أوروبا تقع في شَرَك السيارات الصينية... محاولات لتقليص الواردات قد تضرب "تسلا" وآخرين
بات التحقيق الذي يجريه الاتحاد الأوروبي في دعم الصين لسياراتها الكهربائية بمثابة مطرقة قد لا تحطم المركبات الصينية التي تغزو دول الاتحاد فحسب، وإنما أيضا سيارات أميركية وأوروبية شهيرة، نجحت الصين في استقطاب شركاتها على مدار السنوات الماضية.
ليست سيارات "بي واي دي" و "إم جي" و"نيو"، وهي الأكثر شهرة في عالم المركبات الكهربائية الصينية، التي تخضع شركاتها للتحقيق الأوروبي، وإنما شركات أميركية وأوروبية ذائعة الصيت يجري تصنيع مركباتها في الصين، في مقدمتها "تسلا" و"بي إم دبليو" الألمانية و"رينو" الفرنسية و"فولفو" السويدية.
ويظهر حجم مبيعات السيارات الكهربائية الصينية مدى القلق الذي يسيطر على الاتحاد الأوروبي من الزحف الواسع للطرازات الصينية لأسواقه. فقد جرى تصدير نحو 450 ألف سيارة كهربائية صينية إلى أوروبا في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وفق أحدث التقديرات، في الوقت الذي أشارت أحدث البيانات الصادرة عن رابطة مصنعي السيارات الأوروبية نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أنه جرى بيع نحو مليون سيارة كهربائية تماما في دول الاتحاد خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2023.
واستفادت شركات صناعة السيارات الصينية من التحول العالمي إلى السيارات الكهربائية، وهو الاتجاه الذي يحظى بدعم قوي في الاتحاد الأوروبي، في ظل سعيه إلى التخلص التدريجي من مبيعات السيارات التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035. وأنتجت الصين في 2022 نحو 7 ملايين سيارة تعمل بالطاقة الجديدة، بما في ذلك السيارات الكهربائية، أكثر من أي دولة أخرى.
وتتخوف بروكسل من أن دعم الدولة الصينية يشوه السوق على حساب شركات صناعة السيارات الأوروبية، ما يُعرض الوظائف للخطر، إلا أن بكين نفت أن التسهيلات التي تقدمها للشركات تؤثر في أسعار المركبات.
ومن المرجح أن يؤدي التحقيق الأوروبي الذي يستغرق إطاراً زمنياً يصل إلى تسعة أشهر تقريباً إلى فرض تعريفات جمركية كبيرة على السيارات الكهربائية الصينية تصل إلى 27%، لتقترب من تلك التي فرضتها الولايات المتحدة بالفعل على نفس المنتجات الصينية، وفق وكالة بلومبيرغ. لكن المطرقة الأوروبية قد تتعرض للرجفة، حينما تتأكد أنها لن تسقط فقط على السيارات الصينية فحسب، وإنما قد تصيب ضرباتها حلفاء أوروبيين وأميركيين.
وظهر اسم شركة "تسلا" أكثر من نظيراتها أثناء التحقيق في تدفق السيارات الكهربائية إلى أوروبا من الصين. وفي مرحلة جمع الأدلة التي انتهت إلى الإعلان المفاجئ نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، عن تحقيق الاتحاد الأوروبي لمكافحة دعم المركبات الكهربائية الصينية، كانت صانعة السيارات الأميركية بين الشركات التي كُشف عن احتمال استفادتها من هذا الدعم.
تسلا وشركات أوروبية ضمن التحقيق
وأكد مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن تسلا وشركات صناعة السيارات الأوروبية التي تُصدر من الصين إلى الاتحاد الأوروبي من المقرر أن تخضع للتدقيق. وقال دومبروفسكيس: "لا يقتصر الأمر على السيارات الكهربائية ذات العلامات التجارية الصينية فحسب، بل يمكن أن يشمل أيضا مركبات منتجين آخرين إذا كانوا يتلقون إعانات في الإنتاج".
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي "منفتح على المنافسة" في قطاع السيارات الكهربائية، لكن "المنافسة يجب أن تكون عادلة"، مشيرا إلى أن الاقتصادات الكبرى الأخرى فرضت بالفعل تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات من الصين.
وكان الخلاف حول المركبات الكهربائية على رأس جدول أعمال المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، خلال رحلته نهاية الشهر الماضي إلى الصين، حيث سعى إلى تحقيق استقرار في العلاقات وتخفيف تداعيات التحقيق التي وصفته بكين بأنه "إجراء حمائي صارخ". لكنه تحدث في ختام رحلته التي استمرت خمسة أيام، عن تعرضه لضغوط مستمرة من نظرائه الصينيين بشأن التحقيق.
ويشعر الاتحاد الأوروبي وكذلك الشركات في القارة العجوز، بالقلق من أن الصين قد تنتقم، رداً على التحقيق. وحذر مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي من استهداف الصين قطاعات محددة في دول معينة في الكتلة. وبجانب الضغط الصيني فإن ضغط شركات مثل تسلا أو كيانات أوروبية تعمل في الصين سيكون حاضراً على الطاولة أيضا.
فقد بدأت "تسلا" تصدير المركبات "موديل 3" المُنتجة بمصنعها في شنغهاي في أواخر عام 2020، بعد أقل من عام من بدء الإنتاج في أول مصنع سيارات لها في الخارج. وبحلول يوليو/تموز 2021، أشارت الشركة إلى المنشأة بصفتها مركزها الرئيسي لتصدير المركبات.
وخلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، باعت "تسلا" حوالي 93700 مركبة مصنوعة في الصين في دول غرب أوروبا، ما يمثل 47% تقريباً من إجمالي مبيعاتها وفقاً لشركة "شميدت أوتوموتيف ريسيرش" للبحوث.
