تعيش حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أزمة مالية خانقة منذ الانقلاب العسكري في مصر 3 يوليو/تموز عام 2013، وما تبعه من إجراءات أضرت بقطاع غزة المنهك، وتزامن ذلك مع حصار الاحتلال الإسرائيلي، ما فاقم الأزمة خلال الأشهر القليلة الأخيرة، واضطرت الحركة معها إلى سلسلة من القرارات من أجل التخفيف من حدة الأزمة.
وكان النظام المصري أعلن عن خطة لهدم الأنفاق على الحدود الواصلة بين سيناء (شمال شرقي مصر) وغزة بحجة استخدامها في تهريب الأسلحة ساهمت في تفاقم التفجيرات والاضطرابات الأمنية، وكانت غزة تعتمد على الأنفاق في الحصول على احتياجاتها من الوقود والسلع الغذائية.
وعمدت الحركة أخيراً إلى فرض سلسلة من الخصومات بنسبة تقدر بـ 10% من إجمالي
الرواتب الشهرية التي تدفعها لموظفيها العاملين ضمن مؤسساتها المختلفة الحالية، ومنها الإعلامية والسياسية والخدمية، في الوقت الذي تدفع لهم نصف راتب فقط منذ أشهر، إلى جانب إجراءات تقشفية للتعامل مع الأزمة والتعايش معها.
وتبدو الأزمة أكثر وضوحاً في ظل عدم قدرة الحركة على صرف رواتب بشكل منتظم لموظفي حكومة غزة السابقة التي كانت تقودها، ولجوئها إلى سن قانون ضريبة "التكافل" على التجار والشركات الخاصة في محاولة منها لتوفير سيولة مالية تؤمن من خلالها رواتب للموظفين ونفقات تشغيلية للوزارات والهيئات الحكومية في ظل تنصل حكومة التوافق من ملف موظفي غزة وتعاملها معهم على أنهم موظفين "غير شرعيين".
ولا تزال أزمة رواتب الموظفين الذين عينتهم "حماس" بعد سيطرتها على قطاع غزة في 2007 تراوح مكانها، في ظل معاناة تتفاقم لأكثر من 40 ألف موظف عسكري ومدني باتوا بديلاً يقدم الخدمة للغزيين بعدما أصدرت السلطة الفلسطينية أوامرها لموظفيها في القطاع بالتوقف عن أعمالهم.
وترفض حكومة التوافق الوطني التي جرى تشكيلها باتفاق بين "حماس" و"فتح" حتى الآن إيجاد حلول منصفة للموظفين في غزة، ولا تزال ترى أنهم "غير شرعيين" وتطالب بعودة موظفي السلطة السابقين لأعمالهم ومن ثم البحث في ملف الموظفين الذين عينتهم "حماس"، وهو ما ترفضه الحركة.
وينص اتفاق المصالحة الفلسطينية على تشكيل لجنة إدارية قانونية تجمع بين خبراء إداريين وقانونيين يقومون بوضع آليات لمعالجة أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي أغلقت أو صودرت لما كانت عليه قبل 14 يونيو/حزيران 2007 في الضفة الغربية وقطاع غزة والعمل على إعادة ممتلكاتها وتعويضها عن خسائرها والنظر في تعيينات الموظفين وترقياتهم ووقف الراتب والتنقلات في المؤسسات والإدارات الحكومية والمراسيم والقرارات الرئاسية والحكومية المختلف عليها.
ويقول القيادي في حركة "حماس" والنائب عنها في المجلس التشريعي الفلسطيني، يحيي موسى لـ"العربي الجديد" إنّ تخلي الرئيس محمود عباس وحكومة التوافق عن مسئولياتهم تجاه قطاع غزة، أدى لتحمل الحركة الإسلامية كافة الأعباء المالية بالقطاع.
