إخفاء الحقائق عن المصريين

30 ديسمبر 2020
مئات المصريين ينتظرون يومياً في مختبرات ميدان التحرير بالقاهرة لإجراء فحوصات كورونا
+ الخط -

نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية الأسبوع الماضي تقريراً عن حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وحالات الوفاة المرتبطة به في مصر، أكد فيه بالإحصاءات وشهادة الشهود من العاملين في مجال الرعاية الصحية تجاوز الأعداد الحقيقية لضحايا الوباء الأرقام المعلنة بواسطة الحكومة المصرية، على نحو توقعه الكثيرون ممن رأوا دائرة المصابين بالفيروس تتسع لتشمل أحباءهم، ولم ينكره إلا المدافعون عن النظام الحاكم، تماماً كما يفعلون مع كل إخفاق يظهر للأعين من سياساته.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه إحصاءات وزارة الصحة أن عدد الوفيات المؤكدة بالفيروس بلغ نحو 7300 حالة، أكد التقرير أن هناك اعتقاداً بأن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من تلك المعلنة، وهو ما ردت عليه الحكومة بأن الوفيات المسجلة تقتصر على من تأكدت إصابته قبل وفاته عبر فحص PCR في معامل ومستشفيات حكومية فقط، في إشارة إلى أن قلة الفحوصات لعبت دوراً في عدم تسجيل الكثير من الوفيات ضمن الإحصاءات اليومية لضحايا الفيروس.

ونقل التقرير عن أحد الأطباء، وهو عضو باللجنة الحكومية لمكافحة كورونا، قوله إن "الأعداد الحقيقية للإصابات بكورونا في مصر قد تكون عشرة أضعاف الرقم الرسمي المعلن، الذي يُحصِي فقط من يتوجهون للعلاج أو الفحص داخل المنظومة الطبية الحكومية، فيما لا تُسجل الحالات التي تجري التحاليل وتتلقى العلاج في المستشفيات الخاصة"، مشيراً إلى وجود منظومة طبية خاصة، تشمل معامل ومستشفيات وعيادات، يعرف الجميع أن الأغلبية الكاسحة من الطبقة المتوسطة، وبالطبع كل الطبقة الفقيرة، لا تستطيع تحمل تكلفة تلقي العلاج فيها.

ونقل التقرير عن طبيب آخر يترأس الفريق الطبي بمستشفى إسنا الحكومي التخصصي الواقع في صعيد مصر أن عدد من توفي بأعراض الفيروس دون أن يسجل في إحصاءات الوفيات المرتبطة به "أكبر بكثير ممن سُجلوا"، معللاً ذلك بأن المسحات لم تكن تكفي الجميع، وأن بعض المرضى كانوا يأتون متأخرين، بسبب بعد المسافة عن المستشفى، ويموتون فور وصولهم قبل أن تُسحب منهم العينة.

وقال طبيب آخر لكاتب التقرير إن بعض الحالات توفيت في العزل المنزلي قبل ظهور نتيجة الاختبار، أو قبل إجراء الاختبار أصلا، فلم تدرج هذه الحالات في إحصاءات كورونا أيضاً.

 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتسبب ارتفاع تكلفة فحص PCR في وضع قيود كبيرة على استخدامه في مستشفيات الحكومة، واقتصر إجراؤه على بعض من ظهرت عليهم أعراض متوسطة أو شديدة، بينما اعتمدت وزارة الصحة على تحاليل أخرى مثل تحاليل الدم والأشعة المقطعية على الصدر، لتشخيص المرض وصرف الأدوية للمشتبه في إصابتهم بكوفيد-19.

ورغم تقييدها على الراغبين في إجراء الاختبار داخل المعامل والمستشفيات التابعة لها، تجاهلت الوزارة نتائج الفحص التي وردت عن الاختبارات التي جرت في معامل المستشفيات الجامعية أو المعامل الخاصة، رغم أن عددها يتجاوز عشرة آلاف معمل تتوزع في المحافظات المصرية، من شمال البلاد إلى جنوبها.

