تحديات المائة يوم الأولى ... أميركا تتجه للإنفاق بلا حساب في عهد بايدن

21 يناير 2021
جو بايدن أثناء حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة يوم الأربعاء
+ الخط -

يواجه جوزيف بايدن الذي أصبح رسمياً رئيساً للولايات المتحدة بعد نهاية حفل التنصيب أمس الأربعاء، أكبر تحديات في تاريخ الولايات المتحدة، وربما تحدد المهام التي سينفذها في المائة يوم الأولى مستقبل الولايات المتحدة لعقود طويلة مقبلة، إذ تقف أميركا في هذا الوقت الراهن على حافة تلّ عالٍ من المخاطر يهدد تماسكها الاجتماعي والاقتصادي المالي والسياسي وبالتالي موقع "الدولة العظمى" في العالم الذي تربعت عليه منذ الحرب العالمية الثانية. ويصعد بايدن للحكم  في وقت تزداد فيه سرعة التغيير العالمي وربما تفرز جائحة كورونا عالماً مختلفاً من حيث النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي بعد نهايتها، إذ إن هنالك تسارعاً في خطى الصين الباحثة عن قيادة العالم وتطرح نفسها بقوة كبديل للولايات المتحدة. 

ويلاحظ أن الاقتصاد الصيني خرج مبكراً من الجائحة وحققت دولة التنين الصيني معدلات معتبرة في النمو الاقتصادي والصادرات، وسط الانكماش والعجز التجاري وتراكم الدين السيادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. وهي الدول التي تقود المعسكر الليبرالي الرأسمالي، فجائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والمال تضع العالم أمام نقطة انقلاب شبيهة بما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وبالتالي يثار السؤال حول كيفية قيادة أميركا خلال فترة بايدن وما الذي سيفعله الرئيس الجديد في المائة يوم الأولى من رئاسته لتغيير واقع بلاده داخلياً وإعادة هيبتها خارجياً؟
منذ إعلان ترشحه وحتى فوزه بالانتخابات أعلن الرئيس جو بايدن وفريقه الاقتصادي أن محاصرة جائحة كورونا وتداعياتها السلبية على النمو الاقتصادي والتجاري والبطالة ستكون أوليات حكومته في الفترة الأولى. وبالتالي فإن محاصرة جائحة كورونا ستكون أول الاختبارات التي سيواجهها في الفترة الأولى، وعلى نجاحه في هذه المهمة ستبنى عودة النشاط الاقتصادي والوظائف ويتحرك النمو الاقتصادي. 
وحسب تصريحات رئيسة مركز السيطرة على الأمراض المعدية، الدكتورة روشيل والينسكي التي اختارها بايدن لمهمة إدارة عمليات الوقاية ومكافحة كورونا، فإن عدد الإصابات بفيروس كوفيد 19 بلغ 24 مليون إصابة حتى نهاية الأسبوع الماضي. وتتوقع الدكتورة والينسكي أن يرتفع عدد الوفيات من الجائحة إلى 500 ألف وفاة في أميركا بمنتصف شهر فبراير/ شباط المقبل. 
وهذا يعني أن أمام الرئيس بايدن مهمة عاجلة للإنفاق على توزيع اللقاحات بسرعة وإقناع الأميركيين بضرورة أخذها، وسط المخاوف والإشاعات التي تروج بشأن اللقاح وفعاليته بين العديد من المواطنيين في الولايات الأميركية وأوروبا. 
على الصعيد الاقتصادي، يلاحظ أن بايدن اختار فريقاً اقتصادياً ومالياً مدرباً على إدارة الأزمات المالية، يتكوّن معظمه من الذين أداروا المؤسسات المالية والاقتصادية في أعقاب أزمة المال العالمية التي كادت تفلس المصارف الأميركية في عام 2008، وبالتالي يتوقع خبراء في الشأن الأميركي أن هذا الفريق سيمنح أولوية للإنقاذ الاقتصادي والمالي دون النظر إلى كم سينفق من المال أو إلى التداعيات السلبية المستقبلية لهذا الإنفاق الضخم على ارتفاع العجز في الميزانية وارتفاع الدين السيادي والتضخم وجاذبية أدوات الدين الأميركية وسعر صرف الدولار. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويذكر أن العملة الأميركية تراجعت بنسبة 13% في أسواق الصرف العالمية منذ فورة ارتفاعها في مارس/ آذار الماضي بسبب النقص في السيولة الدولارية عالمياً. وبالتالي ربما سيدفع الدولار ثمناً إضافياً من الهبوط السعري خلال العام الجاري بسبب التحفيز المالي والاقتصادي الضخم. وعادة ما يقود التوسع في الكتلة النقدية إلى تراجع سعر العملة. ورغم جاذبية الدولار وأدواته للمستثمرين الأجانب، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب أضرّ بموقع الدولار كعملة "احتياط دولية" وعملة تسوية تجارية، بتخبطه السياسي واستخدامه بكثافة كأداة في السياسة الخارجية لمعاقبة الدول التي تعارض سياسة الولايات المتحدة، وهو ما دفع العديد من الدول للبحث عن بدائل للدولار في تسوية الفواتير المالية والتجارة. 
وتخطط إدارة بايدن لضخ نحو 3.9 تريليونات دولار في الاقتصاد، من بينها حزمة إنقاذ بنحو 1.9 تريليون دولار وتريليونا دولار في البنى التحتية لخلق وظائف سريعة وتقليل حجم البطالة التي بلغت 14 مليون عاطل حتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وما يساعد الرئيس الجديد، بايدن، في ضخ هذه الأموال، أن حزبه، الحزب الديمقراطي، يملك أغلبية في مجلسي الكونغرس. وهو ما سيساعده في تمرير تشريعات الإنقاذ المالي بسرعة. 
كما أن الوزيرة المرشحة لتولي منصب وزير الخزانة، والمتوقع أن تحظى بموافقة سريعة من الكونغرس، جانيت يلين، سبق لها أن شغلت منصب رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" في سنوات أزمة المال العالمية، وبالتالي لديها الخبرة المالية الكافية للتعامل مع الأزمات كما أنها تستطيع التنسيق بسرعة مع رئيس مصرف الاحتياط الفدرالي، جيروم باول، في قضايا حزم التيسير النقدي التي تحتاجها الشركات الأميركية خلال الشهور المقبلة. 
وحسب الإفادات التي أدلت بها مرشحة الخزانة جانيت يلين أمام اللجنة المالية بالكونغرس، يوم الثلاثاء، فإنها ستمنح أولوية في سياستها لإنقاذ الاقتصاد الأميركي بغض النظر عن الكلفة المالية. وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، حذرت يلين في إفادتها من التباطؤ أو تأخير تقديم حزمة الإنقاذ المالي الكافية للاقتصاد، "لأن ذلك ستترتب عليه عواقب وخيمة في خسارة الوظائف وإغلاق الأعمال التجارية وبالتالي سيتدهور النمو الاقتصادي لسنوات". وأدت إفادات يلين إلى ارتفاع سوق الأسهم الأميركية، إذ كسب مؤشر داوجونز نحو 116.62 نقطة، مرتفعاً بنسبة 0.4% عند نهاية الإغلاق يوم الثلاثاء. 

