إجراءات لتضميد خسائر الزلزال في تركيا... والسوريون في نكبة

08 فبراير 2023
أعداد الضحايا والمصابين تتزايد وسط استمرار عمليات رفع الأنقاض (فرانس برس)
+ الخط -

تتكشف آثار وخسائر الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، تباعاً، وسط استمرار عمليات رفع أنقاض آلاف المباني المنهارة، فبينما تبلغ السلطات عن تزايد أعداد الضحايا والمصابين كل ساعة تقريباً، تتصاعد التداعيات الاقتصادية للزلزال الأعنف منذ 84 عاماً، ما تسبب في بلوغ عدد المتضررين في البلدين نحو 23 مليون شخص.

واتخذت السلطات في تركيا إجراءات للحد من تفاقم الخسائر سواء على صعيد إغاثة المتضررين ودعم القطاعات الاقتصادية والخدمية الحيوية، على غرار تقديم تسهيلات للمتضررين منها الإعفاء من أقساط القروض لمدة ستة أشهر، لكن الوضع في سورية يبدو معقداً للغاية ما يفاقم آثار الكارثة الواقعة، فالأضرار التي لحقت بالطرق عميقة، فضلا عن وجود نقص في الوقود وطقس شتوي قاس، ما يكبل عمليات الإغاثة المتأثرة بالصراع في البلد والعقوبات الدولية على النظام.

استغلال المأساة لكسر العزلة والعقوبات

ويتخوف سوريون من استغلال نظام بشار الأسد مأساة الزلزال المدمر لكسر العزلة والعقوبات الاقتصادية المفروضة دولياً، وسرقة أموال المساعدات، وفق الخبير الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح، الذي أضاف أن حكومة الأسد ناشدت منذ ساعات الزلزال الأولى، الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، والأمانة العامة للمنظمة، ووكالاتها، وصناديقها، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات الدولية لمد يد العون ودعم الجهود، لكن حكومة الأسد لم تأت بذكر على محافظة إدلب شمال غرب سورية التي تسيطر عليها المعارضة، وحتى الإعلام الرسمي لم يتطرق إلى مآسي إدلب، وكأنها خارج الحدود السورية.

ويؤكد المصبح لـ"العربي الجديد" أن آثار الزلزال المدمر ستبقى لفترة طويلة، لأن الآمال بتعويض السكان أو إعادة الإعمار شبه معدومة، مشيراً إلى ما وصفه بالأمر الخطير، وهو تأثر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية من الزلزال وتراجع المساعدات الإنسانية الدولية، خاصة أن "المناطق المحررة" تأوي نحو خمسة ملايين سوري، والمخيمات تفتقر إلى الأغذية ووسائل التدفئة بجو بارد يشهد عواصف وثلوجا.

في السياق، يقول محمود عبد الرحمن، المسؤول في الشأن الإغاثي من بلدة سرمدا المنكوبة في إدلب، إن علميات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض"صعبة للغاية" وبدأت الآمال بالتلاشي بانتشال البعض نظراً لقلة المعدات ومحدودية الإمكانات.

وتأتي تداعيات الزلزال بينما، أثر تفشي الفقر بشكل كبير على قدرة السوريين لاسيما في شمال البلاد على تأمين احتياجاتهم اليومية من الغذاء والسلع الأساسية، خصوصاً في ظل الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الأسعار. وتعتمد المناطق التي ضربها الزلزال على زراعة الزيتون والحبوب والأشجار المثمرة، وتعتبر الزراعة في ريف إدلب الغربي وحلب الشمالي، أهم موارد الأسر بالداخل السوري والغذاء الذي يمد الأسواق بالسلع.

بدوره، أكد المصطفى بنلمليح، المنسق المؤقت للأمم المتحدة في سورية، أن الأضرار التي لحقت بالطرق ونقص الوقود والطقس الشتوي القاسي كلها عوامل تعرقل الإغاثة. وأدى الزلزال الضخم إلى اندفاع الناس إلى الشوارع بلا مأوى. وقال بنلمليح لرويترز: "البنية التحتية متضررة والطرق التي اعتدنا استخدامها في الأعمال الإنسانية تضررت، وعلينا أن نكون مبدعين في كيفية الوصول إلى الناس".

ورغم الأضرار الواسعة التي تعرضت لها تركيا، إلا أن عمليات رفع الأنقاض والحد من آثار الخسائر تجري على مدار الساعة. وبحسب المدير العام لإدارة الحد من المخاطر في إدارة الكوارث والطوارئ التركية، أورهان تتار، تسبب الزلزال في انهيار 5775 مبنى وتصدع الآلاف.

كما قال محمد كامل ديميريل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول لـ"العربي الجديد" إن كامل الخسائر لم تحص بعد، ولكن بلغ عدد من تأذى بشكل مباشر من الزلزال نحو 13.5 مليون شخص، بعد الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية، بما فيها منشآت حكومية كبرى.

