أين يتجه سعر النفط؟

09 ديسمبر 2021
المتحور أو ميكرون يدفع أسعار الخامات للهبوط (getty)
+ الخط -

على الرغم من قرار (أوبك +) أخيرا بزيادة إنتاج النفط اليومي بمقدار 400 ألف برميل (أو أقل من نصف في المئة من مجموع إنتاج "أوبك" وحدها)، فإن الأسعار هبطت يوم السبت الماضي إلى 66,26 دولاراً للبرميل، حسب أسعار مؤشّر غرب تكساس (WTI)، وإلى 69,88 دولاراً لسعر مزيج برنت، ولأول مرة دون السبعين دولاراً منذ أسابيع.

ويُعزى السبب الرئيسي لهبوط سعر النفط الخام إلى ارتفاع حصيلة الإصابات بالمتحوّر الجديد للفيروس كوفيد – 19. وبحسب المصادر الطبية الأميركية والأوروبية ومنظمة الصحة العالمية، فإن متحوّر "أوميكرون" الجديد سريع الانتشار، ولن يحول إغلاق الحدود دون انتشاره.
وفي ظل نقص المعلومات عن هذا المتحوّر وتقدير خطورته، وعن مدى نجاعة المطاعيم المتداولة في تحديد عدد الإصابات، ومدى خطورته على صحة المصابين، الأطفال خصوصا، سيلجأ العالم إلى الحذر والمنع، حتى تتجلّى الصورة بشكل أكبر.
وبافتراض أن الدول سوف تتخذ إجراءات محلية لتحديد الحركة، وإجراءات خارجية تحول دون دخول مواطني الدول الأخرى، خصوصا مَن صنفت بالحمراء، إلى أراضيها، فسوف يقلّ الطلب على النفط. والنقص في الطلب سيكون له أثر أكبر من أثر مجموع الأسباب التي بُنيت عليها قبل "أوميكرون" التوقعات بزيادة الطلب على النفط.
ولكن مؤسسة "غولدمان ساكس" المصرفية الاستثمارية الأميركية ما تزال تسلك سلوكاً عدائياً (bullish). وفي تقرير لإيرينا سلاف يوم الجمعة الماضي (3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري)، تؤكد المحللة أن تقريراً لوكالة "بلومبيرغ" يقول إن معدّل سعر النفط سوف يبلغ 85 دولاراً عام 2023.

ويُعزى السبب إلى أن منتجي النفط من الصخر الزيتي سيبقون متمسّكين بسلوكهم الحذر والمحافظ إزاء التوسّع في إنتاج النفط، فهم ينتجون بكلف على الحافّة، وأي تراجع في سعر النفط سيكبّدهم خسائر كبيرة إن هم توسّعوا في الإنتاج، وأدّى هذا التوسّع إلى زيادة العرض وخلق فائض نفطي عند النقطة المرنة في أعلى منحنى الطلب، ما يسبّب هبوطاً في سعر النفط بنسبةٍ أعلى من نسبة الزيادة في المعروض منه.
أما السبب الآخر لتوقع ارتفاع أسعار النفط فيعود، حسب التقرير، إلى قدرة الإنتاج لدى منظمة أوبك، والتي ستواجه تحدّي الزيادة في الإنتاج، بحسب اتفاقها مع دول خارج "أوبك"، وعلى الأخص روسيا.
وإذا نجحت الدول في الضغط على "أوبك" من أجل زيادة الإنتاج بمقادير تتجاوز اتفاقها مع دول من خارج أوبك، فإن تلك الدول سوف تزيد الإنتاج مثل "أوبك"، حتى لا تخسر أسواقها، ما سيؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار، ما يقلل من إيرادات مجموعة أوبك بشكل كبير.

التناغم الذي جرى بين موقفي السعودية وروسيا في مجال كميات النفط وأسعاره قد عاد بفوائد واضحة على الطرفين. وفي ضوء بعض التطوّرات المتوقعة، سيصبح تمسّك البلدين بهذا التعاون ضرورة لكليهما أكثر منه خياراً لتحسين الأسعار.