وفي ذات الشأن، قال رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، جيروم باول، في جلسة نقاش بجامعة "برينستون يونيفرستي" بولاية تكساس هذا الأسبوع، إن البنك المركزي الأميركي سيواصل سياسة التحفيز النقدي الحالية وغير مهتم كثيراً بتداعيات هذه السياسة على التضخم أو فقاعة أسواق المال في الوقت الراهن. وأعطى باول بهذه التصريحات إشارة ضوء أخضر للمضاربين على الأسهم الأميركية بالاستمرار في الاستثمار والشراء لأنها سترتفع أكثر بواسطة الأموال الجديدة التي ستضخ في الاقتصاد. وذكر باول في جلسة النقاش أنه ملتزم بالحفاظ على سعر الفائدة المنخفض حتى التأكد من انتعاش الاقتصاد. وقال "حينما يأتي الوقت المناسب لرفع سعر الفائدة سنفعل ذلك، ولكن ذلك الوقت ليس قريباً". وبهذه التصريحات طمأن بايدن المؤسسات المالية والمصرفية في أميركا على أنها ستواصل الاقتراض من البنك المركزي بنسبة فائدة قريبة جداً من الصفر خلال العام الجاري، كما أن مصرف الاحتياط الفدرالي سيواصل برنامج شراء السندات البالغة قيمته 120 مليار شهرياً. وهو ما يعني أن الشركات الأميركية الكبرى لن تعاني من أزمة إفلاس بسبب الديون على المدى القصير. ويبلغ معدل التضخم الأميركي حالياً نحو 1.4%، وهو بعيد جداً عن المعدل الذي يستهدفه مصرف الاحتياط الفدرالي والبالغ 2.0%.
ويرى اقتصاديون أن السنوات الأولى من رئاسة بايدن ستتم بثبات السياسات النقدية والمالية، وهو ما يتوافق تماماً مع رغبات أسواق المال والمصارف الكبرى في البلاد التي راكمت نحو 2.4 تريليون دولار من السيولة خلال العام الماضي، وفق بيانات مؤسسة تأمين الودائع الأميركية. وتحتاج أميركا في الوقت الراهن لتقوية نظامها المصرفي حتى تتمكن من مواصلة الهيمنة على النظام النقدي العالمي في وقت يتراجع فيه سعر صرف الدولار ويتصاعد فيه النمو الاقتصادي والتجاري الصيني. وحتى الآن تشير إفادات فريق بايدن الاقتصادي والمالي إلى أن الرئيس بايدن سيحتفظ بسياسة متشددة تجاه الصين خلال فترة رئاسته. 

المساهمون