أنطونيو تريكاريكو: غاز مصر يبيض ذهباً لشركة إيني الإيطالية

04 يوليو 2024
أنطونيو تريكاريكو (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الدعاوى القضائية ضد "إيني" وتأثيرها على التغير المناخي**: رفعت منظمة ري كومون دعوى قضائية ضد "إيني" في مايو 2023 لتخفيض انبعاثات الشركة بنسبة 45% بحلول 2030. القضية قيد النظر ولم يستجب القاضي بعد لطلب الاستماع إلى الشهود والخبراء الفنيين.

- **الاتفاقيات المثيرة للجدل مع إسرائيل وتأثيرها على سمعة "إيني"**: أثار اتفاق "إيني" مع وزارة الطاقة الإسرائيلية للبحث عن الغاز قبالة سواحل غزة جدلاً واسعاً، حيث حذرت المنظمات الحقوقية الفلسطينية من تواطؤ "إيني" في انتهاك القانون الدولي.

- **نفوذ "إيني" في إيطاليا وعلاقاتها مع مصر**: "إيني" تؤثر على السياسة الخارجية والأمنية لإيطاليا من خلال اتفاقياتها مع وزارة الخارجية الإيطالية. في مصر، تسيطر على 30% من احتياطيات الغاز وتبيع جزءاً كبيراً منه بأسعار تفضيلية، مما يعزز نفوذها في البلاد.

يتعاظم الدور المحوري الذي تلعبه شركات الطاقة العالمية، ومنها "إيني" الإيطالية، ليس فقط في اقتصادات الدول الكبرى، وإنما أيضاً في سياساتها الخارجية وعلاقاتها بغيرها من الدول، حسب الباحث الإيطالي ومدير حملات المالية العامة والدولية بمنظمة ري كومون الحقوقية الإيطالية أنطونيو تريكاريكو، الذي تحدث في مقابلة مع "العربي الجديد" عن "إيني" ونفوذها داخل إيطاليا وعلاقاتها المتشابكة والمعقدة بخاصة مع مصر وإسرائيل. وفيما يلي نص الحوار:

 

- ارتبط اسم منظمتكم، بشكل أو بآخر، بمجموعة إيني من خلال الدعاوى القضائية التي رفعتها ضدها بسبب استثماراتها في مصادر الطاقة الأحفورية وتأثيرها على التغير المناخي تحت شعار "قضية عادلة". إلام انتهى المطاف بهذا الصدام؟


الدعوى الخاصة بالتغير المناخي، التي رفعناها في مايو/ أيار 2023 أمام المحكمة المدنية في روما، ما زالت قيد النظر. وقد عُقدت الجلسة الأولى في 16 فبراير/ شباط الماضي، وبعد شهرين من السرية التي فُرضت على القضية، قرر القاضي مناقشة الاعتراضات الأولية من قبل الأطراف المُدّعَى عليها فقط، وهي "إيني" ووزارة الاقتصاد والمالية وصندوق الودائع والقروض.
هذان الأخيران هما المساهمان الحكوميان المؤثران في الشركة. وحتى الآن، لم يستجب القاضي لطلبنا الاستماع إلى الشهود والخبراء الفنيين بخصوص القضية. ومع أن ذلك لم يكن إشارة مشجعة، فإننا نعتقد أن الاعتراضات التي أثارتها الأطراف المُدّعَى عليها لا أساس لها من الصحة، وعلى وجه الخصوص تلك التي تفتقد لإمكانية التقاضي بشأنها. بمعنى أنه لا يجوز لأيّ قاض أن يقبلها ويحكم فيها، وذلك لأن صلاحية توصيف استراتيجية "إيني" موكلة فقط للشركة أو للمشرع أو للحكومة الإيطالية.

أمّا نحن، فإننا نطلب من القاضي أن يلزم "إيني" بتخفيض الانبعاثات الناتجة عن أنشطتها بنسبة 45% بحلول عام 2030، وهو بالضبط ما ألزم به قاض في إحدى محاكم الدرجة الأولى الهولندية شركة شل في عام 2021.

