إجراءات حكومية تخنق صناعة النسيج السورية

07 أكتوبر 2021
استيراد الأقمشة ينذر بموت صناعة النسيج بسورية (فرانس برس)
+ الخط -

أصدرت حكومة نظام بشار الأسد قراراً ثانياً من شأنه، بحسب متخصصين، القضاء على صناعة النسيج في البلاد. إذ بعد موافقة رئيس الحكومة حسين عرنوس على توصية اللجنة الاقتصادية، السماح باستيراد مادة القطن المحلوج للقطاع العام والصناعيين، أعلنت وزارة الاقتصاد موافقتها على استيراد الأقمشة.
ويختصر الصناعي محمد عوض من مدينة حلب القرار بأنه "من الأفضل ألا ننتج النسيج طالما سمحوا باستيراد الأقمشة المسنرة"، واصفاً القرار بالمدمر لصناعة النسيج السوري، وأن وزارة الاقتصاد "ستحول الصناعيين إلى تجار يستوردون حاجتهم من الأقمشة بأسعار أقل بعد زيادة تكاليف الإنتاج المحلي".
ويضيف الصناعي المتخصص في النسيج والأقمشة لـ"العربي الجديد" أن "كل دول العالم تدعم صناعاتها العريقة، والتي تستثمر المواد الأولية وتشغل أيدياً عاملة، ولا تنظر إلى السعر خلال المقارنة بين توطين المنشآت والاستفادة من القيم المضافة للمواد الأولية، وصناعة الغزل والنسيج كانت تشغل قبل الحرب نحو 20 في المائة من الأيدي العاملة بسورية، لكنها تتهدم تباعاً بسبب تراجع إنتاج القطن وتهديم المنشآت وهجرة كبار الصناعيين بهذا القطاع إلى مصر".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويكشف مدير عام مؤسسة النسيج السابق (حكومية) سمير رمان أن قرارات حكومة بشار الأسد "تستسهل حل أزمة أم الصناعات السورية، فهي تبحث عن الحلول الجاهزة، بدل إعادة إحياء هذا القطاع"، معتبراً أن الحلول لا بد أن تكون من منظور اقتصادي، بالتعاون بين القطاعين العام والخاص ومشاركة رابطة المصدرين.

ويلفت لـ "العربي الجديد" إلى أنه "توجد خطط ودراسات تحدد السلسلة الإنتاجية من القطن إلى المنتج النهائي، متضمنة التكاليف وعدد المعامل اللازمة وعدد العمال الذين تستوعبهم ونوعية الإنتاج ومشاركة القطاع الخاص به، والتسهيلات الاستثمارية والتشريعية اللازمة للتنفيذ، ولكن للأسف لم يتم الأخذ بها".

الحرب أغلقت أكبر 20 منشأة غزل ونسيج سورية، كما هجرت كبرى شركات النسيج الخاصة من مدينة حلب

ويضيف رمان أن "وزارة الصناعة وضعت منذ خمسة أعوام خطة إسعافية، ورصدت بحسب تصريحاتها اعتماداً بقيمة 3.3 مليارات ليرة سورية، ولكن بدلاً من تنفيذ الخطة الإسعافية، رأينا قرار السماح باستيراد القطن ومن ثم الأقمشة، ولا نستبعد استيراد الألبسة لاحقاً ليتم الإجهاز على صناعة النسيج السوري".
إغلاق 20 منشأة
ويشير المدير العام السابق، إلى أن الحرب أغلقت أكبر 20 منشأة غزل ونسيج سورية، كما هجرت كبرى شركات النسيج الخاصة من مدينة حلب، معتبراً قرار استيراد القطن والغزل واليوم استيراد "الأقمشة المسنرة" "سيكولير" ينذر بموت صناعة النسيج بسورية.
وتراجع إنتاج القطن في سورية من نحو 1.3 مليون طن في تسعينيات القرن الماضي، إلى 120 ألف طن هذا العام، جراء زراعة 32 ألف هكتار، ما أوقع ما تبقى من منشآت الغزل والنسيج وصناعة الألبسة، بعجز تأمين الخيوط القطنية. لتوافق حكومة بشار الأسد، ولأول مرة بالتاريخ الحديث، على استيراد القطن المحلوج والخيوط ومن ثم الأقمشة.
وتدور حرب "حيتان الصناعيين والتجار" بسورية اليوم، بحسب وصف الاقتصادي علي الشامي الذي أكد خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن الموضوع مصالح شخصية، ولا أحد ينظر للمصلحة العامة أو الحفاظ على صناعة النسيج، كاشفاً أنه منذ يونيو الماضي والقرار يدور بأروقة وزارة الاقتصاد، فالتجار يحرصون على الاستيراد لتحقيق الأرباح "لجنة الاستيراد بغرفة تجارة دمشق"، في حين يعتبر الصناعيون أن الاستيراد قرار مدمر، ويؤكدون أنه يوجد بمدينة حلب فقط 1200 منشأة تنتج الأقمشة المسنرة، وتمد الورش ومنشآت النسيج بـ100 نوع، لكن التجار يردون بأن ثمة ألف نوع عالمي من الأقمشة المسنرة ولا ضير من استيرادها، كما أن منشآت الغزل تحتكر المادة، وتتحكم بالورش الصغيرة الممنوعة من الاستيراد والملتزمة باستجرار مادتها من المنشآت السورية بأغلى بنسبة 20% من المستورد.

دور غائب

وحول دور الحكومة بحماية صناعة النسيج ودعم الصناعيين لتخفيض التكاليف، يرد الشامي "هذا آخر ما تفكر فيه حكومة الأسد اليوم، يوجد مافيات وتضارب مصالح والغلبة لمن يدفع".
وتعاني سورية من تراجع إنتاج القطن، فضلاً عن تهديم منشآت الغزل والنسيج وهجرة أرباب هذه الصناعة إلى تركيا ومصر، ما دفع حكومة الأسد لرفع سعر كيلو القطن هذا الموسم، ألف ليرة سورية عن السعر المحدد في آذار/مارس الماضي، لتكسر سعر الإدارة الذاتية التي رفعت السعر إلى 1950 ليرة، بهدف استجرار أكبر كمية من الإنتاج للموسم الحالي.
وحددت حكومة الأسد سعر شراء الكيلوغرام الواحد من محصول القطن المحبوب من الفلاحين لموسم 2021 بمبلغ 2500 ليرة سورية "واصلاً إلى مؤسسة تسويق الأقطان الحالية"، وذلك بعد رفع "الإدارة الذاتية" التي تسيطر على أهم مناطق إنتاج القطن، بمحافظات الحسكة والرقة شمالي شرق سورية، الأسعار عن العام الماضي.

المساهمون