تزيد الأزمة الاقتصادية في تونس المسؤولية المالية للمواطنين في المهجر نحو ذويهم، ما دفعهم إلى زيادة تحويلاتهم الشهرية إلى أسرهم ممن تسببت الجائحة الصحية في تراجع دخولهم.
ويحرص التونسيون في المهجر على مواصلة إسعاف عائلاتهم واقتصاد بلادهم عبر التحويلات المالية، رغم اشتداد الأزمة الاقتصادية في عدد من دول الإقامة، ولا سيما الأوروبية منها أين يعيش أكثر من مليون تونسي.
وتمثل تحويلات المغتربين لدى أسر تونسية مصدر دخل أساسي، حيث توفر آلاف العائلات مصاريفها اليومية مما يرسله أبناؤهم المقيمون بالمهجر، ما يفسر ارتفاع تحويلات التونسيين في الخارج بنحو 3 بالمائة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، حسب بيانات رسمية رغم تداعيات تفشي كورونا التي أثرت سلبا على اقتصادات الدول التي يعملون بها، ما أدى بالتالي إلى انخفاض دخولهم.
وفي هذا السياق، يقول المواطن ثامر التبرسقي، إنه واصل التحويل المنتظم للأموال لأسرته بمعدل 250 دولارا شهريا، رغم ظروفه الصعبة في بلد الإقامة وتوقفه عن العمل لأكثر من 8 أسابيع، مشيرا إلى أن التونسيين في المهجر يحرصون على الإيفاء بتعهداتهم المالية تجاه أسرهم رغم تأثرهم بتداعيات كورونا.
وأكد التبرسقي لـ"العربي الجديد" أن المهاجرين يواجهون بدورهم صعوبات مالية واقتصادية، لكنهم حريصون على مساعدة أسرهم في تونس بسبب شح الموارد في بلده، وضعف الإحاطة الاجتماعية بالأسر محدودة الدخل والمتضررة من البطالة.
وأشار في سياق متصل إلى أن بعض دول الإقامة تكفل للمهاجرين الحد الأدنى من الدخل عبر المساعدات الاجتماعية ومرافقة فاقدي الشغل، مؤكدا أن المهاجرين يحوّلون جزءا من هذه المساعدات إلى ذويهم، حتى وإن فقدوا مواطن شغلهم بسبب تداعيات الغلق في عدد من الدول الأوروبية.
وخلال التسعة أشهر الأولى أسعفت تحويلات التونسيين بالخارج احتياطي تونس من النقد الأجنبي، في ظل تراجع أغلب القطاعات المدرة للعملة الصعبة بسبب الجائحة الصحية واحتجاجات المطالبين بالعمل، مسجلة زيادة بـ3 بالمائة عن تحويلات العام الماضي.
وتطورت التحويلات النقدية إلى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، لتستقر في مستوى 4.1 مليارات دينار (الدولار = نحو 2.8 دينار)، حسب بيانات حديثة للبنك المركزي التونسي.
وتفوّقت تحويلات التونسيين في الخارج على عائدات السياحة بأكثر من 100 بالمائة التي تراجعت تحت تأثير أزمة وباء كوفيد-19، بقرابة 60 بالمائة مسجلة انخفاضا بحساب الدولار بـ57.9 بالمائة لتبلغ 619 مليون دولار، وفق بيانات رسمية.
وفسّر الخبير المالي، خالد النوري، زيادة تحويلات المغتربين إلى بلادهم زمن الجائحة بزيادة حاجيات أسرهم إلى التمويلات نتيجة ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
وقال النوري إن جزءا مهما من المغتربين ينتمون إلى عائلات محدودة الدخل، ما يجعل المساعدات الشهرية التي يرسلونها إلى ذويهم أساسية لتأمين نفقاتهم اليومية.
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تحويلات المغتربين أصبحت موجهة لتمويل النفقات الاستهلاكية الأساسية لعائلاتهم، ولم تعد توجه للاستثمار على غرار السنوات الماضية، لافتا إلى أن تداعيات الجائحة الصحية ومخلّفات الغلق ترفع من حاجيات الأسر لمساعدات أبنائها في المهجر.