وأضاف ديميريل أن ميناء اسكندرون الذي شوهد حريقاً به، يوم الاثنين الماضي، لم يزل معطلاً مقدراً خسائر تعطل التصدير للخارج وخسائر العقود والممتلكات الأولية بنحو 1.5 مليار دولار، مشيرا إلى أن الأضرار لحقت بشبكات الاتصالات والغاز والكهرباء، حيث جرى وقف الامدادات في أكثر من ولاية، فضلا عن استمرار توقف العمل في ثلاثة مطارات جنوبي البلاد "هاتاي، ملاكية، اديمان" لما لذلك من تأثيرات اقتصادية، على نقل الركاب والبضائع لمنطقة توصف بعصب تركيا الزراعي.

اعفاء المقترضين من الأقساط لمدة ستة أشهر

ولفت إلى أن هيئات الإغاثة الحكومية التركية قدمت 250 مليون ليرة كمساعدات عاجلة لمتضرري الزلزال، إضافة إلى اعفاء جميع المقترضين من دفع الأقساط لمدة ستة أشهر والفوائد المترتبة عليها خلال تلك الفترة.

وتابع أنه "وفق تأكيد الرئاسة التركية فإنه سيجري تعويض كل المتضررين، بمعنى أن الدولة ستعوض متضرري المنازل والسيارات والأعمال الزراعية والصناعية والخدمية، خلال ثلاثين يوماً من تقدير الأضرار".

كانت تركيا قد أصدرت ما بعد زلزال عام 1999، قراراً بإحداث شركات تأمين الكوارث الطبيعية، وفرضت على جميع الشركات الإنشائية أن تكون العقارات والمجمعات السكنية مطابقة للمعايير العالمية من أجل تخفيف أضرار الزلازل في حال حدوثها، كما فرضت على المستثمرين المحليين والأجانب الراغبين في شراء عقارات الحصول على وثيقة تأمين الزلازل، وذلك من أجل تعويضهم مادياً، وتخفيف الأعباء عنهم وضمان إعادة بناء العقارات المهدمة.

وحول توقف المشاريع الكبرى والأعمال التجارية في جنوبي تركيا، أشار ديميريل إلى تعرضها لشلل شبه تام، لأن الأولوية لإغاثة السكان وانتشال العالقين تحت الأنقاض. وتشهد الأسواق التركية، جموداً بسبب الزلزال الذي طاولت آثاره عشر ولايات جنوبي وشرقي تركيا، إضافة إلى عواصف ثلجية تضرب إسطنبول ومدنا كبرى أخرى، لكن الليرة التركية عاودت تعافيها، أمس الثلاثاء، مسجلة 18.829 ليرة للدولار، بعد أن تراجعت إلى 18.844 ليرة مقابل الدولار، يوم الاثنين الماضي.

وقدر الخبير الاقتصادي التركي، خليل أوزون الخسائر "بمليارات الدولارات، إذا ما أخذنا حجم الأضرار في قطاعات البناء والزراعة والصناعة والسياحة والتصدير"، موضحا لـ"العربي الجديد" أن ولايات جنوب تركيا، هي الأهم في زراعة الحبوب أولاً ومن ثم الأشجار المثمرة كالزيتون والفستق والحمضيات، كما أنها تستقطب ملايين السياح، نظراً لقدمها ووجود أثار تاريخية بها، مشيراً إلى تأذي قلعة غازي عنتاب التاريخية جراء الزلزال.

وتعول تركيا على السياحة والصادرات لتحقيق حلمها التنموي وبلوغ مصاف العشرة لكبار، حيث استقطبت العام الماضي نحو 47 مليون سائح بعائدات تعدت 46.2 مليار دولار. وتعول هذا العام، بحسب تصريحات محمد إيشلر، نائب رئيس اتحاد المشغلين والعاملين في قطاع الفندقة لوكالة الأناضول مؤخراً على استقطاب 53 مليون سائح خلال عام 2023.

ووصف المختصون، الزلزال بأنه الأكبر في تاريخ المنطقة، ولا يقترب منه في القوة سوى زلزال أرزنجان الذي حدث في شمال شرق تركيا عام 1939، والذي تسبب في أضرار كبيرة في ذلك الوقت.

التداعيات تطاول أسعار النفط العالمية

وأكد خبراء أن العالم شهد العديد من الزلازل القوية خلال السنوات الماضية، لكن قرب هذا الزلزال من مناطق التمركز السكاني، تسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا. وكشف وزير البيئة مراد كوروم، أمس، أن الزلزال أثر بشكل مباشر على 13.5 مليون مواطن.

وطاولت آثار الزلزال المدمر، أسعار النفط العالمية التي ارتفعت، أمس، بعد التوقف المؤقت لميناء "جيهان" التركي الذي يصدر نحو مليون برميل يومياً، وبفعل مخاوف الإمدادات بعد اغلاق محطة التصدير الرئيسية في تركيا على نحو غير متوقع، وسط زيادة التوقعات بانتعاش الطلب في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم.

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت نحو 1.1 دولار، أو 1.37%، إلى 82.2 دولارا للبرميل صباح، أمس، في حين صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأميركي 1.12 دولار، أو 1.51%، إلى 76.23 دولارا للبرميل.

المساهمون