هذه التطورات والمعضلات التي تواجهها منظمة أوبك ليست جديدة. ولكن من الواضح أن التناغم الذي جرى بين موقفي السعودية وروسيا في مجال كميات النفط وأسعاره قد عاد بفوائد واضحة على الطرفين. وفي ضوء بعض التطوّرات المتوقعة، سيصبح تمسّك البلدين بهذا التعاون ضرورة لكليهما أكثر منه خياراً لتحسين الأسعار.
وفي المقابل، ما يزال عام 2023 بعيداً، وقد تحدُث خلال الأشهر المقبلة، والتي تفصلنا عن ذلك العام تطوّراتٌ وأحداثٌ مثل زيادة الطاقة الإنتاجية لكل من العراق وإيران، ومع أن المفاوضات النووية بين إيران (والخمسة+1) قد اصطدمت بحائط الممانعة للدول الخمس، ومنها الولايات المتحدة التي لا تشارك مباشرة في التفاوض، وبحائط ما سمّيت عروض إيران الغامضة وغير الواضحة لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، وإذا حصل أي انفراج في هذا الأمر، فإن قدرة السعودية على فرض إرادتها على "أوبك" ستقل، ولن تستطيع انتزاع قرارٍ يرضي روسيا. ولهذا من الممكن أن تنهار الأسعار.


ولكن على ما يبدو، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل، والآن الدول الأوروبية وحتى منظمة الطاقة الذرية، ترى أن موقف إيران ينطوي على تسويف، وقد توقف التفاوض. فالأمر والحالة هذه مفتوحٌ على كلا الاحتمالين، وعندما تتنبأ بلومبيرغ وغولدمان بأن السعر عام 2023 سيبقى مرتفعاً، فإن المحلل يستطيع أن يقول إن هاتين المؤسستين الماليتين المؤثرتين في أسواق المال والذهب والسندات والأسهم، تراهنان على أن حلاً لمعضلة الطاقة النووية الايرانية لا يظهر في أفقهما، أو على الأسوأ إنهما لا يريدان لهذا الحل أن ينتهي بهذه الطريقة.
والبديل الواضح، والذي يبدو أنه يكتسب أنصاراً أكثر، هو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية بجهد عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وإذا كانت بعض الدول العربية النفطية ترى في هذا الحل مدخلاً فعالاً لحل مشكلاتها في المنطقة، فإنها سوف تبارك ذلك.
وإذا قرّرت فرنسا أن تشارك في هذا الجهد في ضوء أحداث لبنان، وسعي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لتحسين فرص حزبه في الانتخابات المقبلة، فإن أي حربٍ ستكون طويلة الأجل، وذات تشويش كبير على تدفق النفط، ما سيرفع أسعاره إلى فوق المائة دولار.

المنطقة لا تحتاج أي حروبٍ جديدة تجعل الجيران أعداء لعقود طويلة مقبلة، فإن سعر النفط قد لا يرتفع إلى 85 دولاراً، بل سيبقى في حالة صعود إلى فترة قد تمتد شهورا.

ولكن في غياب هذا السيناريو الرهيب، لأن المنطقة لا تحتاج أي حروبٍ جديدة تجعل الجيران أعداء لعقود طويلة مقبلة، فإن سعر النفط قد لا يرتفع إلى 85 دولاراً، بل سيبقى في حالة صعود إلى فترة قد تمتد شهورا.

ما توقعته المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في مؤتمر صحافي عقدته يوم السبت الماضي، بعد انتهاء الاجتماعات المشتركة لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، أن المتحور أوميكرون سيفرض على صندوق النقد الدولي إعادة النظر في تقديراته للنمو الاقتصادي الدولي عام 2021. وقد توقع الصندوق في شهر أكتوبر/ تشرين الأول أن يصل معدل النمو العالمي خلال العام الحالي إلى حوالي 5.9%، وحوالي 4.9% للعام المقبل (2022). وقالت إن هبوطا بسيطا سيحدث هذا العام، ولا ندري كم سيكون العام المقبل.
وذكرت أن الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من معدّلات تضخم مرتفعة قد لا يحقق المعدلات المتوقعة منه، إذا لم تتحسّن معدّلات إيجاد فرص العمل. وحيث إن للاقتصاد الأميركي آثاراً إيجابية على الاقتصاد الدولي، فإن معدل النمو العالمي سوف يهبط.
وقد يكون تضافر أثر كل من أوميكرون والاقتصاد الأميركي ليس كبيراً على تراجع معدلات النمو المتوقعة، ولكن هذا سيعني نمواً أقل في الطلب على النفط. ولكن هل سيكون هذا التراجع كافياً للحد من ارتفاع أسعار النفط عام 2023؟
سؤال يبقى قيد البحث والتحليل.

المساهمون