أيهما أصدق عن ركود الاقتصاد الأميركي... سوق العمل أم طلبات الشحن؟

07 اغسطس 2024
هل يقترب شبح الركود من الاقتصاد الأميركي- كاليفورنيا 6 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تقرير الوظائف وتأثيره على سوق العمل**: تقرير الوظائف لشهر يوليو أظهر ارتفاع البطالة إلى 4.30% وزيادة العمال المرتبطين هامشيًّا بمعدل 247 ألف وظيفة، مما يثير مخاوف من ركود اقتصادي.

- **طلبات الشحن والاقتصاد العالمي**: فينسنت كليرك من ميرسك أشار إلى قوة الطلب على الشحن واستقرار الاستهلاك الأميركي، رغم ارتفاع مخزونات تجارة التجزئة والتوترات الجيوسياسية.

- **آراء الخبراء حول الاقتصاد الأميركي**: خبراء مثل تورستن سلوك يرون أن ردود الفعل مبالغ فيها، مع استمرار الإنفاق الاستهلاكي، ويعتقدون أن بنك الاحتياط الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة إذا استمرت الاتجاهات الحالية.

أثارت المخاوف من احتمال دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، التي أشعلها تقرير الوظائف المخيب للآمال يوم الجمعة، حالة من الفوضى في أسواق الأسهم الأميركية والعالمية، على حد سواء، خاصة مع تضارب الأنباء الواردة من سوق العمل مع طلبات شحن السلع الأميركية، وهو ما زاد من حالة عدم اليقين التي غطت الأسواق، على مدار الأشهر الأخيرة.

وارتفع معدل البطالة في يوليو/تموز إلى 4.30% للمرة الأولى منذ عام 2021، ولكن الأهم من ذلك، ووفقًا لمكتب إحصاءات العمل، فإن ما يسمى بالعمال المرتبطين هامشيًّا، أي المتاحين للعمل ويريدون وظيفة، لكنهم لم يبحثوا عن وظيفة في الأسابيع الأربعة التي سبقت المسح، زاد عددهم بمعدل 247 ألف وظيفة، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة،  وفقًا لتحليل أجراه علي بوستامانتي، خبير اقتصاد العمل ومدير برنامج قوة العمال والأمن الاقتصادي في معهد روزفلت، وهو مركز أبحاث ليبرالي مقره مدينة نيويورك.

ويقول المركز إن الأشخاص في هذه الفئة معرضون لخطر التحول إلى "عمال منفصلين"، أو مشاركين ينسحبون تمامًا من قوة العمل، سواء كان ذلك بسبب الأجور المنخفضة للغاية، أو بسبب المنافسة الشديدة. وقام بوستامانتي بتقييم العمال المرتبطين هامشيًّا، بالإضافة إلى العمال العاطلين عن العمل كمجموعة، التي يشير إليها مكتب إحصاءات العمل باسم U-6. وقال "إنها علامة تحذير" لسوق العمل. وقال نيك بانكر، مدير الأبحاث الاقتصادية لأميركا الشمالية في شركة التوظيف Indeed Hiring Lab، في مذكرة، إن الزيادة المستمرة في عدد العمال المرتبطين بشكل هامشي ستكون مؤشرًا سلبيًّا لسوق العمل في الولايات المتحدة. وقال إنها علامة على أن الناس يريدون وظيفة، لكنهم يواجهون صعوبة في العثور عليها.

الاقتصاد الأميركي ومرحلة جديدة لسوق العمل

ومع ذلك، يعتقد الخبراء أنه قد يكون من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان قطاع العمال المرتبطين بشكل هامشي سيستمر في النمو، وبمثل هذه الوتيرة السريعة. وقال بانكر: "إذا كان هناك زيادة مستمرة في عدد العمال المرتبطين بشكل هامشي، فسيكون ذلك أمرًا مثيرًا للقلق. لكنني لا أرى زيادة مستدامة في الوقت الحالي". وقالت تيريزا جيلاردوتشي، خبيرة اقتصاد العمل وأستاذة الاقتصاد في كلية نيو سكول للأبحاث الاجتماعية، لموقع Moneyreport: "هذه الفئة سننظر فيها حقًا في الشهر المقبل".

