أثر تضخم الطاقة الجامح على الصناعة الأوروبية بمختلف تخصصاتها، لكن هناك تهديداً آخر يلوح في الأفق قد يكون أكثر خطورة على حياة عشرات الملايين، إذ تواجه القارة أزمة أسمدة؛ ما يلقي بظلال قاتمة على إنتاج الكثير من الحاصلات الزراعية، لا سيما القمح.
يبدو أن روسيا وبيلاروسيا، وهما من أكبر موردي الأسمدة إلى أوروبا قد انتقمتا من العقوبات الأوروبية بقطع صادرات الأسمدة. إذ تستحوذ روسيا على 45% من المعروض العالمي من نترات الأمونيا، وفقًا لأرقام معهد الزراعة والسياسة التجارية، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية ولديه مكاتب في العديد من العواصم الأوروبية.
كما تمثل روسيا 18% من إمدادات البوتاس (الأملاح المحتوية على مادة البوتاسيوم التي تعد أحد المكونات الرئيسية للأسمدة) و14% من صادرات الفوسفات، وفق أرقام المعهد التي أوردتها صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
وتعد بيلاروسيا كذلك مُصدراً رئيسياً للأسمدة، وخاصة البوتاس. وتخضع منتجات بيلاروسيا لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2021 بسبب مزاعم تتعلق بحقوق الإنسان، بينما لا تخضع الأسمدة الروسية للعقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو بسبب حربها في أوكرانيا منذ فبراير/ شباط الماضي، ورغم ذلك تتعرض أوروبا لصدفة مؤسفة تهدد زراعتها وأمنها الغذائي.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة "يارا إنترناشيونال" النرويجية المتخصصة في بيع الأسمدة: "كانت سلاسل إمداد الأسمدة قائمة على مدار عقود حتى خلال أبرد فترات الحرب الباردة، لكل كل ذلك تغير بشكل جذري في غضون أيام قليلة".
وجاء قطع الإمدادات من روسيا وبيلاروسيا في وقت تعرضت مصانع الأسمدة في أوروبا لضربة قوية بسبب أزمة الطاقة وارتفاع أسعارها.
فقد تسبب تضخم أسعار الطاقة الجامح في إحداث فوضى في النشاط الصناعي الأوروبي، حيث أغلقت شركات أبوابها لا سيما في قطاع التعدين، فيما ينتقل منتجو المواد الكيميائية إلى الولايات المتحدة الأكثر استقراراً في سوق الطاقة رغم التضخم، وفق تقرير لموقع "أويل برايس" الأميركي المتخصص في الطاقة.
وكما هو الحال بالنسبة لسعي الاتحاد الأوروبي للبحث عن بدائل للغاز الروسي، بدأ الاتحاد أيضا في البحث عن إمدادات أسمدة بديلة، لكن لا يبدو أن هناك حلاً فورياً للمشكلة، وقد لا يكون هناك وقت.
وحتى إذا وجدت أوروبا بدائل كافية لجميع واردات الأسمدة الروسية والبيلاروسية، فإن فاتورتها ستتضخم أيضا بطريقة مشابهة لفاتورة الغاز عندما تحولت من خط أنابيب الغاز الروسي إلى الغاز الطبيعي المسال. وهذا سيغذي التضخم في القارة التي تشهد موجات غلاء غير مسبوقة تنذر باضطرابات واسعة.
وزادت الأسعار العالمية للأسمدة الكيميائية ثلاثة أضعاف منذ بداية عام 2021 وحتى منتصف العام الجاري في سابقة هي الأولى من نوعها. وفي أوروبا، بلغت أسعار الأسمدة مستوى تاريخيا لأنها مرتبطة بأسعار الغاز الذي يشكل 90% من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية مثل الأمونيا واليوريا.
وقال بيكا بسونين أمين عام منظمة كوبا-كوجيكا، التي تمثل المزارعين والتعاونيات الزراعية في الاتحاد الأوروبي، إن استهلاك الأسمدة في القطاع الزراعي قد يتراجع بنسبة 10% سنويا بسبب امتناع المزارعين عن شراء الأسمدة نتيجة ارتفاع الأسعار.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن بسونين قوله في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن أغلب المزارعين يعتزمون تقليل كميات الأسمدة التي يستخدمونها والتحول إلى زراعات أقل استهلاكا للأسمدة النيتروجينية في محاولة لخفض تكلفة الإنتاج، مضيفا أن هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مساحة زراعة القمح باعتباره من المحاصيل كثيفة استهلاك الأسمدة النيتروجينية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قال في أغسطس/آب، إن الأسمدة والمواد الزراعية الروسية لا تطاولها العقوبات ويمكن أن تصل بسهولة للأسواق العالمية و"دون أي حواجز"، محذرا من حدوث أزمة غذائية عالمية في العام 2023 إذا لم يتحقق الاستقرار في سوق الأسمدة في العام 2022.