يواصل الدينار العراقي التعافي تدريجياً أمام الدولار، بعد تراجعه الأشهر الماضية، خسر فيها نحو 30% من قيمته أمام الدولار، وذلك بعد إجراءات البنك المركزي العراقي بتحديد آليات بيع العملة والحوالات الخارجية، فضلاً عن زيادة مبيعات البنك ذاته من العملة الصعبة.
وحتى مساء أمس الاثنين، وصل سعر الصرف في السوق الموازي إلى 1420 ديناراً للدولار الواحد، بعدما وصل في شهر فبراير/ شباط الماضي إلى نحو 1700 دينار للدولار الواحد.
وحددت الحكومة العراقية السعر الرسمي بـ1300 دينار للدولار الواحد، لكن في السوق الحرة يُتداوَل سعر صرف آخر، وهو ما يدفع الحكومة والبنك المركزي إلى مواصلة سياسة الضغط على السوق تدريجياً لحين وصول قيمة الدينار في السوق إلى ما قيّمه البنك المركزي، 1300 دينار للدولار.
أسباب التعافي
حدد المستشار المالي للحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، أسباب تراجع أسعار صرف الدولار في السوق الموازي وزحفها نحو السعر الرسمي الذي وضعته الحكومة.
وأكد صالح خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن انخفاض سعر صرف الدولار في السوق الموازي يعود إلى نجاح السياسة النقدية التي قدمها البنك المركزي العراقي، بالإضافة إلى الدور الساند من خلال أداء الحكومة العراقية في هذا الجانب.
وأضاف أن تسهيل إجراءات الحوالات الخارجية وحصرها بالتحويل الرسمي والضروري، بالإضافة إلى بيع الدولار النقدي من خلال قنوات الامتثال الدولية، تمكن الوسط التجاري الخاص وعموم المستفيدين من النقد الأجنبي من التأقلم والانسجام معها بشكل متسارع.
وأشار إلى أن الاحتياطيات الكبيرة من العملة الأجنبية التي هي الأعلى في تاريخ البلاد المالي ساعدت في عرض كميات كبيرة من الدولار لدى السوق المحلية، ما أدى إلى تقليص الفجوة السعرية بين السعر القديم والسعر الحالي.
وبيّن صالح أن مبيعات نافذة العملة الأجنبية بلغت مستويات عالية في فرض الاستقرار وتعقيم السيولة، وستشهد الأيام المقبلة انخفاضاً جديداً في أسعار الدولار.
دور المنصة الإلكترونية
وأشارت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، إلى أن المنصة الإلكترونية لدى نافذة بيع العملة التي اتجهت إليها سياسة عمل البنك المركزي العراقي كانت من بين أسباب انخفاض سعر الدولار مقابل الدينار في الأسواق المالية.
وقالت سميسم، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع قيمة الدينار مقابل الدولار كان سببه الرئيس تفعيل المنصة الإلكترونية التي أطلقت بشكل واسع، وساعدت على تحسين أداء عمليات الصرف النقدي وتوفير حالة من الاستقرار للعملة المحلية، مؤكدةً أنّ من الضروري جداً المحافظة على هذا المستوى من الاستقرار في قيمة الدينار مقابل الدولار.
وأشارت إلى احتمالية وجود ارتفاع مرتقب في سعر الدولار مجدداً في المستقبل، داعية إلى توخي الحذر واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار المالي.
وبيّنت سميسم أن سيطرة البنك المركزي والمؤسسات الحكومية المختصة على منافذ تهريب العملة، يعتبر مؤشراً جيداً لتحسين الأوضاع المالية والاقتصادية، مطالبة بالعمل على تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.
قلق السوق
ولا يخلو الانخفاض المفاجئ والسريع في سعر صرف الدولار من عمليات المخاطرة وخلق مخاوف متعددة من قبل التجار ورجال الأعمال والخسائر التي لحقت بهم بسبب التراجع السريع والمستمر في سعر الصرف.
وقال الخبير المالي، أحمد فادي، إن انخفاض الدولار أصبح أمراً واقعاً بعد الاتفاق غير المعلن الحاصل بين السلطة المالية وأصحاب رؤوس الأموال والصرافة المسيطرين على السوق لبيع الدولار بالأسعار القديمة المتداولة بشكلها المرتفع حتى الوصول التدريجي إلى السعر الحالي المتداول في السوق.
وكشف فادي لـ"العربي الجديد"، أنه منذ شهر تقريباً بدأت بوادر انخفاض سعر صرف الدولار تتضح من خلال إجراءات البنك المركزي العراقي والحد من عمليات بيع الدولار في السوق السوداء ومتابعة الحوالات الخارجية ومراقبتها.
وأضاف أن الأيام المقبلة ستشهد استمرار انخفاض سعر صرف الدولار لتراوح بين السعر الرسمي 1320 ديناراً، و1400 دينار للدولار الواحد.
وبيّن أن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الدينار أمر إيجابي بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي العام، لكن هناك تجار وشركات مستوردة بدأت برفع أسعار السلع والتلاعب في الأسعار، مستغلةً تذبذب سعر الصرف وعدم استقراره، بسبب غياب الرقابة الحكومية، ما أحدث حالة من القلق في السوق وانخفاضاً متواصلاً في القدرة الشرائية.
وشدد فادي على أهمية استمرار الرقابة المالية والإدارة الحكومية في تطبيق قواعد الامتثال للصيرفة الدولية، بما فيها مكافحة غسل الأموال، ومن ضمنها تهريب العملة، والاستعمالات غير القانونية في خروجها، مبيناً أن أي تراخٍ في تطبيق الرقابة، يعني وقوع فجوة انخفاض جديدة ومتسارعة تشكل خطراً على السياسة النقدية العراقية.
استمرار الغلاء
وعلى الرغم من انخفاض سعر صرف الدولار، والانتعاش النسبي الذي حققه الدينار العراقي، إلا أن أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في السوق العراقية ما زالت تواصل الارتفاع، خصوصاً مع اقتراب موسم التبضع قبيل فترة عيد الفطر المبارك.
وقال التاجر سمير عيادة، إن انخفاض الدولار المفاجئ سبّب حالة من الإرباك في السوق، وهناك مخاوف كبيرة من المجازفة بشراء السلع مجدداً، تحسباً لأي انخفاض جديد قد يطرأ على سعر صرف الدولار.
وأضاف عيادة، لـ"العربي الجديد"، أن حصول التجار على الدولار بالسعر الرسمي شبه مستحيل، بسبب سيطرة جهات معينة على نافذة بيع العملة، وعمليات الشراء من السوق الموازي أصبحت معقدة، بسبب خشية أصحاب مكاتب الصيرفة من خسائر قد تلحق بهم مع هذه التقلبات المفاجئة والسريعة في أسعار الصرف.