وبالطبع لن أتحدث هنا عن مليارات الدولارات الأخرى التي قيل إنها ستُضخ كاستثمارات مباشرة في شرايين الاقتصاد المصري عبر تأسيس عشرات المشروعات المشتركة، فهذه الأموال لن تأتي بالسرعة التي يتصورها بعضهم، وقد لا تأتي في حال إخضاعها للمزاج السياسي العام، أو في حال استمرار الأزمات التي تعوق حركة الاستثمار داخل مصر ومنها أزمتا الطاقة واضطرابات سوق الصرف.
وإذا كانت قروض السعودية لمصر، البالغة 23 مليار دولار، ستخصص لتمويل واردات البلاد من المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وغيرها، فإن الجميع فهم أن ملياري الإمارات تمت إضافتهما بالفعل إلى احتياطي البنك المركزي المصري، لمساعدته في احتواء اضطرابات أسواق الصرف الأجنبي، ووقف الزحف المجنون للدولار مقابل الجنيه.
ومن هنا توقع الجميع ارتفاع احتياطي مصر الأجنبي إلى 18.5 مليار دولار بنهاية شهر أبريل/نيسان الماضي مقابل 16.5 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي، وإذا ما أضفنا 450.2 مليون دولار إيرادات إضافية للاحتياطي ناتجة إما عن تراجع الواردات بسبب القيود الشديدة المفروضة عليها، أو من أنشطة الصادرات وتحويلات المغتربين وقناة السويس، فإن رقم الاحتياطي يقترب من 19 مليار دولار، بل وربما يزيد على هذا الرقم، خاصة مع توفير الحكومة المصرية نحو 50% من فاتورة استيراد المشتقات البترولية، ذلك أن السعودية تعهدت بتوفير 700 ألف طن مشتقات بترولية شهريا وهو ما يعادل نصف احتياجات البلاد.
لكن الاحتياطي بلغ 17 مليار دولار حسب أرقام البنك المركزي الصادرة أمس، بأقل من ملياري دولار عن التوقعات السابقة.
وإضافة للتوقعات بزيادة احتياطي مصر من النقد الأجنبي كانت هناك توقعات أخرى بحدوث استقرار ملحوظ في سوق الصرف وسعر الدولار مقابل الجنيه، فالمبلغ الممنوح من الإمارات كان سيعطي البنك المركزي المصري قدرة أكبر على المناورة ومحاربة المضاربين في سوق العملة، كما يعطيه قدرة أكبر على تمويل الواردات الخارجية وتلبية احتياجات المستوردين من النقد الأجنبي.
لكن الأمرين (زيادة الاحتياطي الأجنبي واستقرار سوق الصرف) لم يتحققا، فالاحتياطي زاد بنسبة 2.9% فقط خلال شهر إبريل الماضي، أما الدولار فقد عاود الارتفاع مرة أخرى بعد تراجع مؤقت عقب إغلاق البنك المركزي عدة شركات صرافة، وضياع التأثيرات الإيجابية للزيارات التي قام بها كل من الملك السعودي وولي عهد الإمارات للقاهرة.
نعود لنسأل إذن، أين ذهبت أموال الإمارات والسعودية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة؟
هناك سيناريوهات عدة يمكن طرحها في هذا الشأن، أولها أن المساعدات الخليجية لم تصل بعد، ربما تصل في وقت لاحق، وهذا هو الاحتمال الأقوى، خاصة مع عدم إعلان البنك المركزي المصري حتى الآن عن وصول هذه المساعدات.
وثاني السيناريوهات المطروحة أن المساعدات السعودية والإماراتية وصلت، لكن تم "ركنها على جنب" لأغراض محددة أبرزها سداد الدين المستحق على مصر في بداية شهر يوليو/تموز القادم بقيمة 1.7 مليار دولار منها مليار دولار مستحق لقطر والباقي لدول نادي باريس، وهذا الاحتمال يتنافى مع الأعراف الدولية، ذلك أن أية أموال تصل إلى البنك المركزي تتم إضافتها للاحتياطي الأجنبي والإعلان عنها.
أما الاحتمال الثالث فهو أن الاحتياطي الأجنبي المصري استنزف بشدة خلال شهر إبريل الماضي بسبب قفزات الدولار ومحاولة البنك المركزي التدخل من وقت لآخر لاحتواء صعوده غير المبرر، وبالتالي فإن الأموال الطازجة القادمة من البلدين الخليجيين غطت هذا التراجع، وهذا احتمال ضعيف، خاصة في ظل التضييق الحكومي والمصرفي على حركة الواردات، وهو ما خفف الضغط على سوق الصرف الأجنبي.