وقالت جيلاردوتشي، التي تشغل أيضًا منصب مدير مركز شوارتز لتحليل السياسات الاقتصادية ومختبر المساواة في التقاعد في جامعة نيويورك، إن القفزة قد تعكس أيضًا تصحيحًا بعد تقارير الوظائف الأقوى بكثير من المتوقع في الأشهر الثلاثة الماضية. وأوضح بوستامانتي في تقريره أن نمو الوظائف بدأ يتباطأ مع بحث المزيد من الأشخاص عن وظائف وزيادة المنافسة على الوظائف المتاحة، مما يُظهر "مرحلة جديدة" محتملة في السوق.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وقال بوستامانتي: "في مرحلتها الجديدة، تظل سوق العمل الأميركية قوية ولكن العمال يواجهون منافسة أكبر بكثير على الوظائف المتاحة مقارنة بالعام الماضي. وهذا يعني أن العمال الحاليين يغيرون وظائفهم بشكل أقل كثيرًا وأن الوافدين الجدد إلى قوة العمل يواجهون عمليات بحث أطول عن وظائف".

الاقتصاد الأميركي وطلبات الشحن

وعلى الجانب الآخر، قال فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة الشحن العملاقة ميرسك، التي تعتبر مقياسًا للتجارة العالمية، اليوم الأربعاء إن الشركة لا ترى علامات على ركود الاقتصاد الأميركي أو العالمي، حيث لا يزال الطلب على الشحن قويًّا. وقال كليرك لبرنامج لشبكة سي أن بي سي الاقتصادية اليوم الأربعاء: "لقد رأينا في العامين الماضيين، أن سوق حاويات الشحن ظلت مرنة بشكل مدهش في مواجهة كل المخاوف من الركود التي حدثت"، مضيفًا أن الطلب على الحاويات كان بشكل عام مؤشرًا جيدًا على قوة الاقتصاد الأميركي والعالمي.

وقال كليرك إن البضائع الأميركية المخزنة قبل التسليم أو المعالجة "أعلى مما كانت عليه في بداية العام، لكنها ليست عند مستوى مثير للقلق، أو ما يمكن أن يشير إلى تباطؤ كبير في المستقبل القريب"، على الرغم من ملاحظة عدم القدرة على التنبؤ بالأعداد للشركات التي تجدد المخزونات. وأضاف: "ننظر أيضًا إلى أوامر الشراء من العديد من تجار التجزئة والعلامات التجارية الاستهلاكية التي تحتاج إلى الاستيراد من الولايات المتحدة للشهر القادم من الطلب، ويبدو أنها لا تزال قوية جدًّا، وعلى الأقل يبدو أن البيانات والمؤشرات التي لدينا تشير إلى مستوى جيد من الثقة في أن مستويات الاستهلاك الحالية في الولايات المتحدة ستستمر".

ومع التصعيد المفاجئ في المخاوف بشأن الركود في أكبر اقتصاد في العالم، في أعقاب نشر بيانات الوظائف الأضعف من المتوقع، انقسم خبراء الاقتصاد والمشاركون في السوق. وكانت مخزونات تجارة التجزئة الأميركية، التي يمثل ارتفاعها مؤشراً غير مرغوب فيه، في مايو/أيار أعلى بنسبة 5.33% عن العام الماضي عند 793.86 مليار دولار، وفقًا لأحدث إصدار من مكتب الإحصاء الأميركي. وقال تقرير أصدرته منصة التأجير Container xChange اليوم الأربعاء، إن المؤشرات تشير إلى أن المخزونات أعلى من الطلب، مما يعني "وقتًا أقل ازدهارًا" في الأشهر المقبلة لتجار الحاويات وسوق الخدمات اللوجستية وتجار التجزئة الذين قاموا بتخزين البضائع.

وقال كليرك، من شركة ميرسك، إن الشركة فوجئت بمرونة أحجام الحاويات على مدار السنوات القليلة الماضية، وقال إنها تتوقع استمرار ذلك في الأرباع المقبلة، دون أي مؤشر على أن الاقتصاد الأميركي أو العالمي يتجه نحو منطقة الركود. وتابع أن الصادرات الصينية كانت المحرك وراء أحجام الحاويات القوية، حيث زادت الحصة العالمية من الحاويات القادمة من الصين أو المتجهة إليها. وفي عام 2022، كانت لدى الشركة الدنماركية توقعات أكثر كآبة بشكل ملحوظ، محذرة من تأثير التضخم على الطلب، وتهديد الركود العالمي، وأزمة الطاقة الأوروبية والحرب في أوكرانيا.