- "المال لا رائحة له". كيف ينطبق هذا المثل على "إيني"؟


لا أعتقد أن هذا الأمر يخص "إيني" فقط، إذ إن ثمة شركات عالمية عدة تستهين بأهمية مصدر أرباحها وبالطريقة التي تجنيها بها. ولا شك أنه بالنسبة لشركة تعمل في قطاع الطاقة الأحفورية، مثل "إيني" التي لا تزال تريد توسيع إنتاج النفط والغاز بما يتعارض مع جميع توصيات المجتمع العلمي الدولي من أجل الاحتفاظ بالاحترار العالمي عند أقل من 1.5 درجة مئوية.

وتحقيق أرباح بمليارات الدولارات بهذه الطريقة للشركة، كما حدث في السنوات الأخيرة، إن دل فإنما يدل على قلة اكتراث بإمكانية اهتزاز السمعة بالنظر إلى ارتباط هذه الأرباح التجارية بالوقود الأحفوري والأضرار المناخية المترتبة عليه. ومن المؤكد، في هذا السياق، أن "المال لا رائحة له" تنطبق أيضاً على المساهمين في شركة "إيني" وعلى رأسهم وزارة الاقتصاد والمالية الإيطالية، التي تحصل على حصة سخية من تلك الأرباح الأحفورية من دون أن تنبس ببنت شفة.

- الاتفاق الذي أبرمته وزارة الطاقة الإسرائيلية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع الشركات الغربية، بما في ذلك شركة إيني، للبحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة أثار الكثير من الجدل على المستوى السياسي والبرلماني والحقوقي في إيطاليا، كيف تقرأون هذه الاتفاقية وماذا كان رد فعلكم عليها؟


لقد كان من المستغرب حقًا أن تقدم حكومة بنيامين نتنياهو، بعد أسابيع قليلة من هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وبالتالي بداية الاجتياح الإسرائيلي لغزة، على منح شركة إيني أحد تراخيص الاستكشاف الجديدة في النطاق المائي المتنازع عليه منذ فترة طويلة بين إسرائيل وفلسطين.
والأمر الأكثر غرابة، في هذا المقام، هو أن "إيني" ردت على سؤال من المساهمين بأن الترخيص لم يصدر لصالحها بعد، على الرغم من ترسية المناقصة عليها بالفعل، وكأنها تنأى بنفسها عن الحكومة الإسرائيلية، لكن من دون تخل حقيقي عن الترخيص. ونحن نعتقد أنه من الخطورة بمكان أن تشارك الشركة الإيطالية، التي تملك الحكومة نسبة من أسهمها، في المناقصة من دون أن تتخذ أي إجراء بالانسحاب أو تعليق مشاركتها بعد فوزها بها.
هذا ما أعلنته المنظمات الحقوقية الفلسطينية التي حذرت شركة إيني من بدء عملياتها في حقل الغاز، واستغلال الموارد الفلسطينية عن طريق الاستقواء بالترخيص الممنوح لها من إسرائيل والذي من شأنه أن يجعل "إيني" متواطئة في انتهاك القانون الدولي من قبل تل أبيب عبر إصدار تراخيص جديدة. وإذا ساعدت "إيني" إسرائيل في الحصول على أرباح من استغلال حقل الغاز، فسوف تستتبع ذلك زيادة تواطؤ "إيني" في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين.

وسيكون من الحكمة أيضا، من أجل تقليل المخاطر الجمة على سمعتها، أن تستجيب الشركة للتحذيرات المرسلة إليها وتنسحب معلنة تنازلها عن الترخيص.