اقرأ أيضاً: الأزمة المالية تهدد بإيقاف مركبات الأمن الفلسطيني
ويشير موسى إلى قيام حركة "حماس" بتوفير المخصصات المالية للمؤسسات الحكومية بغزة،
ما أدى لإرهاق موازنة الحركة في الفترة الأخيرة، في ظل تخلي السلطة الفلسطينية عن دورها
تجاه الموظفين والوزارات الحكومية المختلفة في القطاع.
ويلفت موسى إلى أنّ "حماس" كما العديد من الدول والأحزاب في المنطقة العربية تتأثر بالتغيرات الحاصلة لا سيما على الصعيد المالي، مستدركاً: "لكن الحركة قادرة على توفير الأموال عبر مصادرها الخاصة التي تعتمد عليها".
ويحمل موسى الرئيس الفلسطيني مسؤولية تردي الأوضاع المالية للقطاع بفعل الإجراءات التي تقوم بها حكومة التوافق وعدم توفير أية خدمات لغزة رغم تحصلها على ضريبة المقاصة على البضائع والسلع الموردة للقطاع والتي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، على حد قوله.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي نهاد نشوان لـ"العربي الجديد"، إنّ الحروب المتلاحقة على القطاع وهدم الأنفاق التي كانت تعتبر شريان الحياة للقطاع المحاصر أدى لتفاقم الأزمات المالية ليس على صعيد حماس فقط، بل إنّ الأزمة طاولت فصائل ومؤسسات أخرى.
ويبين نشوان أنّ متغيرات الأوضاع في المنطقة العربية وحالة التوتر بين النظام المصري الحالي وحماس أحد أسباب الأزمة المالية خصوصاً بعد إقامة المنطقة العازلة على الحدود بين مصر وغزة.
ويلفت إلى أنّ توتر العلاقة مع إيران ومحاولتها فرض أجندة سياسية على الحركة ورفض الأخيرة لها يعتبر من مسببات الأزمة المالية أيضاً.
ويشير نشوان إلى أنّ الأزمة المالية بلغت ذروتها في ظل الواقع الاقتصادي المتردي بالقطاع
المحاصر منذ نحو تسع سنوات وإغلاق المعابر والدمار الكبير والهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية الأخيرة الصيف الماضي، لافتاً إلى إقدام الحركة على القيام على سلسلة من الإجراءات التقشفية داخل مؤسساتها عبر خصومات مالية غير مستردة من موظفي مؤسساتها المتنوعة، بالإضافة إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة ومحاولة الاعتماد على مصادر تمويل داخلية.
وحول الخيارات التي قد تتبعها الحركة ضمن محاولاتها الحثيثة للخروج من عنق الزجاجة، قال نشوان إن هناك خيارات سياسية تتمثل في الانفتاح على السعودية أو التوجه نحو الانفصال بشكل كلي عن الاحتلال الإسرائيلي وتشغيل الميناء باتفاق مسبق أو اللجوء للخيار العسكري والدخول في مواجهة جديدة مع الاحتلال.
وتأتي أزمة حماس المالية، كجزء من أزمة قطاع غزة ككل، الذي يعاني وضعا اقتصاديا بات على "حافة الانهيار"، وفق تحذير أطلقه البنك الدولي أول من أمس، الذي قال إنّ معدل البطالة في القطاع هو الأعلى في العالم.
وأقر البنك الدولي بأن اقتصاد غزة تضرر بشدة نتيجة الصراع، وخاصة في مجالات الزراعة والإنشاءات والصناعة، موضحاً أن 43% من سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة عاطلون عن العمل، وأن نسبة البطالة بين الشباب ارتفعت إلى نحو 60% بنهاية العام الماضي.
اقرأ أيضاً:
روشتة صندوق النقد السامة
عُمرة الغزيين..إغلاق رفح يكبد شركات الحج خسائر طائلة
عُمرة الغزيين..إغلاق رفح يكبد شركات الحج خسائر طائلة