تسعى السعودية إلى تحقيق رؤيتها 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحسين البنية التحتية وتعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الصناعة السعودي بندر بن إبراهيم الخريف، الأحد، أن المملكة تراهن على أن تكون أحد أهم بلدان العالم في مجال سلاسل الإمداد العالمية.
وأشار إلى أن الإستراتيجية الوطنية للصناعة حددت 12 قطاعًا صناعيًا إستراتيجيًّا وأن هناك برنامجا واضحا لمشاركة المملكة في سلاسل الإمداد لكل قطاع من هذه القطاعات.
كما انضمت المملكة، في أغسطس/آب الماضي، إلى اتفاقية "CISG" الأممية لعقود البيع الدولي للبضائع، لتصبح الدولة رقم "96" التي تنضم لاتفاقية الأمم المتحدة، والتي ستدخل حيز النفاذ في الأول من سبتمبر/أيلول 2024.
وتوفر الاتفاقية إطاراً قانونياً موحداً ومرناً لتسهيل التجارة الدولية وحل النزاعات، ما يسلط الضوء على المنافسة المتزايدة بين المملكة والإمارات على هذا الصعيد.
وتهدف تلك المساعي إلى تعزيز التنافسية الاقتصادية للسعودية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين جودة الحياة في المدن، ومن المتوقع أن تسهم في رفع مساهمة قطاع النقل والخدمات اللوجستية من إجمالي الناتج المحلي إلى 10% بحلول عام 2030، بحسب رؤية المملكة الاستراتيجية.
إمكانات لوجستية
أشار الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن انضمام السعودية لاتفاقية البيع الدولي للبضائع هي جزء من الصورة الإجمالية العامة التي ترغب المملكة في أن تكون معبرة عنها، وهي صورة الدولة ذات الإمكانات اللوجستية الكبيرة والموقع الجغرافي المميز والثروات الهائلة والتجارة الدولية الآخذة في التوسع.
ولفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن السعودية تخطو خطوات كبيرة نحو الاندماج أكثر في الأسواق العالمية، وتخدم هذه الاتفاقية إزالة العقبات في مجال التجارة الدولية.
وأشار إلى أن حكومة المملكة تريد أن تلعب دوراً مؤثراً في التجارة الدولية، من ناحيتين، الأولى هي التبادل التجاري السعودي مع العالم، والثانية هي تعزيز قيمة الموقع اللوجستي للسعودية.
ويتجلى ذلك في مشروع الممر الاقتصادي، وأيضاً بمبادرة الحزام والطريق، ما يسفر عن زيادة تأثير السعودية العالمي في سلاسل الإمداد، ولذا فهي حريصة على أن تكون جزءاً من الاتفاقيات الدولية المنظمة للعلاقات التجارية، كما تحاول أن ترتقي بمعاييرها الداخلية وقوانينها الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية، كي تتخذ الشكل الدولي من حيث النصوص والممارسات، بحسب عايش.
تنويع اقتصادي
ورغم كلّ هذا الزخم في الإنفاق على المشاريع الكبرى في السعودية، فإنّ اقتصادها لا يزال أسيراً للقطاع النفطي، حسبما رأى عايش، مستدلاً بمعدل النمو الاقتصادي للمملكة... ففي عام 2022 بلغ النمو 8.7%، فيما تبلغ تقديرات صندوق النقد الدولي للعام الجاري 0.8% فقط.
ولذا فإنّ السعودية تسعى من خلال اتفاقياتها الدولية إلى إسناد مشروعاتها للتنويع الاقتصادي بالدرجة الأولى، لكي لا تظل رهينة للنفط وتقلبات أسعاره، بحسب عايش، مشيراً إلى أنّ المملكة تجد نفسها مضطرة لأن تلتزم بتخفيض طوعي لإنتاج النفط بمليون برميل يومياً، ما يعني أنّ عائداتها تتأثر من هذا الجانب، ومن جهة أخرى فإنّ أيّ تراجع عن هذا التخفيض ربما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.
ويعني ذلك أنّ السعودية يجب أن تغادر منطق هذا التحكم النفطي في اقتصادها، ومن هنا تأتي الاتفاقيات الدولية التي تنضم لها لتخلق فرصا جديدة لقطاعات أخرى، بما فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي السياق، وصف الخبير الاقتصادي والمستشار المصرفي، علي أحمد درويش، انضمام السعودية إلى اتفاقية "CISG" الأممية لعقود البيع الدولي للبضائع بأنه "منطقي" ويأتي في إطار مساعي المملكة لتكون قطباً إقليمياً على المستوى الاقتصادي، ولذا توسع شبكة علاقاتها على مستوى التجارة الدولي، كما صرح لـ "العربي الجديد".
أضاف درويش إلى أن الاتفاقية من شأنها أن تعزز من القطاع المصرفي السعودي، وتزيد من قدرة السعودية الإنتاجية الداخلية، كما تعزز الاقتصاد غير النفطي، ما يكسب المملكة المزيد من عوامل الثبات الاقتصادي والقدرة على رفع وتيرة إنتاجها.
تابع درويش، في هذا الصدد، أن توسع السعودية في الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية من شأنه التأثير على المنافسة الاقتصادية القائمة مع الإمارات، بخاصة في قطاعي السياحة والاستثمار، وهي المنافسة التي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة، في ظل رغبة كلا الطرفين في أن يكون مركزاً لإدارة الأعمال في المنطقة.
ورأى درويش أنّ السعودية أثبتت، في المرحلة الأخيرة، حضوراً أكبر على المستوى الاقتصادي نتيجة قدراتها المتزايدة بزيادة عامل التنافس وقوننته، مؤكداً أنّ جزءاً من هذا الحضور سيكون عملياً على حساب دول الجوار، بخاصة الإمارات.