وأدى مزيج من هذه العوامل إلى انخفاض أسعار الشحن في عام 2023، مما أدى إلى انخفاض أرباح ميرسك. ولكن هذا الاتجاه انعكس جزئيًّا هذا العام وسط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في البحر الأحمر، مما دفع شركات الشحن إلى تحويل طرق التجارة حول الساحل الجنوبي لأفريقيا، وتسبب في إطالة أوقات الرحلة، وإخراج بعض القدرات الإنتاجية من النظام العالمي.

وقال كليرك لشبكة سي أن بي سي، يوم الأربعاء، إنه يتوقع أن يستمر تحويل السفن بعيدًا عن البحر الأحمر حتى نهاية العام على الأقل. وقال: "هذا بالطبع يتطلب المزيد من القدرات، والمزيد من السفن من أجل نقل التجارة العالمية حول العالم، وقد خلق ذلك بعض النقص هنا في الربع الثاني وفي الربع الثالث الذي نتعامل معه في الوقت الحالي". وأضاف: "هذا يعني، في الأمد القريب، تكلفة أعلى، وكان علينا أن نتحمل تكلفة كبيرة نتيجة لذلك، سواء من حيث الحاجة إلى المزيد من السفن أو الحاجة أيضًا إلى المزيد من الحاويات للقيام بالمهمة المتوقعة منا".

الاقتصاد الأميركي في أعين الخبراء

ويعتقد العديد من خبراء الاقتصاد واستراتيجيي الأسواق أنه في حين ارتفعت مخاطر الركود وسط ضعف البيانات الاقتصادية، فإن الأيام القليلة الماضية من تحركات الأسواق أظهرت بعض المبالغة في ردات الفعل. وأمس الثلاثاء، قال كبير خبراء الاقتصاد في شركة أبولو غلوبال مانجمنت لإدارة الاستثمارات، تورستن سلوك، لموقع ياهو فاينانس، إن السوق "تضع في الحسبان الكثير من التخفيضات في سعر الفائدة"، مشيرًا إلى أن بعض المستثمرين سارعوا إلى تسعير أكثر من أربعة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024 بعد صدور تقرير وظائف يوم الجمعة، ارتفاعًا من الثلاثة التي شوهدت بعد اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي آخر الشهر الماضي، "حتى إن بعض المعلقين في السوق اقترحوا قيام بنك الاحتياط الفيدرالي بخفض الفائدة قبل اجتماعه في سبتمبر". 

وأضاف سلوك أنه نظرًا للتقلبات الشديدة التي شهدتها رهانات السوق على تخفيضات بنك الاحتياط الفيدرالي على مدار جلسات التداول الأخيرة، فيجب على المستثمرين أن يأخذوا ما تتوقعه السوق بحذر. وأشار إلى البيانات التي تظهر أن المستهلكين ما زالوا ينفقون على أنشطة مثل الرحلات الجوية، وتناول الطعام في الخارج، والإقامة في الفنادق، لإثبات أن المستهلك لا يُظهر سوى القليل من علامات التراجع في هذه المرحلة. وقال: "في كل الأحوال، لا يوجد دليل كبير على أن الاقتصاد إما في حالة ركود، أو أنه في طريقه إلى الدخول في حالة ركود".

وكان الجزء الأكثر إزعاجًا في تقرير الوظائف لشهر يوليو هو ارتفاع معدل البطالة، مما أدى إلى ظهور مؤشر ركود تجري متابعته من كثب. كما أظهر التقرير تباطؤ مكاسب الوظائف الشهرية إلى ثاني أدنى مستوى لها منذ عام 2020. ولكن بالنسبة لخبير الاقتصاد الأميركي الكبير في "دويتشه بنك" بريت رايان، لا يزال التقرير يروي القصة نفسها عن سوق العمل "المدعومة بنقص عمليات التسريح بدلاً من التوظيف القوي". وقال رايان: "إن تكوين ارتفاع البطالة مختلف نوعًا ما عما تراه عادةً في بداية الركود".

وزعم رايان أن معدل البطالة ارتفع إلى حد كبير بسبب زيادة المعروض من العمالة، وهم الأشخاص الذين دخلوا سوق العمل لأول مرة أو عادوا للتو إلى العمل، وليس بسبب زيادة حالات التسريح الدائمة. وقال: "لا نريد أن نبالغ في ردة الفعل إزاء نقطة بيانات واحدة، لذا فمن المؤكد أن المخاطر ارتفعت، مما يشير إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي سوف يبدأ بوتيرة أكثر عدوانية في خفض أسعار الفائدة، لكننا لم نصل إلى هذه النقطة بعد".

 

المساهمون