- ما هي المشاريع التي تشارك فيها "إيني" في إسرائيل أو مع شركات إسرائيلية؟ وكيف تربح منها؟

لم تعمل "إيني" قط في إسرائيل، وعلى الرغم من أن جزءاً من النفط والغاز الذي تستخرجه "إيني" في العالم ينتهي به المطاف في إسرائيل، فإن ذلك يحدث على مسؤولية وكلاء تجاريين أو شركات طاقة أخرى، ولكن ليس "إيني".
ومع ذلك، فإن الأمور تغيرت في الآونة الأخيرة: في نهاية مارس/ آذار 2024 وقعت "إيني" اتفاقية مع شركة إيثاكا للطاقة، التي تسيطر عليها شركة ديليك للطاقة، وهي إحدى شركات الطاقة الإسرائيلية الرئيسية، لإنجاز عملية مالية مركبة من شأنها أن تجعل "إيني" مالكاً مشاركاً مع "ديليك" لأصولها النفطية والغازية في بحر الشمال بالمملكة المتحدة. هذه العملية تقرب "إيني" كثيراً من حكومة تل أبيب.
 

- ذكرت، في تصريحات سابقة، أن شركات عملاقة مثل "إيني" و"ليوناردو" تتحكم في عملية صنع القرار في إيطاليا، لكن كيف؟

ألف صحافيان إيطاليان مرموقان، هما أندريا غريكو وبييترو أودّو، كتاباً بديعاً عن تاريخ "إيني" التي لم تعترض قط على محتواه، بعنوان "الدولة الموازية". ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء الأسبق ماتيو رينزي، عام 2015، في أحد البرامج المسائية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية على التلفزيون الحكومي، بأنّ شركة إيني هي جهاز الاستخبارات الإيطالي. ويكفي في هذا المقام، وحتى لا ننخدع بسهولة، التذكير بأنّ "إيني" وقعت في عام 2009 اتفاقية رسمية مع وزارة الخارجية الإيطالية بشأن تبادل الموظفين والدبلوماسيين على أعلى مستوى (سفير إيطاليا الأسبق في قطر والرئيس الحالي لمؤسسة دعم الشركات الإيطالية بالخارج SIMEST باسكوالي سالزانو، كان يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لـ"إيني"). وفي هذا السياق، أوضح تحليل حديث لمنظمة السلام الأخضر (غرينبيس) كيف أن أكثر من نصف بعثات حفظ السلام العسكرية الإيطالية تجري في بلدان تعمل فيها "إيني"، إذ تحظى أصولها هناك بالحراسة والدفاع عنها إذا لزم الأمر.
الخلاصة هي أن جميع المراقبين الأكثر انتباهاً يدركون أنّ "إيني" هي اللاعب الرئيسي الذي يؤثر على السياسة الخارجية والأمنية وبطبيعة الحال الطاقية لإيطاليا. لا أعتقد أنّ ما سبق يكشف سراً.
 

- هل مصر بالنسبة لشركة إيني هي الدجاجة التي تبيض ذهباً؟

مصر هي أهم دولة تعمل فيها شركة إيني، إذ إن ما يقرب من 30% من أرباح المجموعة تأتي من هناك، كما هو الحال مع 30% من احتياطيات الغاز التي تسيطر عليها "إيني" موجودة في هذا البلد.
لقد ساعدت "إيني" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمجرد وصوله إلى السلطة لأنه استرد العديد من الاعتمادات التي كان قد حصل عليها مقابل اتفاقيات بيع الغاز الجديدة بأسعار تفضيلية للشركة. ومن هنا يأتي البيض الذهبي اليومي، وأيضا من خلال دعم السيسي الذي كان عليه إدارة أزمة اقتصادية خطيرة.
منذ ذلك الحين زادت "إيني" قوتها في البلاد، خاصة بعد اكتشاف حقل ظهر العملاق، حيث تبيع "إيني" جزءاً كبيراً من الغاز لمصر المتعطشة للطاقة.