وأكد النوري أن التونسيين في المهجر ليسوا في وضع مالي مريح، بسبب البطالة التي طاولت جزءا منهم، ولا سيما الذين يعملون في قطاع الخدمات، غير أنه فسر تواصل تدفق تحويلاتهم بالتزاماتهم المالية تجاه أسرهم.
وأشار الخبير المالي إلى أن المهاجرين يموّلون حاجيات أسرهم بمدخراتهم المودعة في دول الإقامة.
وأبرزت آخر التقديرات الصادرة عن البنك الدولي، في تقرير أصدره تحت عنوان "موجز الهجرة والتنمية"، أنه من المتوقع أن تتراجع التحويلات التي يرسلها المهاجرون إلى بلدانهم بنسبة 14% خلال سنة 2021، مقارنة بمستويات ما قبل كورونا في 2019.
وقدرت المؤسسة المالية الدولية تراجع تدفقات التحويلات المالية إلى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بنسبة 8% سنة 2020، لتصل إلى 55 مليار دينار (20 مليار دولار) بسبب الأثر السلبي لاستمرار تباطؤ معدلات النمو العالمي.
وتشمل العوامل الرئيسية المسببة لهذا التراجع، حسب التقرير، ضعف معدلات النمو الاقتصادي والتشغيل في البلدان المضيفة للمهاجرين، وتراجع أسعار النفط وانخفاض قيمة عملات البلدان المرسلة للتحويلات مقابل الدولار الأميركي.
وسيؤثر هذا التراجع في 2020 و2021 على جميع المناطق، سيما الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (8% و8%) وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء (9% و6%).
وخلال السنوات العشر الأخيرة مثل معدل تحويلات التونسيين بالخارج 20 بالمائة من الادخار الوطني، و5 بالمائة من الناتج المحلي الخام حسب بيانات وزارة المالية والبنك المركزي.
كما تحتل هذه التحويلات المرتبة الرابعة في مصادر توفير العملة الأجنبية، وفقا لبيانات وزارة الشؤون الاجتماعية.
يقول المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، إن الأسر التونسية أصبحت تستثمر في تسفير أبنائها إلى الخارج بطرق نظامية وأخرى غير نظامية، لتحسين مداخيلها ووضعها المعيشي بعد تعطّل المصعد الاجتماعي، وتراجع دوره في تحسين أوضاع التونسيين.
وأكد بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الأسر التونسية كانت في السنوات السابقة تراهن على التعليم لتحسين وضعها المعيشي والخروج من الفقر، غير أن تزايد بطالة خريجي الجامعات غيّرت توجهات الأسر بالاستثمار في "تهجير" أبنائها بحثا عن تحسين الدخل.
واعتبر بن عمر أن استثمار العائلات في مساعدة أبنائها على الهجرة يفسّر التزام المغتربين بإسناد عائلاتهم في زمن الأزمات، رغم هشاشة أوضاعهم في دول الإقامة، وفق قوله.
وازدادت معاناة التونسيين في ظل الجائحة الصحية، إذ رجحت دراسة حكومية تم الكشف عن نتائجها في يونيو/ حزيران الماضي، ارتفاع معدل الفقر إلى 19.2 بالمائة نهاية العام الحالي من 15.3 بالمائة، مما سيؤدي إلى انخفاض مستوى دخل حوالي 475 ألف فرد ووضعهم تحت خط الفقر. ورجحت الدراسة ارتفاع عدد الفقراء في تونس إلى مليون شخص.
وبيّنت دراسة كشف عنها معهد الإحصاء الحكومي نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيسي في المناطق غير الساحلية، وتحديدا بوسط تونس وشمالها. وكشفت الدراسة أن معدلات الفقر ارتفعت بشكل رئيسي على مستوى الوسط الغربي المتكون من ثلاث محافظات، وهي القيروان والقصرين وسيدي بوزيد.