتمويل بقيمة 3 مليارات دولار لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والتي وصفها البنك الدولي بأنها من بين أسوأ 3 انهيارات مالية منذ الثورة الصناعية.
لكن حزمة التمويل مشروطة بمتطلبات مسبقة تشمل إصلاحات مالية بما في ذلك استراتيجية إعادة الهيكلة المصرفية وضوابط رأس المال وميزانية عام 2022 وقانون السرية المصرفية المعدل. ولا يرفع قانون السرية المصرفية، الذي تمت تلاوته بصوت عال في أول جلسة عامة للبرلمان منذ الانتخابات التي جرت في مايو/أيار، السرية المصرفية إجمالا. ويسمح لبعض الهيئات الحكومية برفع السرية على وجه التحديد في قضايا التحقيقات الجنائية، بما في ذلك غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكان مشروع القانون الأصلي سيسمح برفع السرية المصرفية للتحقيق في "جميع الجرائم المالية"، لكن البرلمان صوّت على حذف هذه العبارة وبالتالي الحد من نطاق القانون. وقال نائب رئيس الوزراء سعد الشامي، مهندس خارطة طريق التعافي المالي في لبنان، إنه "لا يوافق" على نسخة القانون التي تم تمريرها اليوم الثلاثاء. وحاول الشامي التحدث عدة مرات خلال الجلسة لكن أصوات النواب العالية لم تسمح له بالحديث. وقال الشامي لرويترز إنه سيرسل القانون إلى صندوق النقد الدولي لتأكيد ما إذا كان يتماشى مع توقعاتهم.
ودعت الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء إلى قانون جديد "يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي الفعال والإشراف عليه وإدارة الضرائب، فضلا عن الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها واسترداد الأصول".