ومنذ سنوات قليلة، تمت تسوية النزاع حول محطة الغاز الطبيعي المسال في دمياط، التي تسيطر عليها "إيني" جزئياً، ما أتاح إمكانية تصدير الغاز بسهولة أكبر إلى بلدان أخرى.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الغاز الإسرائيلي أيضاً يصل إلى دمياط عبر "خط أنابيب غاز السلام". وبالتالي فإن مصر تحتل مركزاً محورياً متنامياً بالنسبة لـ"إيني" والعكس صحيح.

- إلى أي مدى تؤثر أنشطة واستثمارات "إيني" على مواقف سياسة روما الخارجية تجاه القاهرة؟


كما ذكرت سلفاً، إيني لها تأثير كبير على السياسة الخارجية الإيطالية، وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أن تكون مصر ذات أولوية في هذه السياسة. ومع ذلك، فإن مصر دولة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة أيضًا بالنسبة لحكومات أخرى، بدءًا من الولايات المتحدة.


- ثمة أقاويل عن إيقاف "إيني" استثماراتها في حقل ظهر، فما رأيك؟


الحقيقة هي أن العديد من وسائل الإعلام الإيطالية، ومن ضمنها صحيفة "إل سولى 24 أورى" الاقتصادية العريقة، تحدثت عن تراجع الطاقة الإنتاجية لحقل ظهر في السنوات الأخيرة، وعن مطالبة مصر ببيع الغاز المستخرج. ولا أعرف إن كانت إيني قد خفضت أيضاً استثماراتها، ولكن كما ذكرنا فإنّ "إيني" تبيع حصتها من الغاز لمصر بأسعار تفضيلية للشركة. الأمر المؤكد هو أن الأرباح التي حققتها "إيني" في البلاد لم تنخفض، بل على العكس.


- هناك تسريبات حول نفاد احتياطيات حقل ظهر، وبالتالي تحول مصر من مصدر إلى مستورد للغاز. فما هي التأثيرات التي قد يخلفها هذا الوضع على خطط تصدير الغاز إلى أوروبا؟


مصر بحاجة إلى المزيد من الموارد، وبالتالي هناك كميات أقل من الغاز للتصدير. وعلى الرغم من ذلك، فإن مسارات التصدير تتبع منطق الربح واتجاهات الأسواق العالمية، وليس بالضرورة الأولويات الطاقية أو الجيوسياسية لكل دولة، بما في ذلك إيطاليا. تبيع "إيني" منذ سنوات نصف إنتاجها من الغاز فقط في إيطاليا، كما أنها تزيد حول العالم دورها كتاجر للغاز الذي يستخرجه الآخرون. أتحدث هنا عن أنشطة تجارية ذات ربحية عالية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التطورات التي شهدها سوق الغاز الطبيعي المسال في السنوات الأخيرة.


- ما هي تداعيات حرب غزة على خطط التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط؟


من الصعوبة بمكان تحديدها. الأمر المؤكد هنا هو أن المخاطر التي يواجهها المستثمرون في هذه المشاريع في تزايد، مع التنامي المستمر لحدود الطاقة الذي يحدث في المناطق المعرضة للخطر إن لم تكن تعاني بالفعل من الحروب. تحضرني في هذا المقام موزمبيق أو السودان في أفريقيا، من بين العديد من الأمثلة. والحقيقة هي أنّ الصراعات باتت جزءاً من اللعبة الآن بالنسبة لكبريات شركات النفط والغاز، التي تزداد حاجتها لاحتياطيات جديدة من أجل زيادة قيمتها.
ما سبق يعد تناقضاً كبيراً إذا فكرنا في أزمة المناخ التي نشهدها والصراعات التي انتشرت على نحو متزايد على الموارد في العالم. نحن إذاً بصدد حلقة مفرغة يبدو لي أن شركات الطاقة الغربية وغيرها ليست لديها رغبة في الخروج منها، وبالتالي فإنها لن تتخلى بسهولة هكذا عن خططها التنموية في شرق البحر المتوسط. هذا الخيار من شأنه تأجيج صراعات الغد، وكأن صراعات اليوم غير كافية.

المساهمون