- يُنظر إلى تعيين بيلاوسوف كخطوة نحو تحديث القوات المسلحة الروسية وتعزيز الابتكار، مع التركيز على استبدال الواردات وتحسين الاقتصاد الأمني لروسيا.
- يُتوقع أن يجمع بيلاوسوف بين الإدارة الاقتصادية والعسكرية، مع التركيز على الرعاية الاجتماعية والطبية للمشاركين في الحرب ومكافحة الفساد داخل الجيش، مما يعكس نهجًا شاملًا لتحويل القدرات الصناعية لأغراض مدنية.
خلال توليه منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي منذ عام 2020، عرف أندريه بيلاوسوف بمواقفه الحازمة، بما فيها إقراره في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدخول الاقتصاد الروسي مرحلة من "إعادة الهيكلة المكثفة" مهمتها الرئيسية هي استبدال الواردات.
والآن، يتجه أندريه بيلاوسوف البالغ من العمر 65 عاما والذي قطع مسيرة اقتصادية حافلة امتدت لعقود طويلة في الاتحاد السوفييتي وروسيا، لتولي منصب وزير الدفاع بعد أن أحال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الأحد، ترشيحه إلى مجلس الاتحاد (الشيوخ) للمصادقة عليه.
ولما كان بيلاوسوف شخصية بعيدة عن المؤسسة العسكرية الروسية، يواصل بوتين بذلك توجهه نحو تسليم حقيبة الدفاع لشخصيات مدنية، إذ إن سلفه سيرغي شويغو يحمل شهادة جامعية في تخصص الهندسة المدنية ويعد من مؤسسي وزارة الطوارئ الروسية، وعمل حاكما لمقاطعة موسكو التي تضم ضواحي العاصمة.
اقتصادي تحديثي
ومنذ عام 2020، شغل أندريه بيلاوسوف منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء. عندما أصيب رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين بفيروس كورونا في عام 2020، تولى بيلوسوف لفترة وجيزة مهام رئيس الوزراء بينما كان ميشوستين يتعافى، بحسب "ذا إندبندنت" البريطانية.
وفي عام 2017، قالت وسائل الإعلام الروسية إن أندريه بيلاوسوف كان أحد المسؤولين الذين أقنعوا بوتين بأن الاقتصاد الرقمي والبلوكتشين مهمان للمستقبل. ونقلت عنه قوله في مقابلة أجراها عام 2023: "أستطيع أن أقول إن ما يجب أن تمتلكه الدولة ذات السيادة بالتأكيد هي وسائلها الخاصة. من نحن، من أين أتينا، إلى أين سنذهب؟ ليس لدينا خيار آخر لبلدنا سوى الحصول على هذه الهوية أو إعادة إنتاجها".
قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن التعديل الوزاري، حسبما نقلت وكالة أنباء تاس الحكومية: "اليوم في ساحة المعركة، الفائز هو الشخص الأكثر انفتاحًا على الابتكار".
وأضاف "لذلك من الطبيعي في المرحلة الحالية أن يقرر الرئيس أن يرأس وزارة الدفاع الروسية مدني". وأضاف: "من المهم جداً جعل الاقتصاد الأمني يتماشى مع اقتصاد البلاد بحيث يلبي ديناميات اللحظة الراهنة".
وقال أوليغ إغناتوف، كبير محللي شؤون روسيا في منظمة غير حكومية تابعة لمجموعة الأزمات لمجلة "نيوزويك": "إنه محترف للغاية، وهو تكنوقراطي، وهو صريح للغاية ومباشر للغاية، إنه لا يحب إخفاء الحقيقة. يمكنه حل المشاكل".
وقال إغناتوف: "لديه رؤيته الخاصة"، واصفا بيلوسوف بأنه "مناهض للغاية للغرب" ويؤمن بقوة "بأن الدولة يجب أن تلعب دورا حاسما في الاقتصاد الروسي". وتوقع أن يطلق الوزير الجديد حملة كبيرة لمكافحة الفساد.
وتابع إغناتوف: "بالطبع، سوف ينزعج بعض الناس من هذا، لأن الجيش كان فاسدا للغاية".
الموازنة العسكرية
ومن اللافت أن ترشيح بيلاوسوف يأتي بعد أسابيع عدة على اعتقال نائب وزير الدفاع، تيمور إيفانوف، الذي كان يعدّ من الشخصيات المقربة من شويغو، بتهمة تقاضي رشوة، مما زاد من التساؤلات حول مصيره في الحكومة الروسية الجديدة الجاري تشكيلها بعد تنصيب بوتين لولايته الخامسة في الأسبوع الماضي.
وثمّة توقعات أن يؤدّي تكليف بيلاسوف إلى الفصل بين الشقين الاقتصادي والعسكري من أعمال وزارة الدفاع في ظل استمرار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، في أداء مهام منصبه بصورة طبيعية، وفق ما أكّده الكرملين.