ونالت "تسلا" في الصين مزايا تناضل الشركات العالمية الأخرى للحصول عليها، وكان أبرزها موافقة الدولة على امتلاك الشركة الأميركية الوحدة المحلية بشكل كامل، بدلاً من الاضطرار للدخول مع شريك محلي في مشروع مشترك، كما أن التخفيضات الضريبية والقروض منخفضة الفائدة وصور الدعم الأخرى ساعدت على تحويل الصين إلى أهم سوق لسيارات "تسلا" خارج الولايات المتحدة.
وبعض الشركات الأوروبية، مثل "بي إم دبليو" الألمانية و"رينو" الفرنسية، التي تدير مشروعات مشتركة مع المُصنعين الصينيين، ستُضم أيضاً إلى التحقيق مع كل مُصنعي السيارات الذين ينتجون مركباتهم في الصين ويصدرونها إلى الاتحاد الأوروبي.
الشركات الأوروبية تتأخر عن الركب
وبجانب قلق الاتحاد الأوروبي من المنافسة السعرية التي تضر شركاته، هناك أيضاً مخاوف من تأخر الشركات الأوروبية عن ركب "تسلا" والشركات الصينية فيما يخص تكنولوجيا المركبات الكهربائية والبطاريات، ما يهدد قدرة صناعة السيارات في دول الاتحاد على الاستمرار، كما أن القطاع يوفر نحو 14 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
ويتم تصنيع حوالي خمس السيارات الكهربائية المباعة في أوروبا في الصين. وفي النصف الأول من العام الجاري، شكلت السيارات صينية الصنع نحو 11.2% من السيارات الكهربائية المباعة في ألمانيا على سبيل المثال، وفقا لموجز أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في الولايات المتحدة الشهر الماضي.
ووفق بيانات المركز فإن حوالي 91% من تلك السيارات كانت من علامات تجارية أوروبية مملوكة للصين مثل "إم جي" البريطانية، المملوكة لشركة "سايك" الصينية، أو "بوليستار" التابعة لشركة فولفو السويدية، أو من مشاريع مشتركة بين شركات أوروبية وصينية مثل " Dacia Spring" أو" Smart".
وقالت الجمعية الصينية لمصنعي السيارات، إنها تتوقع أن يكون الاتحاد الأوروبي حكيماً في تحقيق مكافحة الدعم للمركبات الكهربائية الصينية تجنباً لتقويض زخم التنمية المتبادلة المنفعة في السلاسل الصناعية للجانبين. وأضافت الجمعية، وفق ما نقلت وكالة شينخوا، الأسبوع الماضي، أن التحقيق سيلقي بظلاله القاتمة على قطاع المركبات الكهربائية في العالم وسيجلب تأثيرات سلبية على الرؤية العالمية لحياد الكربون.
قلق من الحرب التجارية
ولعل اللافت في الأمر هو انتقاد وزير النقل الألماني فولكر فيسينغ، الرسوم الحمائية التي يخطط الاتحاد الأوروبي لفرضها على السيارات الكهربائية الصينية، حيث قال فولكر فيسينغ لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" الألمانية :" من حيث المبدأ لا أفكر كثيراً في إقامة حواجز سوقية"، مضيفا "اليوم، يتم الإغلاق على السيارات، وغدا على المنتجات الكيميائية، وكل خطوة فردية في حد ذاتها تجعل العالم أكثر فقراً".
وحذر فيسينغ من أن حرباً تجارية في هذا قطاع السيارات الكهربائية يمكن أن تمتد بسرعة إلى قطاعات أخرى وتلحق أضراراً اقتصادية هائلة.
ووفق مركز كار لأبحاث السيارات في دويسبورغ، فإن أكثر من واحدة من كل ثلاث سيارات من إنتاج شركة فولكس فاغن، أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا، تم تسليمها في أغسطس/آب الماضي، ذهبت إلى عملاء في الصين. وبقيمة 6.3 مليارات يورو (6.68 مليارات دولار)، كانت السيارات وقطع الغيار الألمانية أكثر المنتجات مبيعاً من حيث القيمة في الصين في الربع الأول من العام الجاري، وفقا للأرقام الرسمية. وتتعاون شركات سيارات أخرى مثل "دايملر" الألمانية بشكل وثيق مع شركات صينية.
ووفق متحدث باسم وزارة التجارة الصينية فإن الصين والاتحاد الأوروبي لديهما مساحة واسعة للتعاون والمصالح المشتركة في صناعة السيارات، مضيفا أن الجانبين بعد سنوات من التطوير شكلا نمطاً من الدعم المتبادل.
وتظهر تصريحات صينية أن بكين قد تكون أسرع بخطوات من الاتحاد الأوروبي، إذ يُتوقع أن تلتف على مساعيه لتقويض حضور سياراتها العابرة الحدود وصولا إلى طرقه، بأن تنقل مصانع لها على الأراضي الأوروبية.
ويُعيد هذا الموقف إلى الأذهان مشكلات مماثلة حدثت على مدار تاريخ صناعة السيارات، وخاصةً بين الولايات المتحدة واليابان السنوات الماضية، حينما واجهت الشركات اليابانية القيود الأميركية من خلال توسيع الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة وإتاحة فرص عمل واسعة هناك عبر ضخ استثمارات لافتة.
لذا تتحرك شركات سيارات صينية سريعا قبل أن تتعرض سياراتها الكهربائية للضرب بالمطارق. وقال مسؤول تنفيذي في شركة "سايك موتور" المملوكة للدولة أخيراً، إن الشركة بدأت عملية اختيار موقع لمصنع تجميع أوروبي. كما أعلن مسؤولون تنفيذيون في شركات أخرى عن خطوات مماثلة.