استمع إلى الملخص
- تواجه الصناعات التحويلية تحديات هيكلية مثل نقص العمالة الماهرة وارتفاع التكاليف، مما يضعف التنافسية، مع توقعات بانفصال الاقتصاد الألماني عن التنمية العالمية الإيجابية بحلول 2025.
- الخبراء يرون ضرورة إصلاحات اقتصادية لتعزيز الاستثمار في الخدمات العامة، مع تشكيك واسع في قدرة السلطات على مواجهة التحديات، وسط قلق متزايد بشأن الاقتصاد الشخصي وتغير المناخ.
تظهر توقعات الخبراء في المعاهد الاقتصادية استمرار انكماش الاقتصاد الألماني للعام الثالث على التوالي، وذلك بفعل الأزمات والتنافسية وغياب الثقة، كما المشاكل السياسية التي يعاني منها بلد كان يعتبر ذات يوم محركا لأوروبا. ويأتي ذلك وسط تشكيك جمعيات رجال الأعمال والقطاعات العمالية بقدرة الحكومة على اقتراح الحلول، ما يثير التساؤلات حول الأخطاء التي حدثت، وما الذي يمكن تغييره لتحديد الآفاق المستقبلية؟
وقبل الانصياع لآراء البعض الذي بات يعتبر أن نموذج الاقتصاد الألماني أضحى عتيق الطراز إلى حد ما في ظل المنافسة العالمية، وتضرر عموده الفقري المتمثل أولا بقطاع الصناعة، وبينما تتوقع مراكز الأبحاث نموا لا يتجاوز 0.2% في عام 2025، تفيد التحليلات بأن الضعف الحالي للاقتصاد الألماني ليس بظاهرة جديدة، بل إنه منذ الربع الثالث من عام 2021 لم يحقق الاقتصاد الأكبر في أوروبا نمواً بمعدل كاف. ومنذ ذلك الحين تراوحت معدلاته على أساس ربع سنوي بين سالب 0.5% وزائد 0.6%، مقارنة بالعام السابق. وشكلت هذه التراجعات نقاط ضعف كلي، رغم أن سوق العمل لا يزال يتمتع بثبات نسبي، حيث تفيد الأرقام بمعدلات بطالة تتراوح بين 5.8% و6.1% هذا العام.
لكن الواقع قد يتغير في العام 2025 في ضوء الاقتصاد الضعيف، حيث أبرزت دراسة صدرت أخيرا عن معهد الاقتصاد الألماني، المعني بسوق العمل، أن العديد من الشركات تعتزم تقليص عدد موظفيها بسبب تعثر الصناعة، ما سيؤثر على الخدمات المرتبطة بها، وبأسواق العمل، وقد يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة.
أمام هذا الواقع، رأى محللون اقتصاديون أن الاقتصاد الألماني معرض لخطر الانفصال بشكل متزايد عن التنمية الاقتصادية العالمية الإيجابية في 2025، لا سيما أن البلاد في وضع سيئ مقارنة بالدول الأخرى في منطقة اليورو، حيث يرجح أن ينمو الاقتصاد العام القادم بشكل أسرع بكثير من نموه في ألمانيا في هذا العام. وقال المحللون إن هناك أخطاءً ارتكبت بحق مصدر القوة الأعظم الذي كانت تتمتع به ألمانيا، أي الصناعة القوية، حيث بات ينظر إليها اليوم على أنها نقطة ضعفها العظمى. وأشار هؤلاء إلى عدم خفض الضرائب، وغياب الدعم عن مشتقات الطاقة للشركات.
وتعاني الصناعات التحويلية في ألمانيا من مشاكل هيكلية، تشمل نقص العمال المهرة وارتفاع التكاليف الثابتة على الإنتاج، ما خلق قناعة تامة لدى المصنعين بأن هذه العوامل أدت الى خسائر ملحوظة في القدرة التنافسية، وبالأخص في الأسواق غير الأوروبية، فضلا عن تلك المتعلقة بتزايد التدابير الحمائية والتوترات الجيوسياسية.
وأجمع الخبراء على أن ألمانيا، التي تعاني من غياب الإصلاحات الاقتصادية، ليس أمامها لتجاوز أزمتها إلا التعويض عن النقض المزمن في الاستثمار في الخدمات العامة، وفك ارتباط الأحزاب بمتطلبات تقييد كبح الديون، كونها قد تعيق الاستثمار والنمو، وتسبب ضعف البنية التحتية والرقمنة والأبحاث. مثل هذه التغييرات من شأنها أن ترفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.1% في العام المقبل، وتزيد فرص العمل المتاحة.
وفي هذا السياق، رأت الخبيرة في الشؤون المالية والضريبية ألينا شوستر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أحزابا مثل الليبرالي الحر، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم والذي يتولى زعيمه وزارة المالية الفيدرالية، وحتى يومنا هذا، لم تستوعب أنه لا يمكن تمويل الاستثمارات إلا من خلال القروض.
الاقتصاد الألماني وصعوبة التغلب على التحديات
وتوضح شوستر: "إذا كان عليك دائما توفير المال قبل شراء الآلات الحديثة أو تطوير المنتجات، فسوف ينهار الطلب بسبب التقشف، وبالتالي فإن التحديث المطلوب إذا ما أتى متأخرا لن يجدي نفعا، ولن تعود الآلة جديرة بالاهتمام لزيادة مستوى الإنتاج، ومن ثم الضرائب على الأرباح، والمساهمة في استدامة الاقتصاد الألماني، الذي بدأ يفقد بريقه بفعل تأخره تكنولوجيا وعدم تحسين بنيته التحتية، في وقت لحق الصينيون فيه بالركب وأنتجوا سلعاً مماثلة بجودة عالية، وبأسعار جذابة، وبميزة تنافسية هيكلية". وأشارت إلى أن الصين تتمتع أساسا بسوق داخلية تضم 1.4 مليار نسمة، وكلما زاد عدد قطع السلع المنتجة أصبحت السلع أرخص، وكل ذلك يجعل آفاق التصدير قاتمة.
وأمام كل هذه المعطيات، تتشكك الغالبية العظمى من الألمان بتمكن السلطات من التغلب على التحديات، ولديها خوف من فقدان المزيد من الرخاء مع استمرار الركود الاقتصادي، توازيا مع عوامل تغير المناخ وتعثر العديد من قطاعات الإنتاج، والدعم العسكري لأوكرانيا، والإعانات التي تقدم من أموال الضرائب لمواطنيها من النازحين، والذين تجاوز عددهم 2 مليون شخص. وذكرت صحيفة "دي فيلت" أن دراسة أجريت لصالح مؤسسة هامبورغ للقضايا المستقبلية أظهرت أن 63% ممن شملهم الاستطلاع قلقون بشأن اقتصادهم الشخصي في عام 2025، والشعب الألماني زاد استياؤه من الإدارة الخاطئة للأزمات على المستويات الحكومية والحزبية.