أميركا ترفع الفائدة... والدولار يخطف ثروات العالم

20 سبتمبر 2022
رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي جيروم باول في مؤتمر صحفي(getty)
+ الخط -

بينما يتجه مصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" غدا الأربعاء لإقرار زيادة جديدة في سعر الفائدة على الدولار، تثار المخاوف من أن تقود زيادات الفائدة السريعة والكبيرة على العملة الأميركية، إلى مراكمة الثروات العالمية في الولايات المتحدة وهروب الأموال من الدول النامية، وتبعاً لذلك إفقار دول العالم وتهديد مستقبل الاستقرار السياسي في الاقتصادات الناشئة.

وتتوقع العديد من المصارف التجارية العالمية أن يرفع مجلس الاحتياط الفدرالي في اجتماع الأربعاء سعر الفائدة بنسبة 0.75%، ولا تستبعد مصارف أخرى أن يرفع الفائدة بنسبة واحد في المائة. وتدور التوقعات الحالية أن تبلغ الفائدة على الدولار نسبة تراوح بين 4.4 و5.0% في نهاية العام الجاري.
في هذا الصدد، يتوقع مصرف نومورا الياباني أن ترتفع الفائدة الأميركية بنهاية العام الجاري إلى نسبة تراوح بين 4.5 و4.75%. من جانبه يتوقع مصرف "دويتشه بانك" أن ترتفع الفائدة الأميركية بنهاية العام الجاري إلى 5%. ويعني ارتفاع الفائدة الأميركية المزيد من قوة الدولار، وبالتالي زيادة المتاعب للاقتصادات العالمية وهروب الأموال من الأسواق الناشئة وحتى اقتصادات الدول المتقدمة التي باتت عملاتها تعاني من التراجع الحاد خلال العام الجاري. وهو ما يعني أن معظم الاقتصادات العالمية ستفتقر للاستثمارات المطلوبة للنمو.
في هذا الصدد، حذر البنك الدولي في تقرير أمس الاثنين من مخاطر الارتفاع السريع والكبير في الفوائد البنكية العالمية التي يقودها الاحتياطي الفيدرالي. وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس "إني قلق من تداعيات زيادة الفائدة المصرفية طويلة الأجل على حياة الناس في الأسواق الناشئة والدول المتقدمة". وبينما قال البنك الدولي إن الفوائد المرتفعة قد تدفع العالم نحو الركود الاقتصادي شكك كذلك في فعاليتها بخفض معدل التضخم المرتفع.

في ذات الصدد تقول رئيسة الاستثمار بشركة "نورث تراست ويلث منجمنت" الأميركية المتخصصة في إدارة الثروات، كاثي نيكسون "العديد من المستثمرين أجبروا على المخاطرة ووضع أموالهم في الأسهم لأنه لا يوجد عائد في الأدوات الاستثمارية الأخرى". وحدث ذلك على الرغم من التراجع المتواصل في سوق الأسهم الأميركية.
وحسب بيانات "وول ستريت جورنال" فإن مؤشر أسهم الشركات الكبرى في سوق "وول ستريت" التي يطلق عليها "بلو تشيب" تراجع بنسبة 15% في العام الجاري، بينما تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز ـ 500" بنسبة 19% خلال الشهور الثمانية من العام.
وحذر بنك غولدمان ساكس يوم الخميس من أن سوق الأسهم قد ينخفض بنسبة 26% أخرى إذا أدت حملة رفع أسعار الفائدة التي قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى حدوث ركود.
وقال غولدمان: "إذا كان الركود الحاد فقط، بسبب رفع الفائدة، من شأنه أن يحد من التضخم، فإن الجانب السلبي لكل من الأسهم والسندات الحكومية يمكن أن يظل كبيرًا، حتى بعد الضرر الذي رأيناه بالفعل".
من جانبها قالت نشرة "إنفسترز مونتور" العالمية إن زيادة الفائدة الأميركية المتوقعة بنسبة 0.75% ربما تقود تلقائياً إلى زيادة سعر الدولار الذي يحلق حالياً لدى أعلى مستوياته في 20 عاماً.
وحسب النشرة فإن الدولار ومنذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا ارتفع بنسبة 25% مقابل الين الياباني وبنسبة 16% مقابل الجنيه الإسترليني وبنسبة 12% مقابل العملة الأوروبية "اليورو" وبنسبة 10% مقابل اليوان. وبهذا الارتفاع الكبير يهدد الدولار القوي دول العالم بهروب الاستثمارات من دول العالم إلى الحسابات الدولارية والأصول والأدوات المالية الأميركية وعلى رأسها السندات.
وتزاحم المستثمرون على الأدوات الاستثمارية الأميركية، على الرغم من أن التضخم المرتفع في الولايات المتحدة لا يحقق عائداً حقيقياً لهم. وبحساب بسيط، "عند حسم معدل التضخم من العائد على سندات الخزينة الأميركية أجل 10 سنوات"، تكون النتيجة عائدا سلبيا. ويلاحظ أن العائد على السندات الأميركية لأجل عشر سنوات بلغ 3.448%، كما استقر العائد على السندات لأجل ثلاثين عامًا عند 3.518% أمس الاثنين.
وفي المقابل فإن معدل التضخم يبلغ 8.3%. وهذا يعني أن الاستثمار في السندات الأميركية يكبد المستثمرين خسائر تبلغ قرابة 5%، ولكن ما يدفعهم نحو الاستثمار فيها هو البحث عن الملاذات الآمنة لأموالهم وسط انهيار أسعار العملات في بلدانهم.

أسواق
التحديثات الحية

في هذا الشأن تقول نشرة "انفسترز مونتور" إن هنالك 20 دولة من دول الاقتصادات الناشئة تواجه في الوقت الراهن أزمة مشترين لسنداتها السيادية، وتتم المتاجرة فيها بأسعار فائدة تفوق نسبة 10% عن الفائدة على السندات الأميركية.
من جانبه يقول صندوق النقد الدولي إن نحو 60% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني من أزمة الديون، وإن خدمتها ترتفع تبعاً لارتفاع سعر صرف الدولار. ومن بين هذه الدول العديد من الدول العربية غير النفطية والتي لا تملك سلعاً يتم المتاجرة فيها بالدولار. وتشمل الدول العربية كلا من مصر وتونس والمغرب والأردن وتونس والسودان.
ولا يستبعد محللون أن تؤدي الفائدة المصرفية المرتفعة على الدولار إلى أزمات عالمية شبيهة بما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما أدت قوة الدولار إلى أزمة نقد عالمية كانت نتيجتها عقد مؤتمر "بلازا" في نيويورك الذي شمل الدول الصناعية الكبرى، وأقر إجراء خفض مصطنع للدولار لتجنب كارثة زعزعة النظام النقدي العالمي.
ويقدر البنك المركزي الأوروبي في دراسة أن تتواصل قوة الدولار حتى العام 2023 وسط عدم وجود خيارات بديلة للمستثمرين في أسواق الصرف. ولدى الدولار حصة تقارب 60% من احتياطات النقد بالمصارف المركزية العالمية، كما أنه يسيطر على نظام التسويات التجارية العالمية وبنسبة 40%.

المساهمون