ومن المؤشرات التي تدعم هذا التوجه، تركيز بيلاوسوف في كلمته أمام لجنة الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي أثناء مناقشة ترشيحه، اليوم الاثنين، على قضايا توفير الرعاية الاجتماعية والطبية للمشاركين في الحرب في أوكرانيا، إذ قال: "بخصوص رواتب العسكريين الذين يشاركون في العملية العسكرية الخاصة، فإنها لا تقل عن 200 ألف روبل (أكثر من ألفي دولار)، وفعليا يتقاضون أكثر من ذلك بكثير".
وأضاف: "لكن الحياة لا تقتصر على الدفعات النقدية، ولا يزال لدينا ما يجب العمل عليه. يتعلق ذلك بتوفير الإسكان للمشاركين في العملية العسكرية الخاصة والدفعات للأفراد بالوحدات العسكرية والخدمات الطبية".
من جهته، اعتبر مدير مركز البحوث الأوروبية والدولية الشاملة بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، فاسيلي كاشين، أن مهام بيلاوسوف لن تقتصر على تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، بل ستشمل أيضا تنظيم عمل الوزارة بعد انتهاء أعمال القتال.
وقال كاشين لصحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين: "تقترب الميزانية العسكرية الروسية من 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا كثير إلى حد كبير. من هذه الجهة، يبدو ترشيح أندريه بيلاوسوف عقلانيا".
واعتبر أن هذه الخطوة تدل على تفكير القيادة الروسية في تنظيم الأمور بعد انتهاء النزاع، متوقعا أن تُوضع أمام بيلاوسوف مستقبلا مهام تحويل القدرات الصناعية التي أنشئت حديثا لاستخدامها لأغراض مدنية.
وكان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد أرجع دوافع ترشيح شخصية غير عسكرية وزيرا للدفاع، إلى اعتقاد الكرملين أن الانفتاح على اعتماد الابتكارات يحدد حاليا من ينتصر في ساحة المعركة، لافتا إلى أن ميزانية أجهزة القوة ازدادت في الفترة الأخيرة من 3 إلى 6.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعرف عن بيلاوسوف أنه أشرف خلال شغله منصب النائب الأول لرئيس الوزراء على الملفات الاقتصادية الحيوية مثل وضع الاتجاهات الرئيسية للتنمية الاجتماعية - الاقتصادية، وتوحيد السياسات المالية والائتمانية والنقدية، والتنظيم الحكومي لأسواق المال، وأعمال التأمين والرقابة المالية، ومجال النقل، ومشاريع البنية التحتية، وتحقيق المشاريع القومية، والاستثمارات الأجنبية، مما يعزز الترجيحات بتوليه الشق الاقتصاد من أعمال وزارة الدفاع.
أندريه بيلاوسوف ليس الأول
ولا تعتبر عملية تعيين اقتصادي في منصب وزير الدفاع الأولى من نوعها في التاريخ، ولكنها ليست ملحوظة. فقد سبق أن تم تعيين الاقتصادي جيمس شليسنجر وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة الأميركية.
وتلقى الأخير، بحسب موقع وزارة الدفاع الأميركية الإلكتروني، تعليمه في جامعة هارفارد، حيث حصل على البكالوريوس (1950)، والماجستير (1952)، والدكتوراه. (1956) في الاقتصاد. بين عامي 1955 و1963 قام بتدريس الاقتصاد في جامعة فيرجينيا وفي عام 1960 نشر كتاباً عن الاقتصاد السياسي للأمن القومي.
في عام 1969 انضم شليسنجر إلى إدارة نيكسون كمساعد مدير مكتب الموازنة، وخصص معظم وقته لشؤون الدفاع. في عام 1971، وفي فبراير 1973 أصبح مديرًا لوكالة المخابرات المركزية.
رشحه نيكسون في 10 مايو/ أيار 1973، وأصبح شليسنجر وزيرًا للدفاع في 2 يوليو/ تموز عن عمر يناهز 44 عامًا.
كما أن روبرت ماكنمارا كان رجل أعمال أميركياً وشغل منصب وزير دفاع الولايات المتحدة الثامن من عام 1961 إلى عام 1968 في عهد الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون. وهو لا يزال وزير الدفاع الأطول خدمة، حيث ظل في منصبه لأكثر من سبع سنوات.
لعب دورًا رئيسيًا في الترويج لتورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام. كان ماكنمارا مسؤولاً عن مؤسسة تحليل النظم في السياسة العامة، والتي تطورت إلى النظام المعروف اليوم باسم تحليل السياسات.
ودرس ماكنمارا في جامعة كاليفورنيا، بيركلي وكلية هارفارد للأعمال. خدم في القوات الجوية للجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب العالمية الثانية، قام هنري فورد الثاني بتعيين ماكنمارا ومجموعة من قدامى المحاربين في القوات الجوية للجيش للعمل في شركة فورد للسيارات. ساعد هؤلاء " Wiz Kids " في إصلاح شركة Ford من خلال أنظمة التخطيط والتنظيم والتحكم الإدارية الحديثة. بعد أن خدم لفترة وجيزة كرئيس لفورد، قبل ماكنمارا تعيينه وزيرًا للدفاع.