أوروبا القلقة تتألم بشدة

03 ديسمبر 2022
أزمات متعددة تطاول الأوروبيين (Getty)
+ الخط -

من حق دول أوروبا أن تقلق وبشدة، ذلك لأن الأزمات الاقتصادية والمالية العنيفة التي تمر بها ستجعلها تتألم لسنوات طويلة، وقد تصاحب هذا الألم توترات اجتماعية وثورات شعبية واضطرابات سياسية وسقوط حكومات وأنظمة، وربما إفلاس بعض الدول كما حدث قبل سنوات حينما أعلنت دول أوروبية، منها قبرص واليونان، إفلاسها وعجزها عن سداد أعباء الديون الخارجية.

القارة تعاني منذ شهور طويلة من أزمات اقتصادية، في مقدمتها تضخم قياسي يصاحبه غلاء في أسعار السلع الأساسية بما فيها الأغذية، وأزمة طاقة وندرة في مصادر الغاز الطبيعي وقفزات في أسعار النفط والمنتجات البترولية، إضافة لأزمات أخرى، منها تعطل سلاسل الإمدادات والظروف المناخية والتصحر وتداعيات كورونا الخطيرة على المركز المالي لدول القارة.

لعبت حرب أوكرانيا الدور الأكبر في تأزيم الوضع الاقتصادي داخل أوروبا وزيادة الأعباء المالية خاصة مع تراجع إمدادات روسيا من الغاز لدول القارة وتصاعد الحرب الاقتصادية بين موسكو والغرب.

سبق هذا التطور تراجع حدة مخاطر كورونا، وهو ما أدى إلى حدوث قفزة في أسعار النفط وكلفة شراء منتجات الطاقة أثرت سلبا على القطاع المالي والصناعي داخل القارة.

قبل أيام، حذرت "إيكونوميست" الدول الأوروبية من الإفلاس إذا لم تعالج أزمة الطاقة، لأنها ستضطر هذا العام لتخصيص نحو 1.4 تريليون يورو لتغطية فواتير الغاز والكهرباء، بواقع 7 أضعاف ما كانت عليه في السنوات الأخيرة.

وبحسب المجلة الاقتصادية، فإن الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الدول الأوروبية لمحاصرة أزمة الطاقة ستتطلب تكاليف باهظة، وستكلف خزينتها 450 مليار يورو، محذرة الحكومات من زيادة عبء الديون العامة عبر قروض جديدة، وشددت على أنه "إذا اتخذت الدول إجراءات خاطئة، سيؤدي ذلك لإفلاسها، وستصبح صناعة الكهرباء الأوروبية ضربا من الماضي".

ويوم الأربعاء الماضي خرج علينا جون تريشيه، محافظ البنك المركزي الأوروبي السابق، بتصريحات تدعو للقلق من التضخم المرتفع باستمرار في منطقة اليورو، وقال: "أشعر بالقلق، من الضروري السيطرة على التضخم مجددا. لقد مررنا بمرحلة في السبعينيات فقدنا فيها السيطرة على التضخم. نحن نعلم كلفة فقدان السيطرة على التضخم. علينا تجنب ذلك". وتريشيه لمن لا يعرفه هو محافظ البنك المركزي في الفترة من 2003 حتى 2011

الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الدول الأوروبية لمحاصرة أزمة الطاقة ستتطلب تكاليف باهظة، وستكلف خزينتها 450 مليار يورو.

وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية انضمت هي الأخرى إلى المؤسسات القلقة من أوضاع منطقة اليورو، حيث أكدت أنه من المُرجح أن يؤدي الانقطاع الكامل لتدفقات الغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم" الاستراتيجي، إلى ركود شديد في منطقة اليورو ومزيد من الزيادة في التضخم المرتفع بالفعل.

دعم تلك المخاوف تحذير صادر عن عملاق الطاقة الروسي "غازبروم"، يوم الأربعاء، من أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا قد تتجاوز 3 آلاف دولار لكل ألف متر مكعب، وهو مستوى يتجاوز سقف الأمان المقترح لعقود الغاز الآجلة الأوروبية.

هذه التحذيرات وغيرها تتزايد مع قفزة أسعار الوقود في أوروبا بنحو 30% بعدما علقت روسيا ضخ الغاز القادم عبر أنابيب "نورد ستريم1"، ووصول إنفاق الاتحاد الأوروبي على الغاز والكهرباء إلى مستويات قياسية لم تحدث من قبل. وهنا تتجدد التحذيرات من إفلاس دول أوروبية تعاني أصلا من أوضاع مالية مأزومة وديون عامة قياسية وتراجع في الإيرادات العامة منذ تفشي وباء كورونا. والحديث هنا قد يتعلق بدول لها وزن في منطقة اليورو، مثل إيطاليا ودول جنوب البحر المتوسط.

سيحاول البنك المركزي الأوروبي بكل ما أوتي من أدوات وسياسات وقوة اقتصادية منع انزلاق أوروبا نحو الركود والإفلاس والحد من تداعيات استمرار التضخم المرتفع على الاقتصاد والأسواق والمواطنين، وسيواصل سياسة رفع سعر الفائدة على اليورو بمعدلات قياسية كما حدث مع الدولار، لكن هل هذه السياسات كافية لإنقاذ الموقف؟

أشك، فعلاج أزمات أوروبا تبدأ من وقف حرب أوكرانيا، ووقف استفزاز روسيا، والتوقف عن التلويح بالاستغناء عن النفط والغاز الروسي الذي يزودها بنحو 40% من احتياجاتها من الطاقة، وهنا تتراجع موجة التضخم على مستوى العالم، خاصة تضخم أسعار الطاقة والأغذية، وهما أبرز أزمتين تواجهان دول القارة.

المساهمون