لم يكن التعتيم على الإحصاءات الحقيقية لضحايا الفيروس جديداً على النظام الحالي في مصر، التي لم يعرف مواطنوها لماذا وقعت على اتفاق سد النهضة قبل أكثر من خمسة أعوام بينما مازالت المفاوضات جارية حتى الآن، ولم يوضح لهم أحد أسباب التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ولم يخبرهم مسؤول عن الحد الذي يمكن أن تصل إليه الديون المصرية مع الاندفاع الحالي في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا ودول أخرى، ولم يبرر لهم أحد أسباب اتفاق مصر على شراء ما تصل قيمته إلى 19 مليار دولار من الغاز الطبيعي من إسرائيل على مدار الأعوام العشرة القادمة.

لم يُعر النظام الحالي أكثر من مائة مليون مواطن أي اهتمام، وتم تجاهل أولوياتهم في توفير أماكن الرعاية في المستشفيات وأدوات اختبار الإصابة بالفيروس، كما متطلبات الرعاية الصحية والتعليم والبحث العلمي بصفة عامة، مقابل حفر تفريعة لقناة السويس لم تضف شيئاً يذكر لإيرادات القناة، وبناء قصور رئاسية في عدة مواقع تتميز بالمبالغة الشديدة في فخامتها، وتشييد عاصمة إدارية سحبت المليارات من ميزانية الدولة رغم الادعاءات السابقة بعدم تحملها جنيهاً واحداً في تكلفة إنشائها.

لا تصارح الحكومة المصرية مواطنيها بحقيقة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتسخر أبواقها الإعلامية للتهليل لإنجازات وهمية مع كل جسر يتم بناؤه، وكل شارع يتم رصفه، وكل 1% يتم إضافتها لقيمة الجنيه مقابل الدولار، بينما تتجاهل تماماً أوضاع الدين الخارجي المتزايد بمعدلات غير مسبوقة، والذي وصل لأعلى مستوى في تاريخه بنهاية يونيو/ حزيران من العام الحالي، مسجلاً 123 مليار دولار، وما زالت الحكومة مستمرة في الاحتفال بكل دولار جديد تتمكن من اقتراضه.

 

تخدع الحكومة المواطن المصري بالإعلان عن معدلات نمو تدور حول الخمسة في المائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتروج لفكرة أن البلاد ستكون من الدول القليلة التي تحقق معدل نمو إيجابيا خلال العام الحالي، بينما تخفي عن المواطن البسيط أن أسباب وجود معدل نمو إيجابي، إن كان صحيحاً، لا تعكس بأي حال مستويات الدخل التي يحققها المواطنون، وأنه لم يكن وارداً تحقيقها لولا التوسع في الاقتراض من الخارج، ورفع أسعار الكهرباء والوقود والغاز والمياه ورغيف الخبز على المواطنين، دون تحقيق أي قيمة مضافة لهم، وهو ما نلحظه في تزايد أعداد من يعانون من انخفاض مستويات المعيشة من الطبقة المتوسطة، كما في الملايين الذين نزلوا إلى ما تحت خط الفقر خلال السنوات السابقة.

إخفاء الحقائق عن المصريين أصبح منهجا دائما للنظام الحالي في كل ما يخص أمورهم الحياتية، ولا نعرف إن كان ذلك دليلاً على سوء نية كل من اتخذ القرارات السابقة، أم أنه يرجع لاستخفاف النظام بقدرات ووعي المواطنين، فيكتفي بإلقاء الفتات إليهم ليقتاتوا عليه، دون السماح لهم بالمشاركة في اتخاذ ما يخصهم من قرارات، وهو أمر لا أعتقد أن الشعب المصري سيخضع له لفترات طويلة، مهما بدا لعكس ذلك من مؤشرات